رد: الامتداد الطبيعي لأمة الإسلام.. وفيما بعد القرن الرابع تقريبًا، زادت الفرق وانتشرت انتشارا واسعا (في فترةٍ ضَعُفَت فيها دولة المسلمين)، قويت فيها دولة العُبيديين الفاطمية، وانتشر التصوف حتى أصبح عقيدةً وسلوكا تعبديا غير منكر، وأصبح المعتقد الأشعري هو الغالب على العلماء ممن يُنسبون إلى السّنة في تلك الفترة، حتى ظُن أن المعتقد الأشعري هو معتقد أهل السنة! إلا من رحم الله ممن ترك تقليد آراء الرجال؛ واتبع ما أنزل في الوحي قرآنا وسنة، وما أطبق عليه سلف الأمة.. في العقيدة والعمل والتزكية والسلوك (القرن الخامس والسادس) – وكان مَن فَقِه من المسلمين يقاطعون من يتمذهب بهذا المذهب الكلامي. فقد انقطع بعضهم عن ابن أبي عصرون (ت585ه) –من علماء الأشاعرة– في الشام فقال لهم لماذا انقطعتم عني؟ قالوا: "إن أناساً يقولون: "إنك أشعري". فقال: "والله ما أنا بأشعري!" (سير أعلام النبلاء وطبقات السبكي)
– وقال ابن الجوزي (ت597ه) يتكلم عن أن القرآن غير مخلوق: "وهذا أمر مستقر لم يختلف فيه أحد من القدماء في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، ثم دس الشيطان دسائس البدع فقال قوم: هذا المشار إليه مخلوق، فثبت الإمام أحمد رحمه الله ثبوتاً غيره على دفع هذا القول لئلا يتطرق إلى القرآن ما يمحو بعض تعظيمه في النفوس، ويخرجه عن الإضافة إلى الله عز وجل.ورأى أن ابتداع ما لم يقل فيه لا يجوز استعماله فقال: كيف أقول ما لم يقل.ثم لم يختلف الناس في غير ذلك، إلى أن نشأ علي بن إسماعيل الأشعري. فقال مرة بقول المعتزلة، ثم عنّ له فادعى أن الكلام صفة قائمة بالنفس. فأوجبت دعواه هذه أن ما عندنا مخلوق.وزادت فخُبِّطت العقائد فما زال أهل البدع يجوبون في تيارها إلى اليوم"(صيد الخاطر) وقال في المنتظم: "ابو الحسن الاشعرى المتكلم ولد سنة ستين ومائتين وتشاغل بالكلام وكان على مذهب المعتزلة زمانا طويلا ثم عنّ له مخالفتهم واظهر مقالة خبطت عقائد الناس واوجبت الفتن المتصلة وكان الناس لا يختلفون ان هذا المسموع كلام الله وانه نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه و سلم فالائمة المعتمد عليهم قالوا انه قديم والمعتزلة قالوا مخلوق فوافق الأشعرى المعتزلة فى ان هذا مخلوق وقال ليس هذا كلام الله انما كلام الله صفة قائمة بذاته ما نزل ولا هو مما يسمع وما زال منذ اظهر هذا خائفا على نفسه لخلافه اهل السنة حتى انه استجار بدار ابى الحسن التميمى حذرا من القتل ثم نبغ اقوام من السلاطين فتعصبوا لمذاهبه وكثر اتباعه حتى تركت الشافعية معتقد الشافعى ودانوا يقول الاشعرى" وظل الكثير من أئمة ذلك الزمان لا يخلو الواحد منهم من تلبس بأشعرية، أو بتصوف، أو بفسلفة، أو بنوع رفض أو ببدعة أخر حتى برز نجم شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية في أواخر القرن السابع وأول الثامن رحمه الله(وُلد 661ه-ت728ه) في العصر المملوكي والذي شهد إحياءً للسنة بفضل الله أولا ثم بجهوده وجهود تلامذته، ومَيَّز منهج أهل السنة عن الفرق الكلامية والمناهج المنحرفة عنه تمييزا واضحا، ووضع حدا لادعاءات الكذابين، وألاعيب المغرضين، وبيّن ضلال كل ٍمن هؤلاء جميعا، ومدي انحرافه وبُعده عن مُعتقد وعمل السلف، سواءً الملاحدة أو المتكلمين أو الصوفية أو النصارى أو اليهود أو الأشاعرة أو المناطقة أو الدهريين أو الروافض، وجاهد التتر والصليبيين، وناصح الحكام، وأخذ على أيديهم.. ووقتها اشتُهر المنهج والمعتقد بالسلفي، وتسمى به من جاءوا بعد ذلك، في مقابلة كل الفرق والأهواء. فامتاز ذلك العصر بظهور عقائد الإسلام الصحيحة النقية من كل شائبة، إذ تمتد جذورها إلي السلف بعامة و الصحابة بخاصة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "صار المتمسكون بالإسلام المحض هم أهل السنة والجماعة"(مجموع الفتاوي)، وقال: "لا عيب علي من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزي إليه، بل يجب قبول ذلك منه فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا"(مجموع الفتاوي)
– وقال: "فَلَوْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ (أي القول بأن القرآن مخلوق) لَمْ تَصِحَّ الْحُجَّةُ؛ فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ الْمُحَقَّقُ السَّلَفِيُّ عَلَى خِلَافِهِ"(إقامة الدليل على إبطال التحليل)
وقال: "وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ فِينَا أَجْسَامٌ كَالْيَدِ، وَأَمَّا السَّلَفِيَّةُ فَعَلَى مَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا : مَذْهَبُ السَّلَفِ إجْرَاءُ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ عَلَى ظَاهِرِهَا مَعَ نَفْيِ الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ عَنْهَا فَلَا نَقُولُ إنَّ مَعْنَى الْيَدِ الْقُدْرَةُ وَلَا إنَّ مَعْنَى السَّمْعِ الْعِلْمُ"(السابق)
– قال الفيروزآبادي (ت817ه) في القاموس المحيط في كلمة >>سلف<<: "… وكُلُّ مَنْ تَقَدَّمَكَ من آبائِكِ وقَرابَتِكَ ج : سُلاَّفٌ وأسْلافٌ ومنه: عَبْدُ الرحمْنِ بنُ عَبْدِ الله السَّلَفِيُّ المُحَدِّثُ (من علماء القرن السادس الهجري) وآخَرونَ مَنْسوبونَ إلى السَّلَفِ" – وأكمل تلامذته تلك "النهضة" والتجديد العقائدي والإيماني والعملي – قال ابن القيم: "وقامت سوق الاستدلال بالكتاب والسنة والآثار السلفية، وانتشرت مذاهب الصحابة والتابعين وغيرهم من أئمة الاسلام للطالبين، وخرج من حبس تقليد المذهب المعين به من كرمت عليه نفسه من المستبصرين.."(إعلام الموقعين) وقال: "..والذين أجمعوا قبلهم على هذه الصفات (أي الصفات السبعة) أجمعوا على إثبات سائر الصفات ولم يخصوها بسبع بل تخصيصها بسبع خلاف قول السلف وقول الجهمية والمعتزلة فالناس كانوا طائفتين سلفية وجهمية فحدثت الطائفة السبعية واشتقت قولا بين القولين فلا للسلف اتبعوا ولا مع الجهمية بقوا"(الصواعق المرسلة)
– قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالي: "ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ…": "فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما يُسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري…الخ"(التفسير) (آخر القرن السابع، والثامن وما بعده) ____________________ |