بسم الله الرحمن الرحيم
حرب الملل
كريمان الكيالي - شخص لايعرف ماذا يريد ، قلق، ضجر، يتذمر ، يتأفف دائما ، يرفض الحال الذي هو عليه .. يرى الحياة بالطبع '' مملة، بتفرفط الروح ، بتزهق ''. يتصفح كتابا يعيده قبل ان يقرأ حتى العنوان ، ينسحب قبل نهاية فيلم اومسرحية أومحاضرة ، او يبقى اما يعبث بالموبايل ، يخربش على بعض الاوراق ، يمعن النظر في الجدران ، يتأمل الحاضرين....يعيش حالة من الملل. واذا ما فكرفي سفر او نزهة ، تغييرالسيارة ، ديكور البيت ، الاثاث ، اعادة طلاء جدران المنزل ... يحاول ان يبدد الملل . الملل حالة عامة تنتج كما يقول رئيس قسم الاجتماع بالجامعة الاهلية''دعزمي منصور'' ، عن فراغ ، فعندما لايجد الانسان شيئا يفعله ، يتولد لديه شعور بالضجر ، وتكثرالشكوى من الملل في المجتمعات العربية لأنها تفتقر للرفاه الاجتماعي من اماكن تسلية مثل المتنزهات والحدائق العامة، وبرامج تستوعب طاقات وامكانات الشباب والاطفال ، في ظل خيارات محدودة ومكلفة للاسرة، إضافة الى التعرض لكم هائل من الفوضى الفكرية التي جعلت المواطن العربي غير متفاعل مع الاجواء المحيطة به ، محبط ، يعيش مرحلة انعدام وزن دفعته لأن يتساءل : (يا ترى انا فين ؟ انا ضايع ؟مش عارف اعيش ، ليس لي دور فاعل في هذه الحياة !!و..) .. بمعنى آخر.. يضيف '' د.منصور'' : العولمة كرست النزوع الى الفردية ، وشعورالانسان بأنه سيواجه مصيره في هذه الحياة منفردا ، يعمق معاناته من الفراغ والملل الذي كان اقل بكثيرايام زمان ، لأن التضامن الاجتماعي كان اعمق ، و الناس كانوا يعيشون حياة بسيطة ، اوقاتهم تزدحم بالعمل ، وسائل الترفيه المتوفرة للاطفال كانت بالمجان ، بنات يلعبن '' بيت بيوت'' و''الحجلة '' وأولاد يستمتعون ب''السيجة'' ، او ''طاق طاق طاقية'' ، المنازل كانت اوسع ، عكس شقق هذه الايام ، التي حبست الابناء داخل جدرانها، صحيح ان كثيرا من الوان التسلية توفرت لهم ، وغرف كثيرين منهم تزدحم بالالعاب على اختلاف انواعها ، الا انهم بعد ان يلعبوا ،يزهدوا بها ، يشعروا بالملل ، يرغبون في الانطلاق والخروج خارج اسوار البيت ، يريدون اشياء جديدة ، عالم مختلف.. محاربة الملل ، حرب شرسة يخوضها '' ابو ياسر'' ، بعد احالته الى التقاعد منذ عامين ، صاريعيش اياما متشابهة ، وكل نهار جديد يعني اضافة قدر اكبر من الضجر، يقول: حاولت ان اشغل وقت الفراغ الطويل ،اقرأ، اذهب الى مقهى بصحبة بعض الرفاق ، لكن حتى هذا البرنامج ممل هو الاخر..لايوجد به تجديد ، فالاصحاب ذاتهم ، والمكان ايضا. الملل شعور طبيعي لدى كل الناس ، تقول ''ماجدة 43عاما '' وتحاول ان تتعايش معه بطرق مختلفة ..تشغل وقت الفراغ بممارسة اكثر من نشاط ..العمل، مشاهدة برامج مفضلة في التلفزيون، نزهة مع الابناء ، زيارة الصديقات وغيرها. ربة البيت اكثر احساسا بالملل والضجر، حياتها تدور بين مسؤوليات البيت والابناء والزوج ، وخروج المرأة الى العمل يكسر رتابة الروتين، يضيف مزيدا من الصحة والنضارة ، بحسب دراسة بريطانية نشرتها مجلة ''علم الاوبئة وصحة الجميع'' أفادت بأن العاملات اقل عرضة للسمنة وامراضها ومظاهرالاجهاد والتقدم بالسن والاصابة بالامراض المختلفة . حتى لايشعروا بالملل ، التحق كثير من الصغار بنواد صيفية ..''عبدالله 15عاما '' قدم مع اسرته من احدى دول الخليج لقضاء العطلة في ربوع الوطن لتكون الاجازة منذ بدايتها دعوات،، زيارات ، اعراس ، يقول : ننتظر العطلة كل عام حتى نأتي الى الاردن ، نحب بالطبع ان نرى الاهل والاقارب والاصدقاء ، لكن ليس على حساب اجازتنا ، لذا وجدت ان من الافضل ان انضم لناد صيفي ، على الاقل اشغل جزءا من وقت الفراغ ، اتعرف على اصدقاء جدد ،وهذا افضل من البقاء في روتين الاجازة الممل . يشاركه الرأي ''محمد 10 سنوات '' ، قادم من امريكا يقول : لم يكن بنيتي الانضمام لاي ناد بل كنت اتمنى لو قمت بزيارة الكثير من معالم الوطن ، فنحن لانأتي سوى كل عامين او ثلاثة، لكن ما حدث بأن الاجازة تزدحم بدعوات الافراح ..''بتزهق '' !! تقول ''حنين 13 عاما '': العطلة طويلة ، تحاول أن تشغل وقتها، تتعرف على صديقات جدد ، تستفيد من الفعاليات المختلفة وبخاصة النزهات والرحلات الترفيهية ويعتبر '' ابو امجد 39عاما '' بأن العطلة الصيفية مصدر للملل ، بخاصة للاسر ذوي الدخل المحدود التي تحتار اين تذهب بابنائها ، فماهو متوفر من اماكن الترفيه مكلف للغاية . للتغلب على الملل ، يقول ''د. منصور'' : من المهم اعادة الاعتبار للقراءة التي كادت تفقد زبائنها من الكبار والصغار ، فالاسواق تزدحم بروائع الكتب ، كما نحتاج الى ترجمة واقعية للاهتمام بالاطفال من خلال توفير اماكن ترفيه وحدائق والعاب ، فما هو متوفرحاليا لايلبي احتياجاتهم ، إضافة لتكريس ثقافة مختلفة ل ''الويك اند '' - عطلة نهاية الاسبوع- بما يحقق المتعة لأفراد الأسرة ،وترتيب الاولويات للعادات والتقاليد الاجتماعية السائدة بعيدا عن تسجيل من حضر او من لم يحضر ليقوم بالواجب في المناسبات المختلفة !!.