عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-22-2009, 10:42 AM
 
بحث اكاديمي عن الثقافه العربيه الاسلاميه

بحث اكاديمي بحوث اكاديميه البحث الاكاديمي بحث أكاديمي بحث اكاديمي عن الثقافه العربيه الاسلاميه بحث اكادديمي

تحاول الباحثة التونسية آمال قرامي في كتابها «الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية - دراسة جندرية» (دار المدار الإسلامي) أن تنأى بنفسها منذ الصفحات الأولى من مؤلفها الأكاديمي الذي يناهز الألف صفحة، عن شُبهة المنافحة عن القضايا النسوية، كما درجت العادة عند كثير من الكاتبات. وإذ تضرب صفحاً عن هذا النحو من الكتابة، فإنها تتنكّب طريق الدراسات الجندرية، أي الاختلاف بين الذكورة والأنوثة، بإرجاع الاختلاف لا إلى الفوارق البيولوجية، بل بالعودة إلى منظومة اجتماعية ثقافية تراتبية، ترسي علاقات القوة بين أفراد المجتمع ومؤسساته. وغالباً ما ارتبطت الدراسات الجندرية التي انتعشت في أوروبا وأميركا بدراسة حقول التمايز الأخرى، مثل الــحديث عن الــطبقة والــعِرق واللون والديانة.وبخلاف اتجاه الكاتبات العربيات اللاتي يضعن نصب أعينهن انتزاع حقوق المرأة المغتصبة من الرجال. فإن قرامي تسعى باحثة عن معيار التفرقة بين الجنسين، بتفكيك العوامل الثقافية التربوية التي تتآزر لإقامة هذه المباينة. وهي العوامل التي تستغل الاختلاف في طبيعة كل من الرجل والمرأة لتحويله إلى مفاضلة بينهما، فإيثار الذكر على الأنثى هنا، لا ينجم عن عنصر طبيعي، إنما يتكرّس بتدخل من النظام الاجتماعي التربوي. وجسد المرأة كما جسد الرجل، توقّع الجماعة عليهما علامات التباين، مسترشدة بنظامها الثقافي وتقاليدها وأعرافها وقيمها. وما يبدو أمراً طبيعياً ومألوفاً، إنما هو من صنع الثقافة التي تقيم الحدود والمسافات. وعليه، فإن الجسد بحسب عبارة الكاتبة: «مساحة للكتابة الاجتماعية». وهو بمعنى من المعاني ليس ملكاً لصاحبه، بل إن المجتمع هو الذي يتصرف به، ويؤطره، وينمّطه، وينحته، ويُسقط عليه رغائبه وصبواته.تدشّن آمال قرامي في كتابها، وهو في الأصل أطروحة دكتوراه، بإشراف الجامعي التونسي المتنور عبدالمجيد الشرفي، عملاً غير مألوف في الحياة الأدبية العربية. وهذا ما يفاقم من صعوبة هذا العمل الريادي، لا سيما حينما تحرث الكاتبة في أرض بكر، وحينما تستحضر الموروث العربي لتستخلص منه على ندرة المعطيات والمعلومات والشواهد، صورةً عن مسار هذا الاختلاف بين الذكورة والأنوثة، في تاريخ الحضارة العربية. مستقصية مظاهره وتجلياته وتعبيراته، راصدة أطواره وتقلباته، من فترة ما قبل تخلّق الجنين إلى أرذل العمر. ومتتبعة موضوعاته، بل شذرات من موضوعاته المتناثرة في كتب الأدب والشعر والتاريخ والفقه. ومع أن الكتاب يضرب في عمق التراث العربي، ويستظهر جذور هذه الفروق في العقلية العربية والإسلامية الكلاسيكية، فإنه يبرهن على أن لهذا التمييز امتداداً في الأزمنة الحاضرة، ورسوخاً في العقول والنفوس والقلوب، لا عند العرب والمسلمين فحسب، بل لدى جميع المعاصرين الذين لم تهتز قناعاتهم بهذه الثنائية التفضيلية بين الذكر والأنثى، على رغــم ما حصل من تحولات اجتماعية وعلمية.تنفتح دراسة الجندر التي هي جزء من دراسة معالم الاختلاف في الثقافة العربية، على سياق حضاري نلمس فيه كيفية تساوق الثقافي والطبيعي، والواقعي والمتخيل، في رسم التخوم بين الذكر والأنثى. وكيفية تضافر الأفكار والممارسات لبناء القيم وتكوين الأجساد والعقول، وانضباط المعايير والقواعد العامة في سلّم محدد يتحكّم بوضعية الأفراد، واضطلاعهم بأدوارهم ووظائفهم.وتشكّل التفاصيل والشذرات الدقيقة، ووصف الطقوسيات الجسدية التي تنقلها الكاتبة عن المظان القديمة، السمات الأساسية لثقافة التمييز والتفريق عند العرب. وهي ثقافة تتسرب إلى الفضاء العربي المعاصر، وإن تخففت بعض هذه الطقوسيات والممارسات المرتبطة بها، من صخبها الاحتفالي الذي ساد في الأزمان الغابرة.
ثنائيات متقابلة
وترى الكاتبة إلى أن الاختلاف بين الذكر والأنثى، لا يمكن عزله عن تعامل الثقافة العربية الإسلامية مع سائر أشكال الاختلاف الذي يندرج في سلسلة من الثنائيات المتقابلة: مثل اليمين واليسار، والعلو والانخفاض، والسائل والصلب، والبرودة واليبوسة. وإذا كانت الذكورة تُبنى من خلال طقوس علنية، فإن الأنوثة تُبنى في إطار مغلق وسري. وفي الحالين تتشكل أنماط ثقافية، وآليات تمييز ومغايرة، ومفاضلة بين الجنسين. وانضباط داخلي وخارجي، مولج بإنتاج هذه التراتبية التي تتوجها الميول البطريركية. وكما نطّلع في الكتاب على التفاصيل الدقيقة للعناية ببشرة المرأة وشعرها وملبسها وزينتها وتطيّبها وطعامها ومشروبها، وما يتطلبه تجمّلها من عمليات التنمّص والوشم والتخضّب والتكحّل، كذلك نعرف الكثير عن تدبّر الذكور لأجسادهم والعناية بملبوسهم ونعالهم وتشذيب لحاهم، وتقوية أبدانهم بالرياضة والفروسية، وسائر ضروب الخشونة والمجالدة. ونقف إزاء دلالات وعلامات على ما يجب أن يلتزم به الطرفان للانسجام مع الصورة المنشودة لبناء أنوثتهما أو ذكورتهما، كما جلاها المخيال الجماعي، ممتثلين لمعايير عامة اجتماعية وثقافية تسهم في تشكيل هوية كل منهما. وكما يُطلب من الشاب أن يتحضّر للقيام بدور الزوج الآمر الناهي، كذلك على الفتاة أن تتصرف وتتدبّر جسدها، متجمّلةً لا لنفسها، بل ليستهويها الرجل وتلقى قبولاً لديه. وإذ يقتضي من الأنثى أن تعدّ نفسها إعداداً يتماثل مع إعدادها للطعام، فلأن المرأة مأدبة الرجل وكمال لذته ومتعته.
وإذا كانت بعض العادات أو بعض الطقوس الاجتماعية تختلف بين ما يخص الصبي أو ما يخص الفتاة، فإن التقليد أو العُرف أو الطقس الواحد، يجري بطريقتين متباينتين تدلان على الثنائية الاجتماعية التي تؤسس للتفرقة بين الجنسين. وتضرب الكاتبة المثل على ذلك، في المظاهر المختلفة لعملية ختان الولد وما يصاحبه من احتفالات صاخبة، تتحول أحياناً عند ذوي النفوذ من الأمراء والسلاطين إلى مهرجان عام. وبين ختان «خفاض» الفتاة الذي يتم في سرية مطلقة، وصمت مطبق. وفي رأي قرامي أن معظم الممارسات والشعائر التي ينشأ عليها الذكر والأنثى منذ بداية ولادتهما وتدرجهما وترعرعهما وتقدمهما في العمر، إنما تنحو إلى نقلهما من عالم الطبيعة إلى عالم الثقافة. وعليه استعارت هذه الثقافة الاجتماعية العامة طبائع الأنوثة من عناصر الطبيعة المماثلة لها، مثل الرطوبة والبرودة والليونة. وطبائع الذكورة من اليبوسة والحرارة والصلابة، وسوى ذلك من عناصر وصفات إيجابية عُزيت للرجل، إزاء صفات سلبية اقتصرت على الأنوثة، لتخلق من ذلك منظومة قيمية، يكون فيها الرجل والمرأة على صورة الطبيعة. فيتحلى الذكر بالقوة والمقاومة وتحدي صعاب الحياة وعثراتها. بينما تقنع الأنثى بقدرها المحتوم، وترضى بضعفها ووهنها وقلة حيلتها. وفي ضوء هذه الثنائية الطبيعية، التي عكستها الثقافة الشائعة، قارب الفكر التراثي المخنّث والمخصي والشاذ جنسياً، باعتباره خروجاً عن المألوف والطبيعي، واختلاطاً للعلامات والرموز، وخرقاً للقوانين الثنوية، لذلك تباينت الآراء حول تحديد جنسه، وموقعه ودوره، ووظّف أحياناً هذا الإبهام لكسر الحدود بين عالمي المرأة والرجل.وإذا كانت الكاتبة راعت في دراستها الفروق في المنزلة الاجتماعية والطبقية، بين الحر والعبد، والمترف والمعوز، وبين السليم والعاجز، فإنها أشارت إلى أن معايير التمييز الثنائي، ظلت قائمة وأساسية في ثقافة المجتمع، وفُرض على الجميع احتذاؤها والأخذ بها.
جدارية حضارية
تحاول قرامي في مؤلفها الضخم الذي رسمت فيه جدارية حضارية، من منمنمات الحياة اليومية عند العرب والمسلمين، بفضاءاتها العامة المفتوحة، وفضاءاتها الخاصة المغلقة والحميمية، وبأسلوب عربي مشرق الديباجة، أن تواشج بين عناصر مبعثرة في مصادر عربية متفاوتة الأهمية، وأن تؤالف بين الشواهد والأمثلة المتفرقة، لتدرج كل تلك المعطيات المشتتة في ضوء رؤية منهجية واحدة، ولإزاحة النقاب عن عقلية شعبية مؤسطرة، وتصورات كونية سحيقة. ساعية الى الكشف عن أواصر معقودة بين المدونة الفقهية التي تحوز السلطة المعنوية والدينية، وهذه الثقافة الشعبية ذات التصورات والسلوكيات الجماعية، والأصول الميثولوجية، ما أضفى عليها مشروعية غير مطعون بها. بيد أن الضبط الاجتماعي الذي يحرص على تثبيت الاختلاف بين عالمي الذكورة والأنوثة، ليس ناجماً فحسب عن مراعاة النصوص الفقهية، إنما تتضافر على إرسائه وامتداده وشيوعه مصادر ثقافية متنوعة، من بينها موروثات البيئة الحضارية التي أحاطت بالعالم العربي القديم، مثل السومرية والبابلية والمصرية والرومانية واليونانية والفارسية والهندية. وعلى رأسها القصص التوراتية، وتقاليد الشعوب التي اعتنقت الإسلام، وممارسات العرب ما قبل الإسلام والتي ظلت ماثلة في الأذهان. وهذه المؤثرات المتعددة التي تعرّض لها العرب، أجمعت على تفضيل الذكورة على الأنوثة، ومنحت الذكر معظم الامتيازات، وحرمت منها الأنثى، وحكمت على الأهل بقواعد وسلوكيات تحبذ الصبي، وتتوسم فيه الخير والفأل الحسن. وترى في ولادة الأنثى نذير الحظ العاثر وبؤس المصير.
وفي ضوء المرجعية التي وفرتها الدراسات الجندرية في العالم الأوروبي والأميركي، واستناداً إلى الدراسات الإناسية والسيميائيات والرموزيات، فسرت قرامي تكوّن المفاهيم والتصورات وممارسة الشعائر والطقوسيات، وتدبّر الأجساد، وتربية الأذواق والأحاسيس، بإحالتها إلى خلفياتها الأنثربولوجية والإتنولوجية والحضارية، وأبعادها السيكولوجية، وجعلت من كتابها معجماً غنياً بالرموز والدلالات والإيحاءات. وعليه، فإنها وصفت وأد المولودة عند العرب بأنه طقس من طقوس الخصوبة، ودلالة على إيمان البدائي بصلة متينة بين الأرض والأنثى، من دون أن تهمل العامل الاقتصادي. وحاولت أن تشير إلى الدلالات الرمزية للطقوس السحرية والدينية التي تحدق بـ «الباه» كرمز من رموز الفحولة. وهي وجدت بناءً على المنظور الفرويدي في العلاقة المثلثة بين الأهل والطفل «مأزماً أوديبياً» من دون أن تستفيض في التحليل. كذلك حاولت إيجاد قرابة بين بعض التصورات واللغة، بما هي انعكاس لفكر الناطقين بها. ومع ذلك، فإن الكاتبة رجّحت في كثير من المواضع منطق الاحتمال والافتراض، على منطق اليقين، لا سيما في غياب القرائن الدامغة.