رد: رغد انتي لي حلقة السابعة
لم يحضر والداي في ذلك اليوم ، و لا اليوم الذي يليه ، و لا الأسبوع الذي يليه ، و لا الشهر الذي يليه ، و لا السنين التي تلته واحدة تلو الأخرى ....
أصبحت منقطعا بشكل نهائي عن أهلي و عن الدنيا بأسرها
اعتقد أن مكروها قد ألم بهم ، و لا أستبعد أن يكونوا قتلوا في الحرب ...
الشخص الوحيد الذي حضر لزيارتي بعد عامين كان صديقي القديم سيف .
" لا أصدق أنك تذكرتني ! لا بد أنني أحلم ؟ "
قلت ذلك ، و أنا مطبق بكل قوتي على صديقي ، كمن يمسك بخيال يخشى ذهابه ...
" لم أنسك أيها العزيز ... إنني عدت للبلد بصعوبة قبل أيام ، فكما تعلم كنت مسافرا للدراسة في الخارج ... أوضاع البلد لم تسمح لي بالعودة قبل الآن "
سألته بلهفة و خوف :
" و أهلي ؟ عائلتي ؟ ما هي أخبارهم ؟؟ أما زالوا أحياء ؟ لماذا لا يزورونني ؟ "
سيف طأطأ برأسه و تنهد بمرارة ، فأغمضت عيني ّ و وضعت يدي فوقهما لأتأكد من أن الخبر المفجع لن يصلني ...
سيف ربت على كتفي و قال :
" لا علم لي بأخبارهم يا وليد ... إذ يبدو أنهم اضطروا للرحيل عن المدينة و ربما سافروا لمكان بعيد ... و لم يتمكنوا من العودة ... "
تأوهت ...
و شعرت بشيء يخترق صدري فتألمت ... تهت بعيدا ...
هل انتهى كل شيء ؟
أمي و أبي ...
سامر و دانة ...
و الحبيبة رغد ...
حياتي كلها ...
هل انتهى كل ذلك ..؟؟
شعر سيف بألمي فعانقني بعاطفة ملتهبة ... و قال :
" سأحاول تقصي أخبارهم يا وليد ... الدنيا في الخارج مقلوبة رأسا على عقب ... ربما تكون أنت قد نجوت بدخولك هذا السجن ! "
أبعدت سيف عني قليلا بما يسمح لأعيننا باللقاء ...
قلت :
" أريد أن أخرج من هنا ... "
أمسك سيف بيدي و شدّ عليها ... عيناه تقولان أن الأمر ليس بيده ...
قلت :
" سيف ... سيف أنت لا تعلم كم الحياة هنا سيئة ! إنهم ... إنهم يا سيف يضعون الحشرات عمدا في طعامنا و يجبروننا على قضم أظافرنا ... و المشي حفاة في دورات المياه القذرة !
سيف ... إنهم لا يوفرون لنا الأشياء الضرورية كالمناديل و شفرات الحلاقة !
أنظر كيف أبدو ؟ ألست مزريا ؟
عدا عن ذلك ، فهم يضربون و بعنف كل من يبدي استياء ً أو يتذمر !
زنزانتي يا سيف ... لا يوجد فيها فتحة غير الباب المقفل ... لا هواء و لا نور إنني مشتاق إلى الشمس ... إلى الهواء النقي ... إلى أهلي ... إلى الحياة ... إلى كل شيء حرمت منه ... أبسط الأشياء التي تجعلني أحس بأنني بشر ... مخلوق كرّمه الله ! إلى ... فرشاة أسنان نظيفة أنظّف بها أسناني ! "
و لو كنت استمررت في وصف حالي له ، لكان فقد وعيه من الذهول ... ألا أنني توقفت حين شعرت بيده ترتخي من قبضها على يدي و رأيت الدموع تتجمع في مقلتيه منذرة بالهطول ...
أغمضت عيني ّ بحسرة و أنا أتخيل و أقارن بين حياتي في البيت ، و حياتي في هذه المقبرة ... و جاء طيف رغد و احتل مخيلتي ...
الآن ...
أراها و هي تقول في لقائنا الأخير :
" لا ترحل ... لا تتركني "
و تتلاشى هذه الصورة ، ثم تظهر صورتها و هي مذعورة و ترتجف بين ذراعي ، ذلك اليوم المشؤوم ....
ثم تظهر صورة عمّار ، و ابتسامته الخبيثة لحظة رميه الحزام في الهواء ...
" إلى الجحيم ... "
قلت دون وعي مني :
" كان يجب أن أقتله ... و لو يعود للحياة ... لقتلته ألف مرّة ... "
انتبه صديقي سيف من شروده و تخيله لحالتي الفظيعة ، قال :
" لماذا ؟ "
نظرت إله ، بصمت موحش ... فعاد يقول :
" لماذا يا وليد ؟... الذي دفعك لان ترمي بنفسك في حياة كهذه لابد أنه ...؟؟ "
و لم يتم جملته ، استدرت موليا إياه ظهري ...
تماما كما استدرت حين سألني يوم الحادث .
سيف لم يصبه اليأس مني ... قال :
" أخبرني يا وليد ... فقد يكون أمرا يقلب الموازين و يخرجك من هنا بمدة أقصر ... والدي أكد لنا ذلك فيما مضى و قد يستطيع إعادة النظر في قضيتك بشكل ما ... "
بدا و كأن قلبي قد تعلّق بأمل الخروج ... و البحث عن أهلي و العودة إليهم ...
و لكن ... ألم يفت الأوان ...؟؟
" وليد ... "
استدرت لأواجه سيف ... كانت نظرات الرجاء تملأ عينيه ... إنه الوحيد الذي أتى ليزورني من بين أصحابي و أهلي و الناس أجمعين ...
" لماذا وليد ...؟ "
" سيف ... "
" كنتَ على وشك الوصول لقاعة الامتحان ... ما الذي أخبرك به ، ثم أجبرك على ترك الامتحان و الذهاب إلى تلك المنطقة ؟ و بالتالي ... قتله ؟؟ "
" كان يجب أن أقتله ... "
" لماذا قل ؟ أخبرني ... "
" لأنه ... "
" أجل ..؟؟ "
" لأنه ... ... لأنه اختطف صغيرتي رغد ... و هددني بإيذائها ما لم أسرع بالحضور لتلك المنطقة ... "
أصيب سيف بالذهول ... و اتسعت حدقتا عينيه و انفغر فاه مصعوقا ...
قال ، دون أن تتلامس شفتاه :
" و ... ؟ "
" و انتهى كل شيء .... "
الحلقات اللي طافت مجرد مقدمة للقصة....الحين بتدا القصة ...بس تابعو الحلقة الثامنة |