لطالما نظرت إلى الأيام كمسألة نسبية، أحداث تطرأ لتبث الجديد في مسرى حياتنا، وساعات تمضي سريعة أو بطيئة باختلاف أمزجتنا ونفسيتنا، لم أتخيل يوماً بأن ثمة ما سيقلب لي معادلة الزمن رأساً على عقب، ويغير لي في مضمونها، ويجعلها تفك كل رموزها التي بقيت تستظل تحت مفهوم الغموض سنوات طويلة. كنت أعيش لليوم، أحلم بالغد، وأتفاءل بالمستقبل الآتي، لم أعرف يوماً بأن حياتي كلها ستتحول إلى حلم بالمستقبل، ولا أذكر أنني جردت نفسي من ذكريات الماضي لأفسح المكان الأكبر لذكريات اليوم، وما سيصبح ذكرى في السنين القادمة، هذا ما فعله بي حبك، يا أجمل غلطة لن أندم عليها طوال حياتي.
إذا كان هواك غلطة سأعشق الصفر في امتحاناتي، ولو كنت سراباً سأحفر لنفسي قبراً بين الأحلام، يا من أسرت روحي فجعلتها هائمة بك، مريضة بحبك، فارحم قلباً أقسمت دقاته أن لا تنبض إلا لأجلك، وأن لا تعيش إلا لتحيي ذكراك، أين أنت الآن من كل تلك الآمال التي بنيناها معاً، أين مكانك وسط زحمة الأيام، لماذا سبقتني إلى الموت وأنا التي أرقد على ضفافه كي تعيش أنت، لماذا قسوت علي برحيلك المفاجئ دون أن تلمح عبراتي التي ذاقت مر العذاب من أجل عيناك، كل شبر في فؤادي يناديك، يشدو أنين غيابك، يسألك الوعد الذي كتب له أن يدفن قبل أن يولد، يبحث بين سطورك الجائعة عن حنين تاه بين جبروت الآلام، وضاع في عتمة الخوف.
أشتاق لك كثيراً، ليتك تعلم كيف تغادرني روحي كل مساء لتبدأ رحلة البحث عن روحك التي أقدس تربتها، وأعشق ريحها الندي، بل إنني أكذب لو قلت بأنني لا أعشقك بكل تفاصيلك، ولا أحبك بكل سماتك.
جردت قاموس مفرداتي من كل الكلمات إلا ما أود أن أسمعك إياه وأنت ترقد هناك بسلام، حبيبي، عد إلي.