الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في مقدمة تفسيره للكتاب العزيز :
الحمد لله الذي جعل كتابه المبين كافلا ببيان الأحكام ، شاملا لما شرعه الله لعباده من الحلال والحرام ، مرجعا للأعلام عند تفاوت الأفهام وتباين الأقدام وتخالف الكلام ، قاطعا للخصام شافيا للسقام مرهما للأوهام .
فهو العروة الوثقى التي من تمسك بها فاز بدرك الحق القويم ، والجادة الواضحة التي من سلكها فقد هدي إلى الصراط المستقيم . فأي عبارة تبلغ أدنى ما يستحقه كلام الحكيم من التعظيم ، وأي لفظ يقوم ببعض ما يليق به من التكريم والتفخيم . كلا ، والله إن بلاغات البلغاء المصاقع ، وفصاحات الفصحاء البواقع ، وإن طالت ذيولها ، وسالت سيولها ، واستنت بميادينها خيولها ، تتقاصر عن الوفاء بأوصافه ، وتتصاغر عن التشبث بأدني أطرافه ، فيعود جيدها عنه عاطلا ، وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا .
فهو كلام من لا تحيط به العقول علما ، ولا تدرك كنهه الطباع البشرية فهما ، فالاعتراف بالعجز عن القيام بما يستحق من الأوصاف العظام أولى بالمقام ، وأوفق بما تقتضيه الحال من الإجلال والإعظام .
والصلاة والسلام على من نزل إليه الروح الأمين ، بكلام رب العالمين ، محمد سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وعلى آله المطهرين ، وصحبه المكرمين .
وبعد : فإن أشرف العلوم على الإطلاق ، وأولاها بالتفضيل على الاستحقاق ، وأرفعها قدرا بالاتفاق ، هو علم التفسير لكلام القوي القدير ، إذا كان على الوجه المعتبر في الورود والصدر ، غير مشوب بشيء من التفسير بالرأي الذي هو من أعظم الخطر .
وهذه الأشرفية لهذا العلم غنية عن البرهان ، قريبة إلى الأفهام والأذهان ، فعرفها من يعرف الفرق بين كلام الخلق والحق ، ويدري بها من يميز بين كلام البشر ، وكلام خالق القوى والقدر ، فمن فهم هذا استغنى عن التطويل ، ومن لم يفهمه فليس بمتأهل للتحصيل ، ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول :
(( فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه )) رواه الترمذي وقال حسن غريب .
ولما كان هذا العلم بهذه المنزلة الشامخة الأركان ، العالية البنيان ، المرتفعة المكان ، رغبت إلى الدخول من أبوابه ، ونشطت إلى القعود في محرابه ، والكون من أحزابه ، ووطنت النفس على سلوك طريقة ، هي بالقبول عند الفحول حقيقة ، وها أنا أوضح لك منازلها ، وأبين لك إيرادها وإصدارها .. إلى آخر كلامه رحمه الله .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
من مكتبتي