@ قال لي صباحي يوما@ قال لي صاحبي يوماً : كيف أكون سعيداً ومحبوباً ؟! فقلت له : دع عنك الورع ، وأرفع النقاب عن وجه مقصدك ؟! فقال لي : قصدي – قصدك الله بفضله - ؛ كيف أكون محبوباً ، ويهتم الناس بي وفي نفس الوقت أكون ناجحاً وسعيداً؟!
فقلتُ له بعد أن اكتحلت عيناه بابتسامة مني : إنّ النفس – يا صاحبي - قد جُبلت على حب الأنا ؛ فالنفس تتنفس من خلال الحظوة التي تنالها ممن حولها ، فالكل مقل من ذاك ومستكثر ، وكل (أحد) مهما بلغ في العلم مبلغاً ؛سيتأثر بحفاوة الناس أو جفوتهم ، على تفاوت – بالطبع – بينهم ، والسعي لكسب ثناء الناس من أعظم محفزات السلوك البشري ؛ لذا وُسم الرياء بالشرك الخفي ؛ والاهتمام بذلك ليس عيباً في حد ذاته ؛ ولكن العيب – كل العيب – أن يكون ذلك هو الغاية والمطلب والمقصد ، وصدقني حينما تكون تلك هي غايتك ؛ فإنك ستَتعب وتُتعب ؛ ولن تبلغ الغاية !
والناس - يا صاحبي - متفاوتون ؛ فيهم العالم والجاهل ، والذكي والغبي ، والحليم والغضوب ، والرحيم والقاسي ، واللطيف والشديد ، والضعيف والقوي ، فإن أنت طلبت الحظوة عند هؤلاء جميعاً ؛ فإني أنصحك بأن تكبر على عقلك أربعاً فإنه لا عقل لك !!
محبة الناس – يا صاحبي – تُنال بفضل الله أولاً وبفضل الله أخيراً ؛ ولا شك أنّ بينهما أسباباً تُبذل ، وطرائق تُسلك ، فخذ مني ما أظنه في طريقك إلى غايتك دليلاً ، وما أخاله في تحقيقك لهدفك معيناً ؛ فبعد قيامك بحق الله عليك ؛ فتش في نفسك ؛ من أي الناس أنت ؟! ، إذا أننا كثيراً ما نبدأ في البحث (بعيداً) عن الأشياء التي نريد ، وهي في الحقيقة (قريبة) منا جداً ، وتذكر جيداً : أن تعزيز نقطة قوة واحدة فيك ؛ هو خير بكثير – وكثير جدا – من السعي خلف تحصيل نقاط عدة ليست لديك !
واعلم – وفقك الله لغايتك – أنه ما من أحد في تاريخ البشرية جمعاء ؛ استطاع أن يصنع مجده بدون معونة ، فكن متعاوناً – مع الجميع – قدر المستطاع ؛ فهناك الكثير من اللحظات – وصدقني حين أقول الكثير – ستمر بك محتاجاً فيها إلى الآخرين ؛ ولكن إياك أن تُسر الآخرين ؛ بما تضر به نفسك ، مما لم تفرضه عليك شريعة ، أو فضيلة !
وتعلم - يا صاحبي - أن تكون شاكراً لمن أفادك ، وممتناً لمن شكرك ، ومجيباً لمن سألك ، وأعيذك بالله ثلاثاً ثم أعيذك بالله ستاً بعد أن أعيذك تسعاً : أن تكون متجاهلاً لمن أتاك قاصداً ، وغير مكترث بمن خصك سائلاً ، فتلك – والله - صفة يأنفُ منها الفضلاء ، وفعلة يستنكفُ عنها العقلاء ، وهي – والله - صفة قبيحة ، وخلة شنيعة ، تشوه جمال كل فاضل وعاقل وكامل من أبناء آدم !
واسعَ - يا صاحبي - إلى إدخال السرور على قلب كل من تيسرت لك أسباب إدخال السرور على قلبه ، وتذكر دائماً : أنه إذا لم تتيسر لك أسباب السعادة ؛ فلا أقل من أن تكون سبباً في سعادة غيرك ؛ فلذلك والله لذة تقارع لذة الكأس والخمرة ، ورؤية ما على خدود الغانيات من حمرة !
واهتم – يا صاحبي – بمظهرك فهو الرسالة الأولى التي ترسلها للآخرين عنك ؛ ومعلوم في عُرف العقلاء أنّ المظهر الحسن ليس دليلاً على حسن صاحبه ؛ ولكن صدقني أننا في الغالب لا نقبل المرء - مهما كان رائعاً - بدونه ! .
وتذكر – يا صاحبي – أنه ليس بوسعنا أن نعيش بشراً أسوياء دون أن ننغمس في شيء من الزلات ؛ ولكن من كريم فضل الله علينا أن شرع لنا التوبة ، وهي مياه طاهرة
عذبة نقية مقدسة ، نغمس (أرواحنا) فيها ؛ لتخرج نقية كما كانت في أول يوم لها على هذه البسيطة ! ؛ فإذا كان ذلك كذلك ، فعليك بقبول عذر من جاءك معتذراً ، كما تحب أن يقبل الآخرون عذرك حين تعتذر!
واعلم أن الألم - يا صاحبي – في حياتنا كثير جداً ؛ فوطن نفسك على العيش والتعايش معه ، واعلم أن الفرح في عالمنا قليل جدا ، فعش لحظتك ، واستمتع بها دون وكس أو شطط ، وعايش مع الناس أتراحهم كما تعايش معهم أفراحهم ، واعلم أن الناس تنسى من شاركهم اللذة ؛ ولكنها لا تنس من شاركهم الألم !!
لن أمثل معك دور الواعظ _ فذلك دور شريف لا أتقنه – ولكني لك من الناصحين ، وحديثي إليك حديث الصادقين ، اعلم أن كل مجتمع يا صاحبي – كما قيل - كزوجة أب ؛ يضخم أخطاءك ، ويرى إحسانك من الواجبات! ففيهم الحاسد والحاقد والجاهل والسفيه والساذج فاجعل لنفسك معهم هدفاً ، ولا تجعل (كلك) لهم أذنا ، فما والله أحد منهم سلم ، وفي تاريخ العظماء شواهد تغني عن الكلم !
وقبل الختام أقول : علق على باب (عقلك) لوحة كُتب فيها : كل نجاح يطارده الفشل ، ومهمة الناجح هي الإفلات منه ! ، فزود عقلك بكل جديد في عالم القراءة ، فالقراءة للنجاح ، كالمعادن والفيتامين للجسد ؛ يزداد قوة بها ، وتخر قواه بفقدها ، فاقرأ ثم اقرأ وبعدما تنتهي من القراءة ؛ اقرأ !
ومسك الختام وصية هي دائما من قلبي بمكان : إياك ثم إياك من أن يستولي عليك الحب ؛ ففي الحب ألم ؛ لا نهاية له ، كما أنه فيه سعادة وفرح ولكن صدقني مهما كان حجمه ؛ فقد وضعت النفوس حدا له ، وتذكر دائماً : أن السكين حينما تخرق جسدين ؛ فإن الألم لا يتناصف ، ولكنه يكون ألماً كاملاً وافياً في كلا الجسدين (!!)
وللحديث لمن شاء بقية !!
منقوووووووووووووووووووووووووووووول |