عرض مشاركة واحدة
  #31  
قديم 06-08-2009, 07:25 PM
 
رد: دراسة .. في شاعر ..

أبو نواس



أحد الشعراء المتميزين في العصر العباسي، هو الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح الحكمي بالولاء، أبو علي، كنيته أبو نواس، شاعر العراق في عصره، قام بنظم جميع الأنواع الشعرية، وكان واحداً من شعراء الطبقة الأولى، ولكنه أكثر في نظم الشعر المتعلق بوصف الخمر، فعرف أبو نواس بشاعر الخمر فكان لا ينافسه شاعر أخر في وصفه لها.


ويرجع لأبو نواس الفضل في تحرير الشعر من اللهجة البدوية، ونظمه بالطريقة الحضرية.


وقد اخذ عليه الكثيرين عبثه ومجونه وانصرافه للخمر على الرغم من جودة شعره، إلا أن الخمر قد اذهب عقله فما يكاد يفيق منها حتى يرجع لها مرة أخرى، إلا انه أتجه إلى الزهد في أواخر حياته فقال البعض انه تاب عما كان فيه وقد انشد عدد من الأشعار التي تدل على ذلك.


النشأة

توفي والده فانتقلت به أمه من أهواز إلى البصرة في العراق ، وهو في السادسة من عمره ، وعندما أيفع وجهتهُ إلى العمل في حانوت عطار وحين آلت الخلافة إلى بني العباس ، ثم انتقل من البصرة إلى الكوفة، ولم تذكر لنا كتب التاريخ سبب ذلك، غير أنه التقى والبة بن الحباب الأسدي الكوفي أحد الشعراء اللامعين في ميدان الخلاعة والتهتك، فعني به والبة أي عناية، إذ عمل على تأديبهِ و تخريجهِ. وصحب جماعةً من الشعراء الماجنين كمطيع بن إياس وحماد عجرد. ثم انتقل إلى بادية بني أسد فأقام فيهم سنةً كاملةً آخذاً اللغة من منابعها الأصيلة. ثم عاد إلى البصرة وتلقى العلم على يد علمائها أدباً وشعراً.
و عندما توفي والده تلقفه شيخ من شيوخ اللغة والأدب والشعر، هو خلف الأحمر، فأخذ عنه كثيراً من علمهِ وادبه، وكان له منه زاد ثقافي كبير ن حتى أنه لم يسمح له بقول الشعر حتى يحفظ جملة صالحة من أشعار العرب و يقال:إن أبا نواس كلما أعلن عن حفظه لما كلفه به، كان خلف يطلب إليه نسيانها، و في هذا لون رفيع من ألوان التعليم، حتى لا يقع هذا الشاعر الناشىء في ربقة من سبقه من الشعراء المتقدمين و قد روي عن أبي نواس قوله :" ما ظنكم برجل لم يقل الشعر حتى روى دواوين ستين امرأة من العرب منهن الخنساء و ليلى الأخيلية فما ظنكم بالرجال؟"
و ما كاد أبو نواس يبلغ الثلاثين، حتى ملك ناصية اللغة والأدب، وأطل على العلوم الإسلامية المختلفة، من فقه و حديث ، و معرفة بأحكام القرآن ، وبصر بناسخه و منسوخه ومحكمه ومتشابهه، و ما أن تم لابن هاني هذا القدر من المعرفة حتى طمح ببصره إلى بغداد ، عاصمة الخلافة، ومحط آمال الشعراء. ولكن نظرة سريعة في ديوانه تجد غلبة الخمر عليه ، للحد الذي جعله يفضلها على كل شيء.
ولم يقتصر طلبه العلم على الشعر والأدب بل كان يدرس الفقه والحديث والتفسير حتى قال فيه ابن المعتز في كتابه ’طبقات الشعراء‘ : "كان أبو نواس ٍ عالماً فقيهاً عارفاً بالأحكام والفتيا، بصيراً بالاختلاف، صاحب حفظٍ ونظرٍ ومعرفةٍ بطرق الحديث، يعرف محكم القرآن ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه."
وفي البصرة شغف أبو نواسٍ بجاريةٍ تدعى ’جَنان‘ وغناها بشعرٍ كثيرٍ يعبر عن عمق شعوره نحوها. وقد قصد أبو نواسٍ بغداد وامتدح هارون الرشيد ونال مكانةً مرموقةً لديه ، ولكنه أي هارون الرشيد كان كثيراً ما يحبسه عقاباً له على ما يورد في شعره من المباذل والمجون. وقد أطال الرشيد حبسه حتى عفا عنه بشفاعةٍ من البرامكة الذين كان أبو نواسٍ قد اتصل بهم ومدحهم. ولعل صلته الوثيقة بهم هي التي دفعته إلى الفرار حين نكبهم الرشيد فيما عرف فيما بعد بنكبة البرامكة.
ذهب أبو نواسٍ إلى دمشق ثم إلى مصر متجهاً إلى الفسطاط ، عاصمتها يومذاك ، واتصل بوالي الخراج فيها الخصيب بن عبد الحميد فأحسن وفادته وغمره بالعطاء فمدحه بقصائد مشهورة.
توفي هارون الرشيد وخلفه ابنه الأمين، فعاد أبو نواسٍ إلى بغداد متصلاً به، فاتخذه الأمين نديماً له يمدحه ويُسمعه من طرائف شعره. غير أن سيرة أبي نواسٍ ومجاهرته بمباذله جعلتا منادمته الأمين تشيع بين الناس. وفي نطاق الصراع بين ابني الرشيد ، الأمين والمأمون ، كان خصوم الأمين يعيبون عليه اتخاذ شاعرٍ خليعٍ نديماً له، ويخطبون بذلك على المنابر ، فيضطر الأمين إلى حبس شاعره. وكثيراً ما كان يشفع الفضل بن الربيع له لدى الخليفة فيخرجه من سجنهِ. وعندما توفي الأمين رثاه أبو نواسٍ بقصائد تنم عن صدق عاطفته نحوه.


مختارات من شعر أبي نواس



شعر وعشق



عشق أبو نواس إحدى الجواري بالبصرة، وكانت تدعى "جنان" وكانت جميلة تروي الأشعار والأخبار، وقد هام بها ونظم فيها الكثير من الأشعار والتي نذكر منها:


أَيا مُلينَ الحَديدِ لِعَبدِهِ iiداوُودِ


أَلِن فُؤادَ جِنانٍ لِعاشِقٍ iiمَعمودِ


قَد صارَتِ النَفسُ مِنهُ بَينَ الحَشا وَالوَريدِ


جِنانُ جودي وَإِن عَززَكِ الهَوى أَن تَجودي


أَلا اِقتُليني فَفي ذاكَ راحَةٌ لِلعَميدِ


أَما رَحِمتِ اِشتِياقي أَما رَحِمتِ iiسُهودي


أَما رَأَيتِ بُكائي في كُلِّ يَومٍ iiجَديدِ




من شعره


وَقُلتُ إِنّي نَحوتُ الخَمرَ iiأَخطُبُها


قالَ الدَراهِمَ هَل لِلمَهرِ iiإِبطاءُ


لَمّا تَبَيَّنَ أَنّي غَيرُ ذي iiبَخَلٍ


وَلَيسَ لي شُغُلٌ عَنها وَإِبطاءُ


أَتى بِها قَهوَةً كَالمِسكِ iiصافِيَةً


كَدَمعَةٍ مَنَحَتها الخَدَّ iiمَرهاءُ


ما زالَ تاجِرُها يَسقي iiوَأَشرَبُها


وَعِندَنا كاعِبٌ بَيضاءُ حَسناءُ


كَم قَد تَغَنَّت وَلا لَومٌ يُلِمُّ بِنا


دَع عَنكَ لَومي فَإِنَّ اللَومَ إِغراءُ




ومن شعره أيضاً



مُتَيَّمُ القَلبِ مُعَنّاهُ


جادَت بِماءِ الشَوقِ iiعَيناهُ


يَقولُ وَالدَمعُ عَلى iiخَدِّهِ


مِن وَجدِهِ وَالحُزنُ أَبكاهُ


ما أَنفَعَ الهَجرَ لِأَهلِ الهَوى


أَجدى مِنَ الهِجرانِ مَعناهُ


فَإِن شَكا يَوماً جَواً iiباطِناً


قالَ لَهُ صَبراً iiوَعَزّاهُ


إِن كانَ أَبكاكَ الهَوى iiمَرَّةً


فَطالَ ما أَضحَكَكَ iiاللَهُ


لا خَيرَ في العاشِقِ إِلّا iiفَتىً


لاطَفَ مَولاهُ iiوَداراهُ


وَدافَعَ الهَجرَ وَأَيّامَهُ


فَالوَصلُ لا شَكَّ قُصاراهُ




الفخر




ومستعبدٍ إخوانَه بثرائه



لبستُ له كبراً لأبرَّ علىالكبرِ




إذا ضمَّني يوماً و إياه محفِلٌ



رأى جانبي وعراً يزيد على الوعرِ




أخالفه في شكله، و أجِرُّه



على المنطق المنزور و النظر الشزرِ




و قد زادني تيهاً على الناس أنني



أرانيَ أغناهم و إن كنتُ ذا فقرِ




فوالله لا يُبدي لسانيَ حاجةً



إلى أحدٍ حتى أٌغَيّبَ فيقبري




فلا تطمعنْ في ذاك منيَ سُوقةٌ



ولا ملكُ الدنيا المحجبُ في القصرِ




فلو لم أرث فخراً لكانت صيانتي



فمي عن سؤال الناس حسبي من الفخرِ






الخمر



أبو نواس " شاعر الخمر غير منازع"، و الخمر عروس شعره الحقيقية، و فيها تجلت عبقريته المجددة التي رفعته فوق السابقين و اللاحقين ،فكان من أشهر من قالوا فيها، و قد جعل لها في الأدب العربي بابا مستقلا كاملا . حيث قال :




أثْنِ على الخَمْرِ بآلائِها



وَسَمِّها أحسَنَأسْمائِهَا




لا تجْعَلِ الماءَ لَها قاهراً



وَلا تُسَلّطْها علىمَائِهَا




وقال أيضاً:



الشُربُ في ظُلَّةِ خَمّارِ



عِندي مِنَ اللَذّاتِ ياجاري




لا سِيَّما عِندَ يَهودِيَّةٍ



حَوراءَ مِثلَ القَمَرِالساري




تَسقيكَ مِن كَفٍّ لَها



رَطبَةٍ كَأَنَّها فِلقَةُجُمّارِ




حَتّى إِذا السُكرُ تَمَشّى بِها



صارَ لَها صَولَةُجَبّارِ





المديح



  • قال يمدح الأمين:


تتيه الشمس والقمرالمنير





إذا قلنا كأنهماالأمير




فإن يكُ أشبها منه قليلاً



فقد أخطاهما شبهٌكثيرُ




و نور محمدٍ أبداً تمامٌ



على وَضَح ِالطريقةِ لايحورُ




  • وقال يمدحه أيضاً:
ملكتَ على طير السعادة واليمنِ





و حزتُ إليكَ الملكَ مقتبل السنِ




لقد طابت الدنيا بطيب محمدٍ



و زيدتْ به الأيامُ حسناً إلى حسنِ




ولو لا الأمين بن الرشيد لما انقضت



رحى الدين، والدنيا تدور على حزنِ




لقد فك أغلال العناة محمدٌ



وأنزل أهل الخوف في كنف الأمنِ




إذا نحن أثنينا عليك بصالح ٍ



فأنت كما نثني، وفوق الذينثني




وإن جرت الألفاظ يوماً بمدحةٍ



لغيرك إنساناً، فأنت الذينعني





الزهد والتوبة




يا رب إن عظمت ذنوبي كثرةً



فلقد علمتُ بأن عفوكأعظمُ




إن كان لا يرجوك الا مؤمنٌ



فبمن يلوذ و يستجيرالمجرمُ




أدعوك رب كما أمرتَ تضرعاً



فإذا رددتَ يدي فمن ذايرحمُ




مالي إليك وسيلةٌ إلا الرجا



وجميل عفوك ثم إنيمسلمُ





في مدح آل البيت




مطهرون نقيات ثيابهم



تجري الصلاة عليهم أينماذكروا




من لم يكن علويا حين تنسبه



فما له في قديم الدهرمفتخر




والله لما برا خلقا فأتقنه



صفاكم واصطفاكم أيهاالبشر




فأنتم الملأ الأعلى وعندكم



علم الكتاب و ما تأتيالسور



  • وقال ايضا يمدح علي الرضا



قيل لي أنت أوحد الناس طرا




في فنون من المقالالبديه




لك من جوهر الكلام نظام



يثمر الدر في يديمجتنبيه




فلماذا تركت مدح ابن موسى



والخصال التي تجمعنفيه




قلت لا أهتدي لمدح إمام



كان جبريل خادمالأبيه





الهجاء



قد مللناك فملي

أكثري أو فأقليً


قد مللناك فملي


ما إلى حبك عود

ما دعا الله مصلي


قد وهبناك لعمري

و تصدقنا بحمل


لم يكن مثلك لولا

سفه الرأي هوى لي


أيها السائل عنها

اسمع اللفظ المحلي


شخصها شخص قبيح

و لها وجه مولي


و خفت عن كل عين

و خفت عن كل دل


و لها ثغر كأن ا

لله غشاه بكحل


تصف النكهة منها

جيفة في يوم طل


و تفلي حين تلقا

ك لتحظى بالتفلي


ردفها طست و لكن

بطنها زكرة خل


اشهدوا أني بريء

من هواها متخلي





آراء بعض الرواة في شعر أبي نواس



  • كان أبو عبيدة يقول:
(( ذهبت اليمن بجيد الشعر في قديمه حديثه ب امرئ القيس في الأوائل, و أبي نواس في المحدثين)).
  • قال عبيد الله بن محمد بن عائشة :
((من طلب الأدب فلم يرو شعر أبي نواس فليس بتام الأدب)).
  • وكان يقال: شعراء اليمن ثلاثة, امرؤ القيس و حسان بن ثابت وأبو نواس
  • كما قال أبو نواس عن نفسه:
((لو أن شعري يملؤ الفم ما تقدمني أحد)).
  • وقال أيضا :
((أشعاري في الخمرة لم يقل مثلها, و أشعاري في الغزل فوق أشعار الناس, وأجود شعري إن لم يزاحم غزلي, ما قلته في الطرد (الصيد). ))




قال عنه الجاحظ "أن شعره يصل للقلب دون استئذان"، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله " لولا مجون أبي نواس لأخذت العلم منه"، وقال ابن منظور " كان أبي نواس عالماً بكل فن، وكان الشعر اقل بضاعته".






اسلوبه
  • أهم ما في شعر أبي نواس, "خمرياته التي حاول أن يضارع بها الوليد يزيد أو عدي بن يزيد بطريق غير مباشر اللذين اتخذهما مثالاً له. و قد حذا بنوع خاص حذو معاصره حسين بن الضحاك الباهلي الذي لا شك أننا لا نستطيع أن نجد بينه و بين أبي نواس فوارق روحية.
  • أما مدائحه فتبدو فيها الصناعة بوضوح قليلة القيمة.
  • أما رثاؤه فتجد فيها عاطفة عميقة و حزناً مؤثرا يجعلنا نفتقر بعض ما فيها من نقائص كالتكفل في اللغة والمبالغة المعهودة في الشرق.
  • أما في أشعاره الغزلية ففيها من العاطفة والشاعرية الصادقة بقدر ما فيها من الإباحية و التبذل
ويجب أن نذكر إلى جانب زهدياته أشعاره عن الصيد التي تبدو مبتكرة عند النظرة الأولى ولمن لا بد أن له في هذا الضرب من الشعر أسلافا نسج على منوالهم.



ديوانه


لقد جمع ديوان أبي نواس كثيرون منهم الصولي المتوفى عام 338هجري (946م) جمعه في عشرة فصول, و حمزة بن الحسن الأصفهاني ، ونسخة هذا الأخير أكثر سعة, وأقل تحقيقا ، وقد جمعها المهلهل بن يموت بن مزرد الذي كان على قيد الحياة حوالي عام 332هجري (943م) برسالة عنوانها "سرقات أبي نواس"




وفاته



لم يلبث أبو نواسٍ أن توفي في عام ( 199ه / 813م )، قبل أن يدخل المأمون بغداد، وقد أختلف في مكان وفاته أهي في السجن أم في دار إسماعيل بن نوبخت. وقد أختلف كذلك في سبب وفاته وقيل إن إسماعيل هذا قد سمهُ تخلصاً من سلاطة لسانهِ. وذكر الخطيب البغدادي، صاحب كتاب تأريخ بغداد، في الجزء السابع، صفحة 448، إن الشاعر أبو نؤاس دفن في مقبرة الشوينزية في الجانب الغربي من بغداد عند تل يسمى تل اليهود وهي مقبرة الشيخ معروف حالياً.


__________________


شكرا لكِ يُونا . على الطقم الأكثر من رائع