عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-19-2009, 05:25 AM
 
القصص في القرآن.. دراسة في أسباب النهوض

بسم الله الرحمن الرحيم

القصص في القرآن.. دراسة في أسباب النهوض

صاحب الجنتين
أ . د. عبدالله الكيلاني - تحوي سورة الكهف قَصصاً فيها عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَاب يحتاج المرء أن يتذكر عِبرَها على مدى الأسبوع، منها قصةُ صاحب الجنتين وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً 32 كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً 33 .
هذا الجنة حفت بنخل وداخلَها عنبٌ وبين العنب والنخل زرعٌ من بقول وخضار، لم يكن في جنته جزء لا ينتج، وكانت كلفةُ الري منخفضةً جدا لأن في تلك المزرعة نهرا يرويها وقد منَّ الله تعالى على صاحب هذه الجنة بجنة أخرى مثل جنته، فكان صاحب الجنتين، كلُ هذه النعم ، لم تدفع صاحبها للشكر بل دفعته للغرور اقرأ قوله تعالى وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً 34 .
اغتر بماله واغتر بمن يخدمه ظن أن ما عنده من الأموال يُغنيه عن كل أحد؛ حتى عن الواحد الأحد، قال لصاحبه المؤمن: أنا أكثر منك مالا: أموالي أكثر وأتباعي أكثر، انتسبَ إلى إبليس حين افتخرَ وقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين الأعراف 12 .
والتحق بقارون حين اغتر فقال: إنما أوتيته على علم عندي القصص 78 ونسي قدرةَ الله ونعمة عليه وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً 35 وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً 36 وهِمَ أنَّ الله إذ أنعمَ عليه بالمالِ في الدنيا فإنه سيعطيه جنانَ النعيمِ في الآخرة، وهو في إيمانه بالآخرة على شك ورِيَبٍ، لهذا يقول: ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا صاحب الجنتين يقول متشككاً في أمر الآخرة وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي .
نبَّهه صاحبُه أن نسيان أمرِ الآخرة والغرورَ يقضي على صاحبه ويزيلُ النعمَ، ويمحقُها قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً 37 ثم أرشده إلى تحصين النعم بالافتقار إلى الله فقال وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ .
إن سر بقاء النعمِ هو الافتقارُ إلى المنعم، والتواضعُ للخلق أما الغرورٌ فهو سبب لسرعةِ زوال النعمة اقرأ قوله تعالى: يحكي عن إبليس حين أغوى آدم فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ الغرور حبل إبليس للهبوط، وشرَكٌ للسقوط، وطريق مختصرٌ لسرعة زوال النعم.
وهذا ما حدث مع صاحب الجنتين حين اغتر بماله، ونفره من حوله فاحترقَ ثمرُه بالصواعق و تلف ماله وتحطمت جنتُه أمامَه وكانت ثمارها بالأمس يانعة عامرةً يتلمسها بين يديه ويراها بناظريه، فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا .
وكانت العقوبةُ ماحقةً للنعمة من أساسها فهي خاوية على عروشها، أي سقطَ السقفُ ثم سقطت عليه الجدران اقرأ قوله تعالى
: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً 42 وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً 43 هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً 44 .
كم من سقفٍ اغتر قومه سيسقطُ ثم تسقط عليه الجدران، فما بال أولي النعمة لاهين يستعملون النعم فيما يغضبُ المنعم ! ما بال من يقيم الأعراس بالمعاصي، وينفق ماله رئاء الناس أما يخشى على جنته أن تصبح خاويةً على عروشها، لو أن أصحاب الأعراس يتواضعون قليلاً في النفقات ويخصصون جزءا مما ينفقون لأسرة فقيرة ليبدؤوا حياتهم بدعوات إخوانهم لهم بالخير.
تكشف لنا آياتُ سورة الكهف عن سرٍ رباني لتحصين النعم وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لكل واحد منا جنته بيتك، أولادك، مصنعك، مؤسستك، شركاتك هم جنتك ونارك، هم جنتك إن شكرت الله وأديت حق الله، هم نارك إن قصرت في حق الله فلم ترع حقوق عباد ولم تخرج زكاة مال، هم عطاء من الله وهبة من الله، إن سرَ بقاءِ النعمِ بالافتقار إلى الله، إذا دخل الإنسانُ جنتَه أو مصنعَه أو وزارته :فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله .
إذا هداه الله إلى فكرة مبدعة بالعمل أو الدراسة فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيقرَّ بالنعمةِ للمنعم، فهذا تحصينٌ للنِعَمِ، إن افتقارك إلى الله تعالى عند تنَعُّمِكَ بما عندك من نِعَمٍ وتواضعَك للخلقِ سببٌ لبقاء النِعم ودوامِها.
وأما الغرور فهو سببٌ تعجيل زوال النِعمِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةٌ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ لَا تُسْبَقُ قَالَ الراوي أَوْ لَا تَكَادُ تُسْبَقُ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ فَقَالَ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ فسبحان الله إذا لم يقبل أن يرتفع ويتطاول شيء في الدنيا حتى ناقةُ رسول الله .
رد مع اقتباس