عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-18-2009, 11:13 AM
 
Thumbs up شخصيه سيدنا محمد الجزء الثالث

الجانب الثالث: حال بقية العالم في الوقت ذاك
هكذا كان حال القوم الذين بعث منهم هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام, أما بقية العالم فما حالها في هذا الحين ؟
فما كان يقال عنها حضارات في ذلك الوقت, لا تعدو عن امبراطريات مسيطرة على بعض مناطق العالم, ولم يكن لها من أطماع سوى بث نفوذها العسكري على الأرض؛ وليس تحريرها بدين صحيح, وسياستها بنظام عادل.
وفرق بين دولة تهدف إلى مصالحها المادية فحسب, وأخرى ترمي إلى حفظ مصالح رعيتها المادية والمعنوية.
فالناس تحت تلك القيادات بين سادة وعبيد، أو حكام ومحكومين، فالسادة كان لهم كل الغُنْم، والعبيد عليهم كل الغُرْم، وبعبارة أوضح‏:‏إن الرعايا كانت بمثابة مزرعة تورد المحصولات إلى الحكومات، والحكومات كانت تستخدمها في ملذاتها وشهواتها، وجورها، وعدوانها ‏.
‏والناس كانوا يذوقون من الذل والهوان ألوانا, وفي ظلمة الجهل يتخبطون عميانا، والظلم ينصب عليهم من كل جانب، وما في استطاعتهم التذمر والشكوى، بل كانوا يسامون الخسف والجور والعذاب ضروبا ساكتين، فقد كان الحكم استبداديا، والحقوق ضائعة مهدورة‏, وليس هناك رحمة للرعية, ولا حكم بالسوية, أو عدل في القضية.

وأما الأديان فقد أخبرناك سالفا عن حقيقة أمرها, وأنها بجميعها كانت تقصر عن تأدية هذا الدور, لأنها ليست له, ولما داخلها من تزييف و تحريف كثيرَين.
فكان لا بد للعالم من نظام جديد؛ يخرجه من هذا التدهور, ويقذفه نحو التطور, وذلك في جميع المجالات.
وكان طبيعة العلاج تقتضي أن يكون نظاما مزدوجا, يرسو على أساسين أصيلين, هما قوام أمور الناس في الدنيا والآخرة: الدين الصحيح, والنظام العادل.
وأن يكون كل واحد منهما أصيلا؛ لا أن يكون أحدهما أصيلا والآخر أجنبيا مستعارا لظروف طارئة, أو أغراض جانفة.


وكان ذلك هو شأن بعض الدول الموجودة في الوقت, حيث جعلت من الدين آلة تتغفل بها الناس؛ حتى يدينوا لها بالانقياد والانسياق. فأوجدت لذلك تحالفا بين رجال الدولة ورجال الدين, وهو تحالف خطير, ينتهي بإكراه الدين إلى الرعية, وينزع عن قلوبهم الثقة برجاله؛ كما حدث ذلك في الأزمنة الأخيرة في أوروبا, حيث كان المجتمع منقطعا إلى أثرياء رؤساء, وفقراء أجراء, وانتصبت الكنيسة وسيطا بين الطبقتين؛ ليكون دورها تَغفيل وتنويم الفقراء المستعبَدين, وتهدئة ثورتهم ضد الأثرياء المستعبِدين.
الأمر الذي جر المجتمع الأوروبي إلى فقد ثقته برجال الدين كليا, وإقصائهم عن كل ما هو من أمور الدولة بعيدا. هنالك حرموا على أنفسهم, وعلى غيرهم, ربط الدولة بدين القوم, وحبسوا مفهوم الدين في بعض الشعائر التعبدية فقط, وأخطئوا بلا شك؛ لأن تجربتهم هذه إنما تخصهم ودينهم؛ لا غيرهم ودينهم, لكنهم "دكتاتوريون" في الفكر, وهي أخطر أنواعها.
ومن نتائج فشل الكنيسة الفاضح في القيام بدورها في المجتمع الأوروبي, نفورهم من الدين, والنظر إليه كموضع استغلال لخيرات الشعب لا حفظها وتنميتها؛ حتى قال أحدهم: "الدين أفيوم الشعب" والعجب أنهم مع ادعاءهم الفكر والتحقيق غفلوا عن حقيقة هي: أن خلو مجتمعاتهم عن دين صحيح يصلح أزمتهم المعنوية, ويصد الفراغ الروحي في الناس, هو الذي تركهم وكأنهم حمرٌ مستنفرة, فرت من قسورة, تتجهمهم العقائد الفتاكة من كل جانب.
ومن أخطر هذه العقائد
: الشيطانية(1) التي عمت الدول الأوروبية, ويقوى شوكها يوما بعد يوم؛ خاصة في أوساط الشباب, وهي نحلة شريرة خطرة؛ بما تطمح إليه من أهداف عنصرية نازية, وغيرها كثير.
في الوقت الذي يجندون الجنود, ويخططون الخطوط؛ لمنع الإسلام من الانتشار في مجتمعاتهم, وهم لا يعرفون أو يعترفون أن الخطر الذي يتخوفون منه ليس من الإسلام الذي قد أساءوا قراءته وتفسيره؛ بل من هذه النحل التي تلعب بعقولهم.



وهذه المواصفات التي قلت قريبا إن طبيعة العلاج المناسب كانت تقتضيها, فإنها- إذا تأملتها - كلها مجتمعة في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث جاء بإصلاح الدين, وإصلاح الدنيا, والجمع بين مصلحة الروح والجسد.
وحث على القيام بالأمرين, وأن كل واحد منهما ممد للآخر, ومعين عليه.
وجعل العلم, والدين, والولاية, والحكم متآزرات متعاضدات. فالعلم والدين يُقَوّمان الولايات, وتنبني عليهما السلطة والأحكام. وقيّد صلى الله عليه وسلم الولايات كلها بالعلم والدين الذي هو الحكمة, وهو الصراط المستقيم, وهو الصلاح والفلاح والنجاح.
فحيث كان الدين والسلطة مقترنين متساعدين فإن الأمور تصلح, كما أن الأحوال تستقيم.
وحيث فصل أحدهما عن الآخر اختل النظام, وفقد الصلاح والإصلاح, ووقعت الفرقة, وتباعدت القلوب, وأخذ أمر الناس في الانحطاط.(1)
فكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعاءه : ( اللهم أصلح لي ديني الذي فيه عصمة أمري, وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي, وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي ...) هذه الشمولية كانت من أبرز خصائص دعوته عليه الصلاة والسلام.
وسأبين لك في درج الحديث طائفة أخرى من خصائص شخصية هذا الرجل عليه الصلاة والسلام.


(1) ومنها : ( scientology La) التي ظهرت في أمركا ثم وجدت طريقها إلى بقية دول الغرب, و ما هو مغروف عندهم ب: (Mouvement Raélien) وغيرهما من النحل الشريرة التي تحمل أفكارا سرية هدامة.

(1) انظر الدرة المختصرة في محاسن الإسلام للشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله.
رد مع اقتباس