انا والسجادة؟ لاشك أن كل ابن آدم ينام ، وكل إنسان يؤوي إلى فراشه
ليلاً ، ولكن هل تعرفون كيف كانت نومتي تلك الليلة ؟
كنت نائماً في ليلة من
ليالي الشتاء الباردة ، من بعد نصب
وتعب من مشاغل الدنيا ، ما أكثرها ..
وقد استلقيت على فراشي ، وغرقت في نوم عميق جداً .. فاستيقظت قبل الفجر من عطش
شديد ألم بي ، فقمت لأشرب الماء
فسمعت أنيناً يخرج من الأرض ،
تلفت حولي فذهب الأنين ، ثم ذهبت
وشربت الماء ثم عدت
إلى الفراش ، وإذا بالأنين
يعود مرة أخرى ، وفي هذه
المرة كان الأنين قوياً وكأنه
صوت بكاء ، فتحسست الأرض بيدي ، حتى أمسكت (سجادتي) فسكتت ..
قلت متعجباً : أأنت التي تأنين يا سجادتي ؟!
قالت: نعم.
قلت: ولماذا؟
قالت: لقد أيقظك عطشك ، وشربت
من الماء حتى ارتويت ، وأنا بحاجة إلى
الماء ولا أجد من يرويني الماء !!
قلت: وهل تريدين أن أحضر لك كأساً من الماء ؟
قالت: لا ليس هذا هو الماء الذي يرويني ،
إنما يرويني دموع العابدين التائبين.
قلت: ومن أين لي أن آتي لك بهذا النوع من الماء ؟
قالت: وهذا هو سبب بكائي فقم يا
عبدالله وصل لله ركعتين في
ظلمة الليل ؛ حتى تنير لك ظلمة
القبر والجزاء من جنس العمل ، ولم يبق
من الوقت إلا القليل وبعدها يؤذن المؤذن لصلاة الفجر.
قلت: دعيني وشأني يا سجادتي.
قالت: يا عبدالله قم لصلاة الفجر ، فإنها حياة للقلب وللروح ، وقد حان موعد الأذان ليردد: (الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم) وأنت تستجيب لنداء الدنيا كل يوم في الليل والنهار .. ولا تستجيب لنداء العزيز القهار ؟!!
قلت متضايقاً: دعيني أنام يا سجادتي ..
فأنت تشاهدينني كل يوم ،
لا أعود إلى المنزل إلا وأنا منهك متعب ...
ثم أخذ اللحاف ووضعه على صدره
فشعر بالدفء واستسلم لسلطان النوم !!
قالت السجادة: يا عبدالله. وهل تعطي للدنيا أكثر مما تعطيه لدينك ؟
قلت بلهجة تهكمية: أسكتي يا سجادتي. أرجوك لا تتكلمي .. فإنني متعب ومرهق. أريد أن أنام ..
سكتت السجادة برهة متأثرة بما قال عبدالله وقالت بصوت حزين: آه لرجال الفجر !! آه لرجال الفجر !!
ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ـ يعني الفجر والعصر ـ ".
وقال عليه الصلاة والسلام: " من صلى البردين دخل الجنة ".
وقال: " بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ".
وقال أيضاً: " ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا".
فانتبه عبدالله من غفلته وقال: فعلاً إن صلاة الفجر مهمة !!
السجادة: قم يا عبدالله قم
قال: غداً أبدأ إن شاء الله .. ولكن اتركيني اليوم لأنام فإنني مرهق !!
السجادة: وهي متحسرة (من لم يعرف ثواب الأعمال ثقلت عليه في جميع الأحوال) .
ثم قالت: ستنام غداً في قبرك كثيراً يا عبدالله ، وستذكر كلامي ونصحي … ثم تركته السجادة ، ونام عبدالله ، ولكن ! كانت أطول نومة ينامها في حياته فقد مات تلك الساعة !!
فأنشدت السجادة حين علمت بوفاته قائلة :
يا من يعد غـداً لتوبتـه أعلى يقين من بلوغ غـد
المرء في عيشه على أمل ومنيته الإنسان بالرصـد
أيام عمرك كلهـا عـدد ولعل يومك آخر العـدد
قال تعالى :
( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )
( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً )
قد تكون الأيام قاسية و اللحظات صعبة و مريرة
لكنها بدعاء الأحبة تعود بلسماً يلامس الجروح
فيداويها أسالكم الدعاء لي في ظهر الغيب |