منقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول
الخطأ هو أمر مخالف لما يجب أن يكون، فلا بأس أن نعرّفه بالنقيض، أو بالضدّ فنقول: الخطأ ضدّ الصواب، بمعنى: أن يفعل الإنسان أو يقول ما لا يصلح له أو يقوله أو يفعله.
وقد يكون المعيار في ذلك شرعيًّا، أو اجتماعيًّا، أو مصلحيًّا، أو غير ذلك.
وقد ورد في القرآن الكريم التعبير بالخطأ؛ لما هو ضدّ الصواب مثل قول الله سبحانه وتعالى: { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا } [الإسراء:31]، وفي قراءة ( خَطَأ ) بفتح الخاء، وهي قراءة ابن عامر وأبي جعفر.
فهذا خطأ لأنه جريمة شرعيّة وفعل شنيع، وضدّ ما هو صواب؛ فإن الصواب ليس هو قتل الأولاد ووَأْدهم، وإنما الحفاظ عليهم، وتكريمهم ورعايتهم، وتربيتهم، وحياطتهم.
وقد يُطلق الخطأ على ما هو ضدّ العمد.
تقول: فعلت هذا الأمر خطأً، يعني من غير تقصّد، وهذا ورد في موضوع القتل ذاته في القرآن الكريم في قوله: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا } [النساء:92]، كأن يكون أراد أن يصيد طيراً فأصاب إنساناً، فقد يُسمّى خطأً ما هو ضدّ التعمّد؛ لغفلة أو نسيان من غير نيّة ولا إرادة.
والخطيئة شيء أشنع من الخطأ، والإنسان ربما أراد الحقّ فأخطأه، أما الخطيئة فهي كونه أراد الباطل فأصابه.
وقد تُطلق على الخطأ الكبير الشنيع من كبائر الذنوب، وعظائم الموبقات؛ ولذلك يقول إخوة يوسف: { يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُبنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } [يوسف:97]، ولم يقولوا مخطئين؛ لأنهم كانوا تعمّدوا هذا الفعل، وأدركوا أن فِعلتهم فِعلة عظيمة، فاجتمع جانبا التغليظ: القصد، والشدّة.
ومن الناحية الشرعيّة يمكن تعريف الخطأ بأنه: ما كان مخالفاً للكتاب، أو السنة، أو إجماع الأئمة والعلماء، وهذا تعريف جيّد، وهو يخرج الأشياء التي لا تكون معارضة للكتاب، ولا للسنة ولا لإجماع العلماء، وإنما تكون اختلافاً للعلماء؛ فهذا لا يُوصف بأنه خطأ، وإنما يكون اختلافاً فيه قول قويّ وأقوى، وقد يكون منه راجح ومرجوح، أو قويّ وضعيف، لكن ليس من الحسن أن نحكم على أقوال أئمة وعلماء أنها خطأ محض، إلا في حالات نادرة لأقوال شاذّة أو مهجورة، ومخالفتها للنصوص ظاهرة، وهذا يعتبر استثناء.
أما ما يتعلّق بالاختلاف بين الأئمة والعلماء وتنوّع اجتهاداتهم، فهذه لا ينبغي أن يُستعمل فيها لفظ: خطأ وصواب، بل كلهم على خير وصواب، من جهة اتباعهم ما أمرهم الله به من الاجتهاد، وإن كانوا يتفاوتون في الوصول إلى ما أراده الشارع في مفردات المسائل.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث المتفق عليه: « إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ. وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ » رواه البخاري ومسلم.
فأن يمنحهم الله سبحانه وتعالى أجراً على الاجتهاد، فهذا تشجيع لهم على أن يجتهدوا إذا كانوا ممن لهم حقّ الاجتهاد والبحث في هذه المسائل، فهنا لا نسمّي فعل من لم يصب الحقّ الذي عند الله خطأ من كل وجه، وإنما هو اجتهاد يُؤجر عليه صاحبه، وكونه خطأًعند الله فهذا أمر لا يستطيع البشر أن يحيطوا به علماً وجزماً.
يبقى أن ثمة أشياء قد تدخل فيما يظنّ الناس أنه صواب، من مألوفات اجتماعيّة، أو عادات، أو موروثات، وقد يعتبرون مخالفته خطأً، بينما الحقّ أنه هو الخطأ الذي يجب نفيه، مثل العصبيّات القبليّة، أو عدم توريث المرأة في بعض البيئات، وإكراهها على الزواج ممن لا تريد، أو عضْلها، أو فرض أنماط من التعرِّي بحجة مسايرة الناس أو جذب الخُطّاب.
فالإلف المستحوذ على حياة الناس، أو على عقولهم ليس معياراً في الخطأ والصواب.
والخطأ جزء من الطبيعة البشريّة وقد خُلق الإنسان خلقاً لا يتمالك كما في صحيح مسلم.
والإنسان بشر وليس ملَكاً، حتى الأنبياء في دائرة البشرية { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [الأنعام:9]؛ ولذا فالأخطاء قد تكون نعمة من الله، وقد يجني المرء بسببها من الفوائد ما لا يحتسب، فهي نعمة إذا قادتنا إلى الصّواب، وإذا أحسّنا التعامل معها.
حتى خطأ المعصية يكون نعمة إذا حمل الإنسان على التوبة والإنابة والانكسار، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: « عَجَباً لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ » رواه مسلم.
هذا في مصائب الدنيا، وهو جارٍ في مصائب الدين إذا تاب العبد منها وأناب ورجع إلى الله -عز وجل- فتكون خيراً له، فيكون العبد بعد التوبة أفضل منه قبل الذنب، كما قيل عن آدم وداود عليهما السلام.
فهذه إحدى منافع الخطأ التي تؤكّد أنه قد يكون نعمة من الله -عز وجل- ثم إن الخطأ يحفّز الإنسان لفعل الخير والتصويب والاستغفار، كما وقع لعمر -رضي الله عنه- عقب كلمته يوم الحديبية، قال: فعملت لذلك أعمالاً.
ويحفزه للتعويض؛ بمعنى أنه ربما لا يفلح في الخروج من مأزق أو معصية أو ذنب وقع فيه وأدمنه، وأصبح جزءاً من شخصيّته، لكن يلجأ إلى مقاومة آثار الذنب بأعمال أخرى من الصالحات، فقد يُبتلى المرء بشهوة النظر، ولا يستطيع الخلاص منها، فيعوّض بِبِرّ الوالدين أو بالحنان على زوجه وولده، أو بالصدقة، أو بالمحافظة على صلاة الجماعة، أو بقيام الليل.
يظلّ البشر عُرضة لأن يقعوا في أخطاء مهما كانت تقواهم وإيمانهم وفي الحديث المتفق عليه: « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ » رواه البخاري ومسلم، فهذا من شأنه أن يجعل الإنسان يعرف نفسه فلا يطغى ولا يتكبّر ولا يتجبّر؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ »، وفي بعض الأحاديث عن أنس بسند حسن « لَو لَم تُذنِبوا لَخَشِيتُ عَليكمُ مَا هُوَ أكبرُ مِن ذلك العُجْب العُجْب » أخرجه البزار والبيهقي.
والذنب قد يكون سبباً في تواضع الإنسان ومعرفته وانكساره بين يدي الله -عز وجل- وهذا أمر موروث: وَمَنْ يُشابِهُ أَبَهُ فَما ظَلَمْ، فآدم عليه السلام وحواء أكلا من الشجرة وأُخرجا من الجنة، فلحق هذا بذريّتهم، وقد شاء سبحانه وتعالى أن يكون الإنسان بهذا التكوين. "خَلْقًا لاَ يَتَمَالَكُ " رواه مسلم.
ومن منافع الخطأ أن يمنحَ فرصة للآخرين للتصحيح والتصويب والاعتبار من غير شماتة ولا تسلط ولا فرح بالزّلة؛ ولذا جاء الدّين بالنصيحة بين المؤمنين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى.
ومن الطريف أن أحد الأثرياء الكبار وجد ضالّته في أخطاء الآخرين، فاكتشف المادة الطامسة للأخطاء الكتابيّة على الورق وأثرى بسببها، فهذا خدم نفسه وخدم الخطّائين، وهذا يقود إلى حسن التفكير في توظيف الخطأ ومعالجته، ونفع النفس والآخرين بطريقة عمليّة.
هذه الروح، روح إدراك الجانب الفطري في الإنسان، في قابليّته للخطأ واستعداده التكويني له تحدث عند الإنسان قدراً من الهدوء والاتزان حين حصول الخطأ، بحيث لا يتأزّم، بل يثبت ويستجمع قابليّته الأخرى للتوبة والإقلاع وقدرته على المقاومة.
يقول لي أحدهم: منذ ثلاثين سنة وأنا أقاوم نفسي للخروج من خطأ ما.
ويقول آخر: منذ عشرين سنة وأنا أقاوم نفسي على فعل طاعة من الطاعات كصلاة الوتر قبل النوم، أو قيام الليل، فما استطعت أن أصل إلى هذا، لكنني ما يئست وما زلت أحاول.
الخطأ بقضاء وبقدر، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى الإيمان بهذا المعنى، « وَإِنْ أَصَابَكَ شيء فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ » رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة.
على الإنسان ألاّ يلتفت إلى الوراء، وإنما ينظر إلى الأمام، ويدرك أنه كما أن الخطأ قَدَرٌ فالصواب قَدَرٌ، المعصية قدر، والتوبة قدر أيضاً، الهدم قدر، والبناء والتعمير قدر كذلك، الشر قدر، والخير قدر، بل النبي صلى الله عليه وسلم قال: « وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ».
يقول الله جل وعلا: { مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [النساء:79]، وقد نبّهنا الله إلى مقاومة الخطأ والشر، فالترهيب والتخويف تحذير من ركوب المعصية والترغيب والوعد بالرضوان والجنة دعوة إلى التوبة وفتح لأبوابها، « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مسيء النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مسيء اللَّيْلِ » رواه مسلم والنسائي.
المصائب التي تصيب الإنسان حتى الهمّ والغمّ والشوكة يُشاكها وغيرها مما يكفّر الله بها عنه من خطاياه.
الثواب والعقاب هي أحد أوجه الحافز، لكن حين تتحدث عن الخطأ فذِكْر العقاب هو أقرب؛ لأن العقاب للرّدع.
الحدود الشرعيّة والعقوبات الدنيويّة المقدّرة في الكتاب والسنة هي زواجر عن الوقوع في حمى الله سبحانه وتعالى « أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ »، لكن الثواب هو نوع من الجائزة والعطاء؛ لحفز الإنسان على فعل الخير وعلى الإنجاز.
فالخطأ يُعالج بالتهديد بالعقوبة حتى يمتنع عنه الإنسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اعتذر عن عودتي هنا من جديد لكن عدم معرفتي بالفرق بين الخطأ والخطيئة جعلني ابحث مرة اخرى
وهذا ما وجدته واستفدت منه كثيرا فخير وسيلة للمعرفة هو البحث في كلام الله ورسوله