بسم الله الرحمن الرحيم
في شيء من اللغة - أإنّك لأنت يوسف!؟
- لقد وقع إخوة يوسف تحت ضغط نفسيّ شديد، كانوا يسمعون أباهم وهو يردد ''إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون''، أبٌ محزون يفارق أبناءه الثلاثة: يوسف، وبنيامين، وروبين، ويريد أن يرجعوا إليه، وهو يعلم أنهم يوماً عائدون، ولكن الأب مشتعل نفسياً، لأنه لا يعلم أين هم وما حالهم، وتتغلب العاطفة عليه فيحزن، ويشكو بثه وحزنه إلى الله تعالى، ويحث أبناءه على الحركة.
فخرج الأخوة من فلسطين إلى مصر، وأقبلوا على أمين خزائن مصر، قالوا: ''يأيها العزيز مَسَّنا وأهلنا الضُر وجئنا ببضاعةٍ مزجاةٍ فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين''، لقد تضرعوا إليه، واستدروا عطفه وشفقته، وصارحوه بأن بضاعتهم رديئة لا يشتريها أحد من الخلق، ومع ذلك نريد منك كيلاً وافياً وإن باب الصدقة واسع؛ وعسى الله أن يجزيك أيها العزيز!.
فسألهم يوسف سؤالاً واضحاً وإجابته محددة، قال سبحانه :''قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون؟'' وأجابوه إجابة غير واضحة وغير محددة، قالوا:''أإنك لأنت يوسف'' لماذا يسألون وهم يؤكدون أنه يوسف، لقد دخل في أسلوبهم شيئان: همزة الاستفهام، وهي تتضمن نوعاً ما من الشك، والتأكيد على العبارة وهي: إنك لأنت يوسف، فالعبارة المؤكدة بِ(إنَّ) والمؤكدة باللام لا تحتاج الى تساؤل، لأن السؤال بالهمزة يقتضي أن تقول لا، أو نعم، وكذلك السؤال بهل، وربما جاءت (بلى) في حالات خاصة، لماذا جاءت العبارة استفهامية وجاءت في الوقت ذاته تأكيدية؟ إنَّ هذا الأسلوب يدل على حالة قلقة كانوا فيها، فإن أخاهم الصغير الذين تخلصوا منه بطرحه في البئر لم يخطر ببالهم أنه العزيز في مصر، ولكن تساؤل يوسف عن أخيه وعن نفسه، قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه، إنها حالة قلقة، ما سمعوه يؤكد ان هذا يوسف وما في أذهانهم من طفل مدلل ملقي في الجب لا يملك حولاً ولا قوة، يؤكد أنه ليس بيوسف، فجاء الأسلوب ليعبر عن حالة القلق أأنت؟ من أنت، إإنك ليوسف، واضح أن أخاهم أصبح عزيز مصر، وإن هذا هو اللسان العربي المبين. د. كامل جميل ولويل