نيسان ، عروس تغطي المدى بثوب الربيع ، الشمس طفلة ترتقي درجة الرحيل الأولى . روحي فراشة تطير إلى درس الألق والاحتراق الجميل ...
كشروق يطل قلبي ، ينقر بابها فتأتي كشراع مضى بأنامل من حروفي ، أتاني صوتها ، فاخضلّ قلبي وثملت جنائن العطر..
- عصر الحب... - تفضل...
أدخل صومعة الحب والدرس ، أجلس على كرسي المنى تفصلني عنها طاولة أنيقة ، قبالتي تجلس كزهرة ليمون ، تناغي حبات المطر ، فيصوغ عطرها أرجوانياً... يمسح عن مهجتي عجاج الحزن...
على يميني نافذة من بلور وأمل ، تغطي نصفها عريشة ياسمين وغصن ليمون ، وعلى يساري شارع صورة لشوارع المدينة العتيقة ، تسيجها خيوط الفرح فتبدو كحلم يضحك في المهد...
بيني وبينها جملة تحب النقاط بعدها تخشى الفاصلة ، تحب الضمة الأولى ، تخاف الكسرة الأخيرة... افتح كتابي وتفتح دفترها .
- هل حفظتِ قصيدة الأمس ؟ - نعم
- أسمعيني...
قلبـــي يحدثنــي بأنـك متلفـــي
روحي فداكَ عرفـت أم لم تعرفِ
مالي سوى روحي وباذلُ نفسه
في حبِّ من يهواه ليس بمسرف
فلـئن رضيت بها فقد أسعفتنــي
ياخيبـة المسعى إذا لــم تسعفِ
يامانـعي طيب المنـام ومانـحي
ثوب السقام به ووجدي المتلف
صوتها رسالة تلفها أغنية من قرنفلٍ ، يغطيها جفن من حبق وزيزفون...
- أعيدي القصيدة... - لماذا؟؟
- لتصحيح الأخطاء... - لكن لايوجد أخطاء..
- بلى أعيدي..
تعقد حاجبيها ، فيرتديني الفرح ، وصوتها يعشش في مسمعي وصدري... فيسقط قلبي بين راحتيها وهي تعيد القصيدة .
أود لو أضم صوتها ، لو أقبل يده... تنهي القصيدة وهي تسأل:
- أين الأخطاء؟؟ - لايوجد أخطاء .
تمص شفتها كأنها تعتصر قلبي ، وتسكب دمي على مرايا العذاب ...
- ماذا سنأخذ اليوم؟ - سنأخذ قصيدة جديدة.....
سأقرأ القصيدة...
أقرأ القصيدة كأني أُلبسها قلبي وصوتي ، فتبدو كطفلةٍ خائفة من الليل ، تتشبث بصوتي وذراعي ، تداعب قلباً أصبح رماداً ليورق من جديد...
- أعد قراءة القصيدة ، لم أفهم بعض الكلمات...
أعيد قراءة القصيدة وهي تبتسم ، أشعر بقلبها قوس قزح تحمله فراشات الروح وهو يعبر قلبي ليرتد حيث الدفء والأمان...
انتهينا من الدرس ، والسماء تمطر فرحاً ، فتنقر حبات المطر نافذة البلور والأمل...
تحلّ ربطة شعرها فيضيء قمر الوجه ليل الحزن الفاحم... كأنها ترمي ضفائر الأمل وتقول : تمسك بها ، فالريح هوجاء...
تغلق الدفتر ، وهي تقف كوردة على ضفة العمر ، يضمها الغروب ، أوراقها تتوهج احمراراً...
- سنشرب القهوة ريثما يتوقف المطر .
ليل يتناثر على الكتفين ، ووجه أبيض يرتشف حبي ، يرتل أحلام الزمن المستحيل.. كأميرة تمشي في حديقة وفي يدها سلة ملونة ، وراءها تمشي وصيفاتها بين الورود ، فتنجذب الورود إلى سلتها دون أن تنحني إليها...
أرشف قهوتها وأنا أضمها بعيني وقلبي وروحي ، أتمنى أن يبقى طعمها في فمي ، أود لو أبقى دون طعام ، دون ماء...
توقف المطر والوقت يسحب المرساة ، ويمدّ أشرعة الرحيل...
قلبي يمشي خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الوراء ، يلثم خطوَ أنفاسها وهي تمشي أمامي ، كأضمومة نرجس يلفها من عبيرها الضياء ، يصافحني بلا انعتاق....
لؤلؤتان على حافة الإنهمار ، قلبي ينزع قبعته ، يضعها على صدره ، وينحني أمام جلال الوداع...
مساء الحب...