رد: الامتداد الطبيعي لأمة الإسلام.. ثم ظهرت الأشاعرة، الذين قدموا العقل علي النقل، فحرَّفوا في صفات الله تعالى، وعطلوها ولم يثبتوا منها إلا ما وافق عقولهم، وقالوا: "نحن الخلف ننصر عقائدنا بمنهج المتكلمين" وقالوا: "منهج السلف أسلم، ومنهج الخلف أعلم وأحكم"، فرفضهم أهل السنة والجماعة، متمسكين بنصرة عقائد السلف بمنهج السلف ذاته (الذي هو تقديم القرآن والسنة علي العقل والهوى)، وإثبات ما أثبته الله لنفسه في الوحي من أسماء وصفات وأفعال بلا تكييف معلوم ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تأويل ولا تحريف، وأنكر أهل السنة سلفا وخلفا سبيل أهل الكلام والمتكلمين، كما قال الإمام مالك من قبل "أهل البدع؛ الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، ولا يسكتون عمّا سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان"(صون المنطق للسيوطي)، كما أثبت السلفيون منذ ذلك الحين أن منهج السلف أسلم وأعلم وأحكم، وأنه هو الذي تعبَّدنا الله باتباعه، وحذرنا من مخالفته.. وإذا كان الإمام الأشعري الذي ينتسبون إليه زورا وبهتانا متوفى سنة (ت324ه)، فقد أنكر ذلك المعتقد الذي تاب منه الأشعري نفسه في آخر حياته وظل عليه الأشاعرة؛ من جاء بعده، بعد اشتهاره وانتشاره في الناس (القرن الرابع) بمعنى أنه لما عُرف أن أناسًا يعتقدون معتقدا كلاميًا مُحدثا ينتسبون به إلى الإمام الأشعري فبيّن علماء السلف ضلال هذا المعتقد، وخطأ الإمام الأشعري فيما ينتسبون إليه به، إذ أنه قد تاب منه ورجع بإقرار الصادقين من الأشاعرة المتقدمين.. >> هذا وقد باءوا بإثم الخوض في شرع الله بالكلام والعقل دون النص والشرع، وحملوا من ذم السلف لهم ما حمل أمثالهم من باقي المتكلمة.. – قال تقي الدين ابن الصلاح: "وفهرس ابنُ فورك (ت406ه وهو من أعلام الأشعرية) في كتابه ‘طبقات المتكلمين من الكُلابية ثم الأشعرية‘ كتبَ المحاسبي.."(طبقات الفقهاء الشافعية) – قال أبو زيد الفقيه المروزي (ت371ه): "أتيتُ أبا الحسن الأشعري بالبصرة فأخذت عنه شيئاً من الكلام فرأيت من ليلتي في المنام كأني عميت فقصصتها على المعبِّر فقال: "إنك تأخذ علماً تضل به" فأمسكت عن الأشعري فرآني في الطريق فقال لى: "يا أبا زيد أما تأنف أن ترجع إلى خراسان عالماً بالفروع جاهلاً بالأصول؟" فقصصت عليه الرؤيا فقال: "أكتمها علي ههنا"(صون المنطق والكلام للسيوطي)
– قال الإمام الخطابي (ت388ه) عن أهل السنة، بعد توبته من طريقة المتكلمين: "ولا يحرفون الكلام عن مواضعه بحمل اليَدَيْنِ على النعمتين أو القوتين تحريف المعتزلة والجهمية أهلكهم الله ولا يكيفونهما أو تشبيههما بأيدي المخلوقين تشبيه المشبهة خذلهم الله وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتكييف ومنَّ عليهم بالتعريف والتفهيم حتى سلكوا سبل التوحيد والتنزيه وتركوا القول بالتعليل والتشبيه واتبعوا قول الله عز و جل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"(الغنية عن الكلام وأهله) – قال الإمام ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (5/103) عندما تكلم عن صفات الله تعالى على طريقة السلف: (وكذلك ذكره الخطابي في رسالته في ((الغنية عن الكلام وأهله))، وهذا يدل على أن ما يُؤخذُ من كلامه في كثير من كتبه مما يخالف ذلك، ويوافقُ طريقةَ المتكلمين؛ فقد رجعَ عنه، فإن نفي كثير من الصفات إنما هو مبنيٌّ على ثبوتِ هذه الطريقة… ) – قال الإمام أبو عبد الله بن منده (ت395ه): "ليتق الله امرؤ وليعتبر بمن تقدم ممن كان القول باللفظ مذهبه ومقالته، وكيف خرج من الدنيا مهجورًا مذمومًا مطرودًا من المجالس والبلدان؛ لاعتقاده القبيح وقوله الشنيع المخالف لدين الله مثل: الكرابيسى، والشوّاط، وابن كُلًّاب، وابن الأشعرى وأمثالهم ممن كان الجدال والكلام طريقه فى دين الله عز وجل"(رواه الهروى فى"ذم الكلام" (4/424))
ورُوي ذم الأشعرية في بدايات ظهور المذهب الأشعري لأبي الحسن الأشعري، ومن ذلك
– لما قدم الاشعري بغداد جاء إلى أبي محمد البربهاري (ت329ه) شيخ الحنابلة فجعل يقول: رددت على الجبائي، رددت على المجوس، وعلى النصارى. فقال أبو محمد: لا أدري ما تقول، ولا نعرف إلا ما قاله الإمام أحمد. فخرج الأشعري وصنف "الإبانة"؛ فلم يقبل منه*.(طبقات الحنابلة وسير أعلام النبلاء) * وإنما لم يقبل منه كتابه الإبانة على ما فيه من الحق والتمسك بما كان عليه إمام أهل السنة أحمد بن حنبل؛ لأن الأشعري لم يكن يثبت على عقيدةٍ، في الأسماء والصفات وغيرها إلا وانتقل لأخرى، وإنما كان ذلك زجرا من الإمام البربهاري للأشعري وإنكارا عليه ما كان يفعل.. حتى لا يظن من نفسه تملك المذهب السلفي فيعلو عليه بعقله ورأيه ويتخطاه كما تخطى ما سبقه.. فهذا ليس كذاك، وإلا فقد فرح علماء السنة بكتاب الإبانة وتقبلوه ورووا ما فيه على سبيل المدح لتوبة الأشعري في آخر مراحل عمره.. يُحاجُّون به الأشعرية.. وقد تتابع الأئمة فيما بعد القرن الرابع على ذم التحريف الأشعري لصفات الله تعالى، ولتقديم العقل والهوى والكلام على النص القرآني والنبوي والسلفي، وما أجمع عليه الأئمة، وقد اشتدوا في النكير إذا قد علت أصوات الأشاعرة فيما بعد القرن الرابع، في الخامس والسادس منه حتى انتشرت مذاهبهم في غياب سلطان الخلافة الإسلامية..* حتى أن السُّبكي ذكر أن أبا الحسن الهروي (ت611ه) بالغ في ذم المذهب الأشعري حتى قال بأن ذبائح الأشعرية لا تحل (طبقات السبكي)
– قال الإمام أبو نصر السجزي (ت444ه): "ولا خلاف بين العقلاء في أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تُعلم بالعقل، وإنما تُعلم بالنقل"(رسالة الرد على من أنكر الحرف والصوت) وقال: "وأَئِمَّتُنَا كسفيان، ومالك، والحمّادَيْن، وابن عيينة، والفضيل، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، مُتَّفِقونَ على أن الله سبحانه فوق العرش، وعلمه بكل مكان، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا، وأنه يغضب ويرضى، ويتكلم بما شاء"(كتابه الإبانة نقلاً عن "سير أعلام النبلاء"(17/650).) وقال: "اعلموا أرشدنا الله وإياكم أنه لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان الى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والصالحي والأشعري وأقرانهم الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة وهم معهم بل أخس حالاً منهم في الباطن"(الرد على من أنكر الحرف والصوت) – روى ابن عبد البر رحمه الله (ت463ه) قال أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، قال: حدثنا إبراهيم بن بكر، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن إسحاق بن خويز منداد المصري المالكي، قال في كتاب الإجارات من كتابه في الخلال، قال مالك: "لا تجوز الإجارة في شيء من كتب أهل الأهواء والبدع والتنجيم، وذكر كتبا ثم قال: وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم، وتفسخ الإجارة في ذلك، وكذلك كتب القضاء بالنجوم وعزائم الجن وما أشبه ذلك"، وقال في كتاب الشهادات في تأويل قول مالك: "لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء قال: "أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعريا كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام ويهجر ويؤدب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها" قال أبو عمر: "ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول صلى الله عليه وسلم أو أجمعت عليه الأمة وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه"(جامع بيان العلم وفضله وصون المنطق ومفتاح السعادة) – قال ابن عقيل: "لما تُوفي ابن الزوزني حضر الدفن طاهرُ بن القواس البغدادي (ت476ه) فلما بلغ الأمر إلى تلقين الحفار قال له: "تنحَّ" ثم قال: "يا عبد الله وابن أمته، إذا نزل عليك ملكان فظّان غليظان، فلا تجزع ولا تُرَعْ، فإذا سألاك فقل: رضيتُ بالله رباً، وبالإسلام ديناً؛ لا أشعري ولا معتزلي؛ بل حَنبلي سُنِّي."فلم يتجاسر أحد أن يتكلم بكلمة.."(ذيل طبقات الحنابلة بتصرف يسير)
– وقال أبو الحسين ابن أبي يعلى (ت526ه) في كتابه الاعتقاد باب (هجر أهل البدع): "ويجب هجران أهل البدع والضلال كالمشبهة والمجسمة والأشعرية والمعتزلة…" الخ.
– وللإمام الكرجي الشافعي (ت532ه) قصيدة نصر فيها السنة واعتقاد السلف، وذم فيها مقالات الأشعري ومعتقده الذي يتمسك به الأشاعرة، نص عليها الذهبي والسمعاني والسبكي وابن تيمية..
وقال في كتابه (الفصول في الأصول): "ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن يُنسبوا إلى الأشعري ويتبرؤون مما بنى الأشعري مذهبه عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت عدة من المشايخ والأئمة..".(نقله شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى ودرء تعارض العقل والنقل-والكتاب مذكور في ذيل طبقات الحنابلة)
– قال الإمام عبد القادر الجيلاني (ت578ه): "وأنه تعالي ينزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء … لا بمعني نزول رحمته وثوابه على ما ادعت المعتزلة والأشعرية"(الغنية لطالبي الحق 56) وقال: "فالأخبار تدل على أن كلام الله صوتٌ لا كصوت الآدميين … وذلك خلاف ما قالت الأشعرية من أن كلام الله معنى قائم بالنفس"(الغنية 65)
وقال: "وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش لا على معني القعود والمماسة كما قالت المجسمة والكرامية، ولا على معني العلو (أي علو المنزلة) والرفعة كما قالت الأشعرية، ولا على معني الاستيلاء كما قالت المعتزلة. لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا نقل عن أحد من الصحابة والتابعين من السلف الصالح من أصحاب الحديث، بل المنقول عنهم حمله على الإطلاق … بل إنه في السماء على العرش كما قال: "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" [طه 5](الغنية 55)
[ونقل الحافظ ابن رجب كلامه هذا في طبقات الحنابلة 3/296]. * ويُعلم أن كل ما رُوي من كلام الأئمة في ذم الأشعري إنما كان لما عليه في الفترة قبل الرجوع عن مذهبه الكلامي الذي يتمسك به الأشاعرة اليوم، وقد مدحه آخرون لما علموا من توبته، وما في كتابه الإبانة ومقالات الإسلاميين من التوبة والتمسك بما مات عليه أحمد بن حنبل وسلف هذه الأمة، وقبلوا ذلك منه.. |