عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-17-2009, 11:50 AM
 
قال تعالى: كَلا إِنَّ الإنسان لَيَطْغَى،

بسم الله الرحمن الرحيم


أ . د عبدالله الكيلاني - قال تعالى: كَلا إِنَّ الإنسان لَيَطْغَى، أَن رآه استغنى العلق 6 - 7 ربما يكونُ في كل إنسانٍ ميلٌ للطغيان، الزوج قد يشعر بميل للطغيان فيظلم الزوجة، المدير في الشركة أو المؤسسة ربما يشعرُ بنفوذه فيميل لظلم من يتعامل معه، ويهذب هذا الميلَ للطغيان شعورُكَ بافتقارك إلى الله، وحاجُتك إليه سبحانه، إن شعرتَ في نفسك بالغرور لمنصبٍ أنت فيه، أو ثروةٍ تتنعمُ بها فتذكر افتقارك إلى الله لتحمي نفسك من خطر الغرور، تذكر أنه لا حولَ لكَ ولا قوة لك إلا بالله وبعون منه سبحانه.
إذا كانت أموالك بين يديك، والنعم مقبلة عليك فحصنها بقولك ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فما تدوم النعمُ إلا بالله، ولا تَهنأُ بالِنعم إلا بأمره، واذْكُر قصةَ صاحبِ الجنتين كيف كان يقول: ما أَظن أَن تبيد هذه أَبدا الكهف 35، وكيف أَصبح يقلب كَفيه علَى ما أَنفق فيها حين رآها خاوية على عروشها ويقول: يا لَيتَني لَم أشرك بِربي أَحدا 42.
كان من دعاء ابن عطاء السكندري في مناجاته : إلهي أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيراً في فقري؟ الذلة إلى الله تعالى والافتقار إليه سبب لإسراع مواهب الحق تعالى إلى العبد المتصف بهما قال جل ذكره: ولَقد نصركم الله بِبدر وأَنتم أَذلة 123 آل عمران.
فذلتهم إلى الله أوْجبتْ عزتهم ونُصرتهم كما قيل في هذا المعنى :وإذا تذللت الرقاب تقربا منها إليك فعزها في ذلها) وافهم هاهنا قوله (: لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة، فذلك أن الإنسان إذا طغى بغى، ويقلب حياتَه إلى بؤسٍ وحياة من يتعامل معه إلى جحيم، فإذا أناب إلى الله وشعر أن النعمة من الله، أدى حق المنعم ففاض بعطائه على من حوله فغدت الدنيا روضةً من رياض الجنة .
أصل الطغيان تجاوز الحد، فمن تجاوز الحد في الانحرافِ فقد طغى وأشكال الطغيان متعددة وقد يتمثل الطغيان بموظف يخالف قوانين الوظيفة العامة، فيعامل المراجعين على أساس القرابةِ، والمحسوبية، والعصبية، والجهوية، لا على أساس الكفاءة، والجدارة، وينسى أن المواطنين أمام القانون سواء. فيؤخر المعاملات إذا كانت لغير أقاربه.
وينسي يوما يقال فيه: وقفوهم إنهم مسئولون والطغيان يتحقق بزوج يهدد زوجته بالطلاق مستغلاً ظروف المرأة بعد أن كبر سنها، واحتاجت إلى المُعيل، كما قد يتحقق الطغيانُ في زوجة تهدد بالمخالعة مستغلةً ثقة زوجها بها وقد كتب لها أمواله.
ومن صور الطغيان اغترار شابٍ بمالِه وشبابِه، فبعدَ أن قدَّم له الوالدُ المالَ والدعم حتى اشتد عودُه، تراه عاقاً لوالده، معتدياً على أموال الناس وربما يحمله العقوق على أن يقيم دعوى حجرٍ على والده وقد طال به أمد انتظار الإرث.
فتأمل ما أقبحَ هذا السلوك، من أجل ذلك كانت محاربةُ الطغيان هي دعوةَ الأنبياء سواءٌ أكان طغيانَ النفس أم طغيانَ السلطة؛ قال جل ذكره:.
(ولَقد بعثنا في كل أُمة رسولا أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فَمنهم من هدى الله ومنهم من حقت علَيه الضلالَة فَسيروا في الأَرضِ فَانظروا كَيف كَان عاقبة المكَذبِين النحل:36 وقال جل من قائل : والذين اجتنبوا الطاغوت أَن يعبدوها وأَنابوا إِلَى اللَه لَهم البشرى فَبشر عباد الزمر:17.
حدثنا القرآنُ الكريم عن صور من عقوبة الطغاة لنرتدع حدثنا عن بعض العصاة الذين أسمتهم سورةُ القلم أصحابَ الجنة حين رأوا ثروتهم تحترق أمامَهم قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ القلم:31 أدركوا حين رأوا العذاب أن الطغيان كان سببَ حرقِ جنتهم، فهل يعتبر العقلاء بغيرهم فيجتنبوا الطاغوت، أم أنهم ينتظرون حريق جنتهم ليعتبروا !ثم إن لهم يوم القيامة موعدا لن يُخْلَفوه (إن جهنم كانت مرصاداً، للطاغين مآبا) النبأ:22 من عدل الله ورحمته سبحانه، أنه يعاقب الطغاةَ الذين اغتروا بقوتهم في الدنيا بعذاب عاجل قبل العذاب الآجل؛ لعلهم يرجعون ويتوبون، أو يكونون عبرة لغيرهم ؛ فلا يقتدون بهم.
ترى في سَكرة النعمة، والدنيا مقبلة عليه، يتنعم بمنصبٍ وجاه،لا يشكر النعم بل يسيء لعباد الله، ربما يهين الضعفاء، ربما يظلم الفقراء، أو يجرح مشاعرهم ، يأتيه ابن عمه الفقير، وابن وطنه المحتاج يرجو فضل جاهه ليساعده في تدريس ابنه، فيعرض عنه، وينأى بجانبه، ويُسمعه كلاما قبيحاً وينسى أنه أخوه وقريبه، ترى هل هي سكرة المال، والجاه، والمنصب تغير الناس ! مساكينٌ أولئك الذين يمارسون الطغيان في لحظة سلطة وجاه، لو علموا مصيرَهم لأدركوا أن ظلمهم لأنفسهم أشد من ظلمهم للناس؛ فبعد أن يترك أحدهم المنصبَ ويزول من سكرته، يتولدَ عندَه شعور قاتل بالندم، والحسرة، وتصبح الآمُ المعنفين سياطا تلهب ليلَه، وحسراتٍ تملأ نهارَه، هذا ما تُحدِّثُ به جدرانُ المشافي النفسية، وتنطق به مذكَّراتُ الطغاة في لحظات صدق مع النفس وقد دعا الله لأن نتأملَ في التاريخ، وننظرَ سُنن الله في الطغاة قال سبحانه فَسيروا فِي الأَرضِ فَانظروا كَيف كَان عاقبة المكَذبِين.
رد مع اقتباس