جامع التحف من الأدب التركي
الاستاذ جنيد السعاوي
ترجمة اورخان محمد علي
كان الشاب يهوى التحف ويطوف أرجاء الأناضول حتى أبعد موضع فيه يبحث عنها ويشتري ما يعجبه منها بأبخس الأثمان . لم يكن يكف عن هذه الأسفار حتى في أشد أيام الشتاء برداً ومطراً ، لذا فقد واجه في كثير من الأحيان متاعب جمة ومشاكل عديدة ، ولكن المشكلة الأخيرة التي واجهها كانت مشكلة لم يقابلها من قبل أبدأً ، إذ أضطر إلى ترك سيارته بعد أن سدت الطرق بسبب الثلوج ، وكان على وشك التجمد من البرد عندما أنقذه رجل عجوز وأخذه إلى كوخه.
قال الرجل العجوز وهو يساعد جامع التحف على السير :
- كنت مريضاً في الأيام الأخيرة . وقد خرجت اليوم لجمع الحطب ... إذن فقد شُفيت من المرض لكي أجدك.
عندما وصلا إلى الكوخ بعد صراع صعب مع الثلوج التي كانت تبلغ الركبة اتسعت عينا الشاب – التي تعبتا من النظر إلى بياض الثلوج مدة ساعات – من الذهول عندما دخل الكوخ ... فهناك حول الموقد كانت توجد أربعة كراسي من أجمل ما رأى حتى الآن من التحف ... أحس بأن ناراً تسري إلى جسمه الذي بقي بين الثلوج ساعات عدة وبأن شيئاً شبيهاً بالحمي ينتشر على وجهه المزرق من البرد.
كان الرجل العجوز يستعجل في تهيئة فراش لضيفه ، فبعد تقديم بعض الطعام له قال وهو يهييء فراشاً له فوق المصطبة :
- لم أستطع ايقاد الموقد هذا اليوم يا بني ... ولكن هذه اللحف ستدفئك. ثم دلف إلى حجرة النوم التي كانت زوجته المتوفاة منذ سنوات تشاركه فيها.
دلف الشاب تحت البطانية المصنوعة من وبر الماعز ، ولكنه على الرغم من تعبه الشديد لم يكن يستطيع النوم ... كان عليه ان يختلق قصة جيدة ومناسبة ، مثلاً يستطيع ان يشتري بضعة كراسي جديدة ويهديها إلى العجوز نظير قيامه بإنقاذ حياته ، ثم يُخرج هذه الكراسي من الكوخ بحجة أنها أصبحت قديمة جداً ويضعها خلف سيارة الحمل . بل حتى خطرت بباله فكرة القيام بسرقتها والهروب بها ، لأن العجوز الذي كان يمشي بصعوبة لن يستطيع اللحاق به.
وبينما كان الشاب يقلب أفكاره ويحاول أنضاجها كان النوم يداهمه فيستغرق فيه حتى يوقضه صوت الرياح المدوية في الخارج فيقلب الأفكار على وجوهها حتى يستغرق من جديد في النوم . في احدى المرات أحس بالرجل العجوز وهو يقوم لأداء صلاة الفجر ، بل خيل اليه انه يقوم بكسر بعض الحطب.
عندما فتح عينيه رأى العجوز وهو يطبخ طعاماً فوق الموقد ...أراد ان يجول ببصره فيما حوله وهو راقد في فراشة ... فجأة تذكر الكراسي فأعتدل في مكانه وألقي نظرة فيما حواليه ... تسمّر في مكانه من الدهشة والذهول .. لم يكن هناك كرسي واحد من تلك الكراسي . لا شك ان العجوز الذي صقلته تجارب الحياة أدرك ما يجول في خاطره ، وربما سمعه وهو يهذي في نومه بما يجول في خاطره ، لذا قام بنقل الكراسي إلى موضع آمن.
حاول أن يبدو هادئاً وهو يسأل :
- لقد تسرب الدفء إلى أوصالي ... والحساء الذي تطبخه يفوح برائحة شهية ... ولكني لا أرى الكراسي التي كانت موجودة هنا في الليلة الماضية. أجاب العجوز وهو يرمي قطعة أخرى من أجزاء الكراسي المكومة في زاوية من الغرفة:
-الكراسي مال فإنٍ من أموال الدنيا يا بني! ... أتراني كنت أرضي أن يُصاب ضيفي بالبرد ؟.