كيف ننشر ثقافة التطوع
يشكل العمل التطوعي شراكة تجمع بين أفراد يحملون على عاتقهم مسؤولية الرعاية والتنمية الاجتماعية، سواء بالرأي أو بالعمل أو بالتمويل أو بغير ذلك من الأشكال. فتكاتف فريق المنظومة التطوعية يشكل خلية تتجسد فيها أبلغ معاني التعاون من أجل النهوض بمكانة المجتمع.
فتأتي انطلاقة زرع بذرة الوعي بأهمية العمل التطوعي من البيئة الداخلية للأسرة، التي تأتي لترسم وتمهد الطريق للفرد نحو الاندماج وتسخير الطاقات.
بينما تشكل جهود المؤسسات الأهلية مع المؤسسات الحكومية عبر برامجها من محاضرات وندوات ومؤتمرات منطلق لنشر ثقافة العمل التطوعي، والتي تتبلور نحو تشكيل أندية شبابية وفرق شبابية تطوعية، والتي تأتي مهمتها بناء أواصر التعاون بين المتطوعين الشباب والجمعيات والمؤسسات الأهلية العاملة في المجالات كافة في إطار الاستفادة من خبرات ومهارات الشباب لخدمة الوطن.
في ظل نشر ثقافة العمل الوطني وتوطيد الجهود والعوامل المُثلى، لتأكيد إيجابياته على المتطوع والمجتمع، إلا أن يجب أن تسخر كثير من العوامل لنجاح المشروعات التطوعية، من أهمها الموارد البشرية والتي تشكل القوة الكامنة التي تديره وتسيره نحو الفشل أو النجاح، إضافة إلى الموارد المادية التي تأتي لتجسد وتترجم الأفكار والرؤى والتصورات النظرية.
فتجربة التطوع تبني لدى الأفراد المتطوعين طاقة داخلية تتدفق بشكل مستمر لبذل الجهود، والتأهب نحو مد يد العون، والمساعدة وتكميل الطرف الآخر.
لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه، كيف نبني متطوعاً ناجحاً؟
يشكل انضمام متطوع ضمن ركب العمل التطوعي، وبنفسٍ تواقة للعمل والتضحية بالجهد والوقت، بصمة جميلة لفكر ناضج، تواق للارتقاء بالمجتمع وتجسيداً لتطلعات أفراده. ثم يأتي تطوير قدرات وإمكانات المتطوع ببناء علاقات إنسانية قائمة على الاحترام المتبادل وتبادل المهارات والمعارف مع المؤسسات الأخرى، وبهذا التواصل تتولد للفرد رؤى وتطلعات تنموية تطويرية تنعكس إيجابياتها على المجتمع.
لكن يمكن القول إن الوهج الذي تعيشه روح المتطوع بعطاء متواصل يجب أن تلازمه وتعقبه جهود نحو دعمه وصبغه بعلامات التشجيع، وذلك من أجل الاعتراف بقيمته وأثره في تنمية المجتمع. في مقابل ذلك يشكل انخراط المتطوع في دورات تدريبية ومؤتمرات وندوات عامل مساعد في تنمية روح التطوع لديه وإبراز ما هو كامنٌ في نفسه من طاقات ومهارات.
يمكننا أن نتساءل، ما سر نجاح العمل التطوعي في بعض المؤسسات الاجتماعية؟
فتبلور نجاح العمل التطوعي في بعض المؤسسات الاجتماعية جاء نتيجة جعل «التطوع» ثقافة، ومنهاج حياة، ونسيج داخلي بذات الفرد، ومنطلق فكر وطاقة متدفقة.
فحاولت هذه المؤسسات عبر برامجها أن تؤسس قاعدة قوية للعمل التطوعي، من خلال تأسيس فكر ومنهج المتطوع عبر إتاحة الفرصة أمام مساهماته وإبداعاته، وخلق قيادات جديدة، وعدم احتكار العمل التطوعي على فئة أو مجموعة معينة.
ومن منظور آخر، عملت هذه المؤسسات الناجحة على تكريم المتطوعين الشباب في ظل وضع برنامج امتيازات وحوافز لهم. وإنشاء اتحادات تجمع المتطوعين ويشرف على تدريبهم وتوزيع مهماتهم، كل هذه العوامل ساهمت في تنظيم وتطوير طاقات المتطوعين وتشجيعهم ودفعهم للانطلاق بجدية في أنشطة ومشروعات مؤسساتهم.
هل نحنُ بحاجة إلى برنامج يبث ثقافة العمل التطوعي؟
نحن لسنا فقط بحاجة إلى برنامج، بل إلى مشروع متكامل يحمل بين أواصله سلسلة من البرامج التوعوية والدعائية، نحو جذب الأفراد إلى ركب العمل التطوعي، وتفاعلها مع ما يحمله العمل من ميثاق بعنوان «مجتمع من دون تطوع مجتمع بلا حضارة».
من هذا المقام يمكننا أن نرسم منهجاً لمشروع يدعو إلى العمل التطوعي بتكاتف الأطراف كافة (الأسرة، المؤسسات الأهلية، المؤسسات الحكومية)، تحدد فيه الأهداف التي تتجسد على شكل أعمال ومناهج تطبيقية مرئية. مشروع يشكل بيئة مُثلى لانضمام الشباب الذين يملكون طاقة حرة وفكراً متجدداً، ببرامج متجددة مع تطور الفكر البشري والظروف العامة للمجتمع وتطلعات الشباب.
لنجعل من هذا المشروع جامعة لتخريج ثُلة من المتطوعين المتميزين، يحملون رسالة التطوع على جباههم ويمثلونها عبر أعمالهم