كأس شاي في مقهى العزوبية كأس شاي في مقهى العزوبية السماء ملبدة بالغيوم، بينما الشمس تحاول الخروج من خلفها بصعوبة، واحتمالات سقوط المطر كبيرة، شاهدت جسماً بسواد الليل يقترب ببطء نحو مدخل مقر الجريدة ، كانت الريح التي أسقطت معظم الأوراق الصفراء عن شجرة المشمش الكبيرة والمقلّة في إنتاجها تدفعه إلى الخلف ، فقفزت بذاكرتي إلى عبارة 'خطوة إلى الأمام، خطوتين إلى الخلف'، أعجبني المنظر، فوقفت خلف الزجاج أرقب المشهد بتلذذ. ما أن دلف إلى مكتب رئيس التحرير القابع على المدخل ليرقب كل فكرة شاردة كانت أم واردة، حتى رمي بنفسه على الكرسي الذي استطاع رئيس التحرير أن ينتزعه من إحدى محلات بيع الأثاث ثمناً لإعلان تجاري غير مدفوع الأجر، بينما كانت شفتاه ترتجفان من البرد والخوف، ناكفته قائلاً: - احمد ربك لأنك ترتدي هذا المعطف! عدّل من جلسته ونظر إليّ بارتياب ، لأنه على يقين بأنني أقصد من هذه العبارة ما يسمى بالإثارة المبطنة، بينما كانت عيناه تتساءلان بصمت: لماذا؟ لم أتوقف عن المناكفة: - لأنك لو لم ترتدِ هذا المعطف لكنت الآن في خبر كان. اتسعت حدقتا عينيه بدهشة بينما كانت بعض الكلمات تخرج من بين شفتيه متأبطة سحب الدخان المتصاعدة من بين أطلال أسنانه: 'على الصبح يا فتاح يا عليم، يا رزاق يا كريم'. - راودتني نفسي الأمارة بالسوء أن أدعو الله أن ينزع عنك هذا المعطف لأشاهدك والريح تتقاذفك وترسل بك إلى غصن أحد الأشجار العارية. - هات من الآخر، ماذا تريد؟ - أبداً.. لكنني.. قاطعني قائلاً: - لا داعي لهلوساتك اللانهائية ، عندي لك خبر قد يفوز بجائزة أيام زمان ، لكنني سأتركك تتحرق شوقاً لسماعه، إلاّ... - إلاّ ماذا؟ - إلاّ إذا قادتك قدماك إلى ذلك الجزء القابع في تلك الزاوية ، لتأتينا بإبريق شاي.. معتبر. لم استطع المقاومة ، لقد استطاع أن يمسكني باليد التي تؤلمني ، أسبوع كامل وأنا أبحث عن موضوع فيه إثارة لزاويتي التي ما انفك رئيس التحرير عن المطالبة به ، قفزت إلى المطبخ متناسياً آلام ظهري التي تؤرقني بلا انقطاع، لألبي له رغبته الجامحة في شرب الشاي. - هل سمعت بنظام الأسهم والتقسيط؟ فاجأني بالسؤال وأنا على وشك أن أسكب الشاي في الأكواب ، لكنه استطرد قبل أن تقفز كلمات التساؤل من بين شفتي. - الزواج بالتقسيط! - زواج بالتقسيط، قلت مستغرباً. - هذه آخر صرعة نودع بها القرن العشرين. - آخر صرعة.. القرن العشرين!! - لقد نضجت الفكرة بعد أن أغلقت زوجتي الباب على نفسها لمدة أسبوع لا تكلم أحداً، حتى وصل بي الأمر أن أفكر باستدعاء الطبيب لها، لكنها خرجت إلينا وهي تصيح.. وجدتها.. وجدتها!! اعتقدت للوهلة الأولى أن 'أرخميدس' تجسد فيها، وأنه اكتشف نظري ة جديدة تنقض نظريته الأولى. طلبت اجتماع عاجل لنساء الحارة، راودتني نفسي أن أعلن بالصحف عن هذا اللقاء التاريخي، ولكنني في النهاية وافقت على أن يقوم أحد الأولا د بهذه المهمة حرصاً على سرية الخبر ، أغلّقن النسوة خلفهن الأبواب بالمتاريس ، بينما كانت عقارب الساعة تسير بثبات لا منته ، ورزم الأوراق تدخل أنيقة رشيقة بيضاء اللون، وتخرج في سلة المهملات كروية الشكل موشحة بالسواد. وكان التصريح الأول للمتحدثة الرسمية لهذا الاجتماع الطارئ بعد ساعة من عقد الاجتماع بأن النسوة في الداخل رفعن شعاراً هاماً جداً ومصيري: 'مساعدة المحتاج لنيل المراد بالزواج'. - 'مساعدة المحتاج.. لنيل المراد.. بالزواج'، أخذت أردد خلفها بدون وعي. - لقد كان البيان الختامي لهذا الاجتماع العاجل تأسيس شركة مساهمة عامة تهدف إلى القضاء على العزوبية، وذلك عن طريق طرح أسهم في السوق المحلي في الوقت الحاضر على أن يتم نشره إلى ما وراء البحار في المستقبل القريب ، حيث تصرف الإيرادات على حفلات زفاف فردية كانت أم جماعية، ويتم التسديد بعد أن يرزق العروسان بالمولود الأول. - وإذا لم يرزقا بالمولود الأول؟ تساءلت بخبث. - يكون لزاماً على الشركة بأن تساهم مرة أخرى في حفل زفاف جديد، لأن من أهداف الشركة الرئيسية أن تكون نتائج القرض المقدم للراغبين في الزواج إيجابية، بمعنى أن يثمر هذا الزواج عن كتكوت صغير يملأ العش بالبهجة والحبور. رمى بعبارته الأخيرة وهو يرشف الرشفة الأخيرة من كوب الشاي، ليطلق ساقيه للريح العاتية، بعد أن اغلق الباب خلفه بعنف تاركاً رئيس التحرير يغوص في مستنقع من الضحك المتواصل، بينما كنت أجهز قلمي فرحاً لأن زاويتي لن توشم بعبارة: 'نعتذر عن...
__________________ اللهم إنك أعطيتني خير أحباب في الدنيا دون أن أسألك فلا تحرمني صحبتهم في الجنه وأنا أسألك فاللهم أسعدهم وفرج همهم وحقق لهم ماتمنوا وإجعل الجنه مقرا لهم !! اللهم لاترد دعواتي لهم فإني فيك أحبهم |