عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-21-2009, 05:26 PM
 
رد: @ قال لي صباحي يوما@

وهذا الجزء الأخر من الخاطرة


عندها قال لي صاحبي : كم هو جميلٌ قولك ؛ وكم هو مطربٌ حرفك !

قلت له : أشكرك يا صاحبي ؛ ولكن ثق أنّ ما تراه أنت جميلاً ؛ فإن غيرك سيراه على الضد من ذلك ، والناس تتفاوت آراؤهم كما تتفاوت أشكالهم ، لذا من العسير أن ترى من هو موافق لك على الدوام ، لأنك إن رأيت فاعلم أنّ أحدكما نسخة زائدة تستحق الإتلاف !

واعلم يا صاحبي – زادك الله علماً ورفعة – أننا كثيراً ما نطلب الحقيقة ، وننشد الصراحة فقط حين يغلب على ظننا أنها ستكون في صالحنا وموافقة لهوانا ، والشأن جداً مختلف عندما يكون الأمر عكس ذلك ، والموفق من وفقه الله لقبول الحق من أي إنسان كيفما وأينما كان !

وأوصيك يا صاحبي بالإتقان قدر الإمكان ؛ فالجيد قد يعتبر في عرف العقلاء غير جيد ؛ إن كان تحصيل الأجود منه ممكناً ، فليس في عيوب الناس عيب ، كنقص القادرين على الكمال ؛ واحرص – زادك الله حرصاً على حرصك – أن تكثر من التحصيل وقت شبابك وفراغك وصحتك ، فهذه الأوقات أوقات تحصيل ، ووقت الكهولة الإنشغال والمرض أوقات إنفاق !

وإن أردت يا صاحبي تعلم أي علم ؛ فادخل البيوت من أبوابها ، ودع عنك تسور الحيطان ، أو الدخول من نوافذ الجدران ، فلكل فن باب ، ولكل مجال مدخل ، فابحث عن المداخل تفتح لك الأبواب ، ومن فتحت له الأبواب ، كان كرب البيت ، وليس من الدخلاء عليه !

وأذكرك – ذكرك الله الشهادة قبل موتك – أن تطلب الأشياء من أهلها ؛ لأن فوات الحاجة – والله وبالله وتالله – خيرٌ من طلبها من غير أهلها ؛ واعلم أن الكأس الممتلئ لا يقبل الإضافة ، فلكي تستقبل الصواب في عقلك ، لا بد لك من أن تفرغه مما سواه قبل ذلك ! فالتخلية قبل التحلية ، واعلم – يا صاحبي – أن الكتاب الجيد في عصرنا عزيز ؛ فإذا وجدت كتاباً جيداً ؛ فاشتره ولو كنت تعلم يقيناً أنك لن تقرأه !

اعلم – يا صاحبي – أن في رأسك عينين ، ولكن ليس لك إلا نظر واحد ، فلا تركز نظرك على العقبات بل ركزه على هدفك مباشرة ، وحينها لن ترى العقبات : عقبات ! وصدق من يقول لك : إن السقوط والهزيمة لا تعني النهاية – لا والله – وحده الاستسلام الذي يعنيها ! واعلم – يا صاحبي – أن الأمل رحمة من رحمات ربنا ؛ فامنح نفسك الكثير منه، فالنفوس الأبية تتعطر منه ، وتقوم بنشر ما تبقى من عبقه على من حولها ؛ وتذكر – يا صاحبي – أنه ليس بإمكانك أن تكون على حق دائماً ؛ فلا بد للسلوك من هفوة ، ولا بد لخيل العقل من كبوة !

وأعيذك – يا صاحبي – من الغرور والتكبر ؛ فهي والله مهلكة كل ناجح ، وسبب ضياع كل فالح ، فما اغتر أحد إلا بسبب مهانة وجدها في قلبه ، وفي سيد المتكبرين خير شاهد ! فتواضع ! وبعد أن تتواضع ؛ تواضع ! ثم إذا استويت متواضعاً ؛ فتواضع ! فإنك والله لن تكون شيئا ذا بال بدونه ، فلا تأنف من التعلم من أي شخص كان ، ولا تحقر أحداً مهما كان ، وإن رأيت من كان أهلاً لذلك ، فارحمه وتذكر نعمة الله عليك ، وتذكر ثم تذكر ما قد قيل : لا أحد يستطيع أن يركب ظهرك إلا إذا كنت راكعاً ، وأن التكبر على المتكبر - أحياناً - قد يكون تواضعاً !

اعلم – يا صاحبي – أن عظمة الأشخاص مصدرها الألم ، واختر ما شئت من العظماء عبر التاريخ لتجد في سيرته خير برهان ، فالنجاح – يا صاحبي – سلعة والله معروضة ، ولكنها تبحث عمن يكون أهلاً للثمن ، أما الفشل فهو الشيء الذي يستطيعه كل أحد ، فإن أردت أن تكون فاشلاً فكل ما عليك فعله هو : ألا تفعل شيئاً !!

واعلم – يا صاحبي – أنّ عقلك كذاكرة الحاسوب إن أثقلته بالألعاب والأفلام والصور ؛ ضعف أداؤه وضاقت ذاكرته ، ولم يعد فيه متسع للعظيم من الأمور ، فاختر نوعية التغذية ، فبنوع غذاء عقلك ؛ يكون نتاجك ، واحذر أن تعبث بعقلك ؛ فإنه لم يخلق لهذا ، واعلم أنّ أعظم نعمة بعد نعمة الإسلام : هي نعمة العقل ؛ فاحمد الله على ذلك وسله المزيد من العلم والتوفيق !

فقال لي صاحبي : حسناً ؛ سأحاول أن أتفهم ما قلت ، ولكن هلا أخبرتني كيف أكون حكيماً ؟!

قلت له : زرع الله بذور الحكمة في عقلك ، سأخبرك لاحقاً – إن شاء الله - إن يسر الله لنا ولك في العمر والوقت فسحة !

دخل عليّ صاحبي هذا اليوم ؛ قائلاً بعد أن عطر فمه بابتسامة جميلة : أظنُ – يا صاحبي – أنّ الوقتَ قد حان لتخبرني بما قد وعدتني به في آخر لقاءٍ شرُف بجمعنا !

فقلت له : بعد أنْ صوبتُ سهام بصري نحو عينيه ، وأنا أبادله أريجَ البسماتِ ، نعم أظنه قد آن ، وأرجو أن تكون لهفتك على أمر ذي بال !

سألتني – يا صاحبي – عن كيفية لبس ثياب الحكمة ؛ فأقول لك مستعيناً برب الفلق ، ومستعيذاً به من شر ما خلق : الحكمة – ياصاحبي – بناء ذو أربعة أركان : فالأول منها : خَلقيٌ ، والثاني والثالث : كسبيان ، والرابع : وهبي !

فالأول : أصلُ العقل كما خلقه الله تعالى في رأسك ؛ فإن لم تك بذور العقلِ الوافرِ مزروعة في رأسك يوم أن خلقك الله ؛ فلا أظن أن لك في حلوان الحكمة نصيب !

والثاني : العلم والمعرفة ، فبقدر اطلاعك ومعرفتك ، يكون قربك للحكمة والصواب ، وهذا الركن مبناه على ثلاثة أمور : فالأول : القراءة ، والثاني : القراءة ، والثالث : القراءة !

والثالث : التجربة ؛ وهذه مبناها على أمرين ؛ الأول : تجارب شخصية تزيد مع ازدياد العمر زيادة طردية ، والثاني : تجارب الآخرين ، وهذه تنال من خلال مشافهة أصحاب الخبرة ، أو من خلال قراءة ما كُتب عن تجارب الآخرين !

أما الرابع : فهو التوفيق من رب العالمين ، يهبه من يشاء من عباده المؤمنين ، فبقدر ما تكون علاقتك بالله ؛ يكون لك من نور الحكمة مثل ذلك !

فهذه أركان الحكمة بإيجازٍ – أظنه غير مخل – وإن رغبت بالتفصيل الممل ، فنحن للإملال أهل ، وما عليك إلا أن تلوح بالإشارة ، لنغرقك بالحشو الكثير من العبارة !

واعلم – يا صاحبي – أنّ الحلم بالتحلم ، والعلم بالتعلم ، فكل خُلق كريم ؛ إن كنت راغباً به حقاً – صدقني – سوف يأتيك ، ولكن – صدقني ايضاً – أنك ستتعب قبل أن يزكيك ! وكل ما عليك فعله ؛ هو اجتراع الكثير والكثير من أكسير النجاح : الصبر ! حتى تنال المطلوب ، ولتكون من رواد القلوب !

وتذكر – يا صاحبي – أنه ليس باستطاعتك أن تكون الرجل المثالي ، وليس بمقدورك أيضاً - ولا بمقدور غيرك - جعل من حولك كذلك ، بل كل ما يسعى العاقل إليه ؛ أن يكون إنسانا صالحاً بنفسه ، مصلحاً لغيره ، في حدود علمه وعمله ، وكثيراً ما تكون المبالغة في طلب الكمال ، سبباً في انتكاس الأحوال ، كالمنبت لا ظهرا أبقى ولا أرضاً قطع !

يا صاحبي : قبل أن تغير نفسك ، أو تسعى في تغيير من حولك ، احرص على فهم الشيء المراد تغييره قبل تغييره ، فإنا كثيراً ما نجتهد في تغيير الأشياء قبل أن نفهمها ، ونحاول تبديل الأشياء قبل أن نعرفها!

واعلم – يا صاحبي – أن بعض الأشياء التي نتأثر بها هي في حقيقتها ليست مؤثرة ، ولكن لأن فيها ما لامس شيئاً خاصاً بنا حصل ذلك التأثير ، فلا تطلب من سواك أن يكون مثلك ، ولا من غيرك أن يكون أنت ! ، فاعرف هذا وافهمه ؛ تفهم الكثير من اختلاف ردات الأفعال !

وقبل أن أختم – يا صاحبي – أحذرك والله من داء التسويف ، ووباء التأجيل ، فما استولى التسويف والتأجيل على أحد إلا هلك وانتهى ، وما جعلهما شخص رفيقا دربه إلا ضاع وانقضى ، فالحذر الحذر ، وابدأ الآن – ولو بالقليل – وتذكر أنّ (مشوار) الألف ميل يبدأ بخطوة !

يا صاحبي الحديث على هذا المنوال متشعب ، ولو أردت أن نصول ونجول وفي كل واد (نهبهب) ، حتى يقول قائل ما هذا التذبذب ، فأنا مستعد لذلك - والله - ولكن في التزام الصمت – العلني - أحياناً حكمة ، فسنتوقف هنا ونستمر هناك!

شكراً لك يا صاحبي على استثارتي ، ولعلنا نعاود الركض يوماً من الأيام ، وشكراً لك جداً على منحي شرف الاهتمام !

فلولاك بعد الله ما كنتُ كتبتُ !
منقووووووووول





جـــــــوبا