الموضوع: رغد انتي لي
عرض مشاركة واحدة
  #39  
قديم 09-28-2009, 01:10 PM
 
رد: رغد انتي لي

لقد عثرت على فرصة ذهبية للعمل في وظيفة مرموقة "




فرحت كثيرا ! قلت بسرور :



" حقا ! أوه أخيرا ... ممتاز ! "




شد سامر قبضته على يدي و قال منفعلا :




" أخيرا ! كم أنا سعيد و لا يتسع صدري لفرحتي هذه ! سأحصل على راتب عظيم ! "





بالنسبة لنا فهذا شيء مهم جدا ، لأن أحوالنا المادية كانت في انحطاط بسبب ظروف الحرب ، و كنا بحاجة لدعم مادي جيد .




قلت :



" متى تباشر العمل ؟ "


" حالما أنهي الإجراءات اللازمة . سأحاول إتمامها خلال يومين أو ثلاثة "


" وفقك الله "



قرب سامر يدي من صدره ، و قال :



" يجب أن نحدد موعد الزواج "




تفاجأت ، فنحن لم نتحدث عن الزواج بجدية بعد ...



حالما رأى سامر علامات التعجب ظاهرة على وجهي قال :



" عملي سيكون في مدينة أخرى ، و أريد أخذك معي "



سحبت يدي مجددا ، في توتر ..



فالخبر قد فاجأني ، و لم يعجبني ... قلت :


" في مدينة أخرى ؟ ... لم عليك الذهاب لمدينة أخرى ؟ "

قال :


" تعرفين كم هو صعب العثور على وظيفة جيدة بسبب ظروف البلد ... إنها فرصة لا يمكنني رفضها مطلقا . أخبرت والدي ّ فشجعا ذهابي "



صرفت نظري عنه إلى الأرض بضع ثوان ، ثم عدت أنظر إليه و قلت :


" و شجعا زواجنا ؟ "



ابتسم ، و قال :


" لم أذكر ذلك لهما بعد . أود أن نناقش الأمر نحن أولا "




من البرود الذي اعترى تعابيري أدرك سامر عدم موافقتي ، فقال :


" لم لا ؟ "


قلت :


" و الكلية ؟؟ "


قال :


" الكلية ... هل هناك ضرورة لها ؟ "

" بالطبع ... أريد أن أدرس ، إنها فرصتي "





صمت سامر قليلا ، ثم قال :


" اصرفي نظر عنها يا رغد أرجوك ... أنا لا أريد تضييع الفرصة ، كما لا أريد العيش وحيدا هناك ... تعلمين أنني لا أستطيع الابتعاد عنك ... "







و أخذ ينظر إلى نظرات رجاء و أمل ...


كنت على وشك قول : لنؤجل النقاش في الأمر لوقت أنسب لأن ضيفاتي على وشك الوصول



ألا أن طرق الباب سبقني ، و دخلت دانة مباشرة و هي تقول :



" رغد ! ألم تنتهي ؟ وصلت نهلة ! "



التفتنا أنا و سامر نحو دانة ، و التي أخذت تحدق بي قليلا ثم التفتت إلى سامر و قالت :



" أنت هنا سامر ؟ قل لي كيف أبدو ؟ أليس فستاني أكثر جمالا من فستان رغد ؟ "



سامر أخذ يدور ببصره بيننا ثم قال مداعبا :



" أنا لا أصلح للحكم بين خطيبتي و أختي ! فخطيبتي ستبدو أجمل في كل مرة ! "




ثم انصرف مسرعا و هو يضحك .



بقينا نحن الاثنتان كل منا تتأمل الأخرى ، حتى وقعت عينا دانه على ساعة يدي ، فقالت بحدة :



" رغد ! ستبدين في منتهى السخافة هكذا ! اخلعيها و لا تحرجينا أمامهن ! "



نظرت إليها بغضب و قلت بعناد :


" لن أخلعها ، و سأظل الأجمل أيضا ! "










في غرفة الضيوف حيث نقيم الحفلة ، وجدت نهلة و سارة ، ابنتا خالتي قد وصلتا و كانتا أول من حضر .





" واو ! فستان رائع ! ما أجمله يا رغد ! "


قالت نهلة و هي تبعد يدها بعد مصافحتي ...


نهلة كانت صديقة طفولتي الأولى ، و انتقلت مع عائلتها للعيش في هذه المدينة مثلنا أيضا منذ سنين ، و لا تزال أفضل صديقة لدي .


أما سارة فهي الشقيقة الوحيدة لنهلة ، و تصغرني بست سنوات ، و تلازم نهلة كالظل !




" هل أعجبك حقا ؟ اشتراه والدي بسعر مرتفع ! إنني أعامله كأي قطعة من حليي هذه ! "



ابتسمت نهلة و قالت :



" كم أحسدك ! لديك أب يدللك كما لا يدلل والد ابنته ! رغم أنك لست ابنته الحقيقية ! "






هذه الكلمة تزعجني كثيرا ، فأنا لا أحب أن يشير أحد إلى والدي ّ بأنهما ليسا والدي ّ الحقيقيين . إنني اعتبرتهما كذلك منذ الصغر و لا أعرف والدين غيرهما مطلقا .




قلت بنبرة مازحة :


" لأنني البنت الصغرى ، و آخر العنقود ... يجب أن أتدلل ! "


ثم نظرت إلى سارة و قلت :


" أليس كذلك سارة ؟ "


أجابت ببرود :


" كما تقول أختي "


رفعت نظري عن هذه الفتاة البليدة ، و عدت أخاطب نهلة :


" و كيف حال خالتي و زوج خالتي ؟ و حسام ؟ "


أجابت :


" بخير جميعا ! حسام أوصلنا إلى هنا و أظنه يلقي التحية على والدك الآن "


ثم أضافت ، و هي تنظر إلي من زاوية عينها بخبث :


" و على فكرة ، هو يبعث إليك أيضا بتحية حارة مشتعلة !! "



رفعت إصبعي السبابة الأيمن و ضربت جبينها ضربة خفيفة و أنا أقول :


" لا تتوبين ! "


و انبعث ضحكاتنا تملأ الأجواء .







ما إن حضرت صديقتنا الثرية حتى استقبلتها دانه استقبالا حميما ، و أولتها اهتماما مركزا طوال الحفلة !



أتساءل ... هل هذا ما يحدث مع جميع الفتيات !

هل يجذبن العرسان إليهن بهذه الطريقة ؟؟

حقيقة لا أعرف !



بينما كنا في أحاديثنا المتواصلة في الحفلة ، سألتني هذه الصديقة :


" هل أنت مخطوبة ! "


و كانت تنظر إلى خاتم الخطوبة المطوق لإصبعي ، و في دهشة واضحة !



تولت دانة الإجابة بسرعة :


" ألم أخبرك مسبقا ؟ إنها و شقيقي مرتبطان منذ زمن ! "

قالت الصديقة :


" و لكن ... تبدين صغيرة ! "


و مرة أخرى تدخلت دانة قائلة :


" تصغرني بعامين و بضعة أشهر ، لكن حجمها صغير ! "

صحيح أن طولي لا يقارن بطول دانه أو سامر ، لكنني لست قصيرة ! بل هما الطويلان كما هما أبي و أمي !

إنني أبدو بالفعل لست من هذه العائلة !

قلت مداعبة :

" هذا يجعلني قادرة على ارتداء الأحذية الأنيقة ذات الكعب العالي المتماشية مع الموضة ! على العكس من دانة ! "

و ضحكنا جميعا بمرح ...

قضينا سهرة ممتعة أنستني تماما موضوع سامر الأخير .


و بعد الحفلة ، أويت إلى فراشي مباشرة و نمت بسرعة ، دون أن يخطر الموضوع ببالي .


في اليوم التالي ، و فيما أنا منشغلة برسم لوحة جديدة في غرفتي ، جاءني سامر ...

" ألم تتعبي ؟ قضيت فترة طويلة في الرسم ! "

" الرسم لا يتعبني مطلقا يا سامر ، بل أهواه و أجد راحة كبرى أثنائه و سعادة غامرة لا أجدها مع أي شيء آخر "


قال :

" و لا حتى معي أنا ؟؟ "


كان سامر يقف إلى جانبي يتأمل رسمي الجديد ... و كنت أنا أدقق النظر في اللوحة و ألقي عليه نظرة بين الفينة و الأخرى


و حين نطق بجملته الأخيرة هذه ، أطلت النظر إليه ، فشعرت بالخجل و طأطأت رأسي


" رغد ... "



لم أجب ...


مد سامر يده فامسك بوجهي و رفعه للأعلى ...



قال :


" رغد ... هل فكرت بموضوعنا ؟ "


في تلك اللحظة فقط تذكرت الموضوع !

آه يا إلهي كم هي ضعيفة ذاكرتي !


سامر كان يتحدث باهتمام ... فالأمر يعني له الكثير ، و قد قضى وقتا طويلا في البحث عن عمل ...

لم أشأ أن أصيبه بخيبة بقولي : كلا



فقلت :

" لازلت أفكر ... "

سامر قال بنبرة مليئة بالرجاء :


" أرجوك يا رغد ... يجب أن أبدأ الإجراءات المطلوبة قبل أن تضيع الوظيفة "


نظرت إليه و قلت :


" ماذا لو ... عملت أنت هناك ، و أكملت دراستي أنا هنا ... ثم ... "

لم أتم جملتي ، إذ أن سامر هز رأسه اعتراضا و قال :


" لا ... إما أن نذهب سويا ... أو نبقى سويا ... "

كنت أدرك أن سامر لا يستطيع الابتعاد عنا ، كما أن علاقاته بالآخرين محدودة و كثيرا ما كان يتجنب الاجتماعات المختلفة ، ليتلافى الحرج من وجهه المشوه .



حتى أنه حين أراد إكمال دراسته ، اختار مجالا لا يدع له الفرصة للاحتكاك بالآخرين
إلا نادرا


سامر ... هو شخص هادئ و مسالم ... و طيب القلب ...



قلت :


" دعنا نأخذ برأي أبي و أمي كذلك ... يجب أن تتم أنت الإجراءات الآن ، فيما نفكر بروية "


ابتسم سامر و قال :

" سأذهب الآن لإنجاز ذلك ، و أعرض الأمر على والدي ّ الليلة ! سنفاجئهما ! "

ابتسمت ابتسامة قلقة حائرة ، و تركته يذهب و واصلت رسم لوحتي ...

كنت مصرة على إنجاز تلك اللوحة بأسرع وقت ...
و في الليل ، تركت سامر يذهب إلى غرفة والدي لعرض الفكرة ، فيما بقيت في غرفتي في قلق و حيرة ... و أخذت أفكر ...


و يبدو أن كثرة التحديق في اللوحة أصابت عيني بل و جسدي بالإعياء ، فأغمضتهما و لدهشتي استسلمت للنوم !






أفقت بعد ذلك فزعة على صوت طرق متواصل على الباب ...




نهضت عن سريري بفزع ... و أصغيت إلى الهتاف ...



" رغد ... رغد افتحي ... افتحي بسرعة ! "




كانت دانة !


سرت إلى الباب بسرعة و ارتعاش و أنا في قمة القلق ...



و قبل أن أصل إليه رأيته ينفتح و تدخل دانة في انفعال ...




كانت في حالة يصعب علي وصفها ...



كان جسدها يرتعش ، و أنفاسها تتضارب و تتلاحق بسرعة عبر فيها المفغور ... ذراعاها مفتوحتين ... و يداها مرفوعتين

و أصابعها منفرجة ، و تهتز بشدة ...

و الدموع تنهمر بغزارة على خديها



قلت في هلع و أنا أرفع يدي إلى قلبي من الذعر :


" دانه ... ماذا حدث ؟؟ "

" رغد ... رغد ... "

و عادت تلهث ...

" رغد ... رغد ... أخي ... أخي ... "

تجمّدت و انحبس نفسي الأخير في صدري ...

حاولت قول : ماذا ...

ألا أنني عجزت من الذعر ...





هززت رأسي و أنا أشد الضغط بيدي على صدري فوق قلبي ، كمن يحاول حماية قلبه من تلقي صدمة ما ...



كانت دانة تحاول النطق و عجزت إلا عن إصدار أصوات مبهمة ، و أشارت إلي أن اقترب ...



خطوت خطوة نحوها و نطقت أخيرا :


" سامر ... "



هزّت دانة رأسها و قالت بصوت لا أعرف من أين خرج ...




" و ...

و ...

وليد ...

وليد عـــــــــــــــــــــــــــــاد "


للحظة ... ظللت أحدق في دانة ... في تشتت

لم أكن أعرف ... هل هذا واقع أم أحد أحلامي ... ؟

تلفت من حولي علّي أرى شيئا واضحا أكيدا بالنسبة لي ...

كل شيء كان مبهما ...

دانة عادت تقول :


" وليد قد عاد ... عاد يا رغد ... عاد "


لم تكن كلمات واضحة بالنسبة لي ... و بقيت واقفة على نفس الوضع ...

فأقبلت دانة نحوي و أمسكت بكتفي و ضغطت عليهما ...


لمجرد إحساسي بيديها على كتفي أدركت أنه ليس حلما

لم أشعر بأي شيء يتحرك في جسدي لكنني رأيت الجدران تتحرك بسرعة و الأرض تجري من تحت قدمي ّ و الطريق يقودني إلى خارج الغرفة ...

و أطير ...

أطير ...

نحو مصدر أصوات البكاء التي أسمعها منبعثة من مكان ما في المنزل ...

بالتحديد ... مدخل المنزل ...


و عند أعلى الدرجات المؤدية إلى المدخل ...

توقف الكون فجأة عن الحركة من حولي ...

و ترنحت ذراعاي إلى جانبي ّ ...

و تشبثت أنظاري بالصورة التي ظهرت أمامي ...

و تمركزت فوق العينين السوداوين اللتين تعلوان الرأس العريض الثابت فوق ذلك الجسد الطويل ....