برق يخطف أبصارنا ،
رعد يصم آذاننا ،
أمواج عاتية تصفعني كلما حاولنا التقاط أنفاسنا ،
سيول من الأمطار تهطل علينا ،
نحاول النجاة وسط الأمواج العالية التي تبتلعنا الواحد تلو الآخر،
فجأة ،
دق رأسي ألم رهيب ،
صرخة مكتومة انطلقت غصبا عني :
آآآآآآآآآآآه .
( خطفتني دوامة لأسفل ،
تلاشت الصورة بعيني ،
أخذت أدور و أدور ،
أحاول جاهدا التخلص من براثنها للنجاة بنفسي من النزول للأعماق ،
انتفضت انتفاضة الخلاص ،
أخيرا نجحت ،
ركلت المياه الثقيلة بكل قوة ،
عدت ثانية باتجاه السطح ،
شهيق عميق أعادني للحياة ثانية ،
تحسست الألم بأطراف أصابعي ،
اصطبغت المياه من حولي باللون الأحمر ،
أعتقد أنه نتيجة ارتطام مقدمة أحد الألواح اللعينة ،
هذه الألواح التي اعتلاها راكبي الأمواج ،
و من غيرهم ،
أخذتني الغفلة ،
أخذت أنظر إليهم للحظات ،
رأيت البعض منهم يمتطي ألواحا مزركشة بالألوان الزاهية ،
شدت بحبال حريرية ملونة إلى بعض اليخوت الذهبية الفارهة ،
لمحت البعض الآخر منهم و قد اعتلى الأمواج تسلقا ،
و ما هي إلا لحظات حتى رأيتهم يمتطونها ببراعة ،
يتمايلون طربا على وقع هديرها ،
لا حول و لا قوة إلا بالله ،
من هؤلاء الذين يدوسون كل من يعترض طريقهم ؟
هؤلاء الذين امتطوا ألواحا من ذوات الشراع الشفاف ،
تتيح لهم رؤية توسلات طلب الرحمة تقفز من أعين ضحاياهم ،
أعوذ بالله ، أعوذ بالله ،
غيرت بصري للناحية الأخرى ،
فإذا بالكثير الذين استلقوا على ظهورهم في استرخاء ،
هؤلاء الذين انتشروا هنا و هناك ،
يطفون فوق سطح الماء لا يحركون ساكنا ،
تاركي أنفسهم للأمواج تتلاعب بهم كيف تشاء ،
ترفعهم تارة لأعلى عليين أو تسحبهم لأسفل سافلين ،
سيان أن تدفعهم يمينا أو تلقيهم ذات اليسار ،
لا فارق بينهم و بين هذه الأوراق التي تتلاعب بها الأمواج ،
أوراق ؟
الأوراق ، أين الأوراق ؟
لا ، غير معقول ،
لن يكون مصيرها الضياع ثانية أبدا ،
أحاول العودة عكس التيار ،
أحاول جاهدا لعلي أفلح ،
و لو ذراع واحدة ؟
شدة التيار تعيقني ،
هيا ، هيا ، هيا ،
تستطيع أن تفعلها ،
نعم أستطيع العودة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ،
لابد من انتشالها ،
نعم ،
لن أتركها لدوامات النسيان تبتلعها ،
قال أحدهم محاولا إثنائي :
ما هي إلا أوراق بالية أيها الأبله ....
صاح آخر :
خدعوك فقالوا .....
صرخت امرأة :
أيها الأبله أنت كمن يلهث وراء سراب ....
( و لكن لا حياة لمن تنادي ،
لا ، غير معقول ،
لن أترك ما ورثته مهما كانت العواقب ،
سحبت شهيقا عميقا ،
غمرت رأسي تحت الماء ،
تلاشت الأصوات من حولي ،
إلا من صوت أبي ،
ظللت أسبح و أسبح ،
أضرب الأمواج بذراعي بكل ما أوتيت من قوة ،
أركل المياه بقدمي أكثر فأكثر ،
لن أعود و لو كانت حياتي هي الثمن )