عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-19-2009, 06:40 PM
 
Thumbs up مقارنة الوضع قبل بالذي بعد بعثة هذا الرجل الكريم صلى الله عليه وسلم

الجانب الرابع: مقارنة الوضع قبل بالذي بعد بعثة هذا الرجل الكريم صلى الله عليه وسلم
إذا قارنا الوضع السائد في الناس قبل ظهور النبي الكريم, بالوضع الذي تركهم عليه, اتضح أن هذا الرجل صلى الله عليه وسلم هو الذي رقي بالبشر نحو الأكمل والأفضل, لأن كمال البشر بكمال أخلاقه, لا بكمال بنيته الجسمية وهيئته.
وهذا الكمال في الخلق هو الذي يضمن لهم سلامة واستقرار مجتمعهم بنطاقه الواسع, ويكفي أبسط تأمل في أحوال المجتمعات السابقة والحاضرة؛ لإدراك ما للخلق من علاقة عميقة, وصلة وثيقة, بصلاح المجتمع وبقاءه.
فالخلق من الركائز الأولية لبناء المجتمع, وأي مجتمع عدمها –أي الركيزة-, فعاقبته الاندثار والدمار بلا شك؛ لأن المجتمع ليس إلا عبارة عن أفراد جمعتهم الحياة في مكان واحد, والذي يحدد, ويوجه علاقة كل فرد بالآخرين؛ إنما هو خلقه الذي منه ينطلق سلوكه, وتوجهاته, وجميع تصرفاته في حياته, فيصح القول إذاً بأن الخلق هو الموجه, والمؤثر المباشر في سير المجتمع سلبا و إيجابا.
وهذا كاف في الكشف عن خطورة الخلق ومنزلته في المجتمع, وأن الرقي بالبشر لا يتم إلا بالنهوض بخلقه نحو الأكمل, فأكمل البشر أكملهم خلقا, وليس أقواهم جسما.
وأنه مهما تفوق الإنسان, وعلا في الماديات مع سُفالة أخلاقه ورذالتها, فإنه ينحط ولا يرقى, ويهلك المجتمع ولا يبقى.
وهو - صلى الله عليه وسلم- الذي علمنا أن كمال الإنسان ليس في كمال أو جمال جسمه دون خلقه, حيث كان إذا نظر إلى نفسه في المرآة - وكان من أحسن الناس خَلقا- حمد الله وشكره على ما أنعم به عليه من جمال وكمال الخلقة, وسأله كذلك أن يحسِّن له خُلقه؛ إذ بذلك يكون الكمال المتوازن. فكان صلى الله عليه وسلم يقول: (الحمد لله الذي خلقني فسواني, اللهم كما أحسنت خَلقي, حسِّن خُلقي)
وأيّما مجتمع انخلع عن الخلق الفاضل, انقلب عيش أبناءه كحياة الأنعام في الغابة؛ حجرة عن أي ضابط أو نظام يقيدها.
ومن هنا قال أحدهم:
إنما الأمم إلا أخلاقها ما بقيت -- فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ولما كان سر رسالة النبي الكريم يكمن في الحفاظ على بقاء المجتمع البشري, وليس فحسب, بل وإصلاحه, وتطويره نحو الأفضل؛ كي يتحقق له النجاح والفلاح في الدارين, جعل إصلاح أخلاقهم في المقدمة من الغايات التي يسعى ليحققها:
« إنما بعثت لأتمم محاسن الأخلاق(1)»
فحصر الغاية من بعثته في هذه المهمة, وكأنه لم يُبعث إلا لها. وهذا غاية في التنبيه على أهمية الخلق, ومكانته في رسالته التي يحملها إلى الناس.
وما قال هذا أحد قبله ولا بعده !
لماذا هو وحده ؟
لأنه هو المتمم المصلح: (إن مثلي ومثل الأَنْبِيَاء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل النَّاس يطوفون به، ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قَالَ: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)
فإنه آخر لبنة يكمل بها البنية. فالبنية بنية الرسالة, والرسالة رسالة صنع البشر.
وهذا له مؤهلاته ومتطلباته, إلا أن الله قد اختاره, وأعده, وأمده, فكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا, وأرجحهم عقلاً، وأصدقهم قولاً وفعلاً،
أدبه ربه – عز وجل -فأحسن تأديبه، ورباه فأحسن تربيته، وعلمه فعصم تعليمه: ﴿ وإنك لعلى خلق عظيم ﴾ {القلم: 4} أجل ! والتاريخ خير شاهد. ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوةحسنة لمنكانيرجواللهواليوم الآخر ﴾ {الأحزاب: 21 }﴿ فبما رحمة من الله لنت لهمولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوامنحولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر﴾ { آل عمران:159 }
﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ﴾
{ التوبة: 128 }
إن مما يقوله الحكماء: أن رب البيت أدرى بما فيه. وأنه لا يُحسن تربية العباد أحد مثل رب العباد.
فإنه بالفعل كان يربي الناس؛ ليس بما يهواه أو يشتهيه, بل بالوحي المعصوم. الأمر الذي يفسر لك كونه من قوم, نشأ فيهم وترعرع, ثم يخالفهم تماما على العادات الجاهلية التي كانوا عليها, وأخذ يبدلها بتعاليم وآداب ما عرفها الأجداد ولا الأقران, وهي أزكى وأسمى ما تحلى به إنسان.


(1) أحمد في مسنده: (9187) وغيره وهو صحيح
رد مع اقتباس