عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-06-2009, 09:28 AM
 
في شيء من اللغة - كلمة (ما) في آية السحر

في شيء من اللغة - كلمة (ما) في آية السحر
بسم الله الرحمن الرحيم


- هذه الكلمة الصغيرة لها معانٍ شتى، وتأثيرات متنوعة فاعلة، فالجملة من أنت؟ تختلف في أثرها عن جملة ما أنت؟ وجملة من هذا تختلف عن ما هذا؟ وجملة هذا بشر، ليست كجملة ما هذا بشراً، وجملة يسبح لله من في السماوات ومن في الأرض تختلف عن جملة سبح لله ما في السموات وما في الأرض، هذه هي الكلمة في لغتنا العربية، إنها تأتي أحياناً بعدة معانٍ وعدة استعمالات، ولكن الموضوع الآن ذاهب إلى تلك التي وردت في الآية 104 في سورة البقرة، وهي مفتاح لفهم آية السحر، إنها نقطة جميلة وتثير في نفس العربي هِمّة ونشاطاً لفهم المعاني المنطوية تحت أساليب عربية لغوية بلغت الغاية في اخراج المعاني بذوق وجمال.
قال سبحانه: ''واتبعوا ما تتلو الشياطين على مُلك سليمان وما كفر سليمان ولكنّ الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر''. لكمة (ما) في هذه الآية اتجاهان، الأول: أن تعني النفي في آية السحر، وذلك كقوله تعالى: ''وما كنتُ بدعاً من الرسل'' أي ليس محمد (صلى الله عليه وسلم) خارجاً عن منهج الرسل، والثاني: أن تكون بمعنى الاسم الموصول كالآية التي ذكرت آنفاً وهي: '' يسبح لله ما في السموات وما في الأرض'' أي يسبح الذين في السموات والأرض.
إذاً نجري المعنى باتجاهيه على الآية، فإنّ كانت بمعنى النفي، فإنّ الآية الكريمة تعني ان هاروت وماروت ليسا ملكيْن، ولكنهما من شياطين الأرض، وأما إذا كانت بمعنى الاسم الموصول (الذي) أو (الذين)، فإنّ هاروت وماروت عندئذ ملكان، وأصبح فهم ا لآية كلها مرتكزاً على الأخذ بالكلمة على النفي أو بأخذها على الاسم الموصول، فلنحاول لنفهم ذلك.
في حالة (النفي) فيصبح معنى الآية في أذهاننا كما يلي: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان من السحر، وما كفر سليمان ولا انزل الله السحر، ولكن الشياطين هم الذين كفروا، وهم يعلمون الناس السحر ببابل، إذاً أمر السحر وتعليم السحر مختلق جداً، فما زعمه اليهود ووضعوا هالةً حوله من التعظيم ما هو الا شيء من القصص والأساطير ليس له من المنبت الصالح نصيب؛ فالسحر كذب كله، وتعليم السحر مختلق كله.
وأما في حالة الاسم الموصول، أي أن يكون المعنى لكلمة (ما) هو الذي أو الذين فإن الفهم سيختلف، والإدراك سيختلف ويتكوّن لدينا حينئذ معنى جديد. المعنى هو: هاروت وماروت ملكان في بابل، أنزلهما الله تعالى ليعلما السحر اختباراً وامتحاناً للعباد، يعلمان السحر ثم يقولان هذا فتنة لكم، ابتعدوا عن السحر لأنه منكر، وهو ابتلاء كما هي الشياطين ابتلاء، ولذلك قال سبحانه في الآية نفسها :''وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله'' كما يقول سبحانه في الآية نفسها أيضاً: ''ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خَلاق''، ولله الحمد والفضل.
د. كامل جميل ولويل
رد مع اقتباس