عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 12-17-2009, 11:41 AM
 
الفصل الرابع
العم بامبلتشوك

كنت أتوقع أن أجد شرطياً ينتظرني في المطبخ لإلقاء القبض علي . لكن لم يكن هناك شرطي , ولم يتم اكتشاف السرقة بعد ...
كانت السيدة جو منهمكة في تجهيز المنزل لاحتفال النهار . إذ ينبغي علينا تحضير عشاء فاخر يتكون من فخذ عجل مع الخضار وزوج من الطير المحشي المحمر . سبق أن تم تحضير فطيرة محشوة صباح البارحة , ووضعت الحلوى على النار . في غضون ذلك , علقت السيدة جو ستائر بيضاء نظيفة ، ورفعت الأغطية ـ التي لم تكن لترفع إلا في هذه المناسبة ـ من غرفة الجلوس الصغيرة عبر الممر . كانت السيدة جو ربة منزل نظيفة للغاية , لكن طريقتها في النظافة كانت من الغرابة حتى استحالت أكثر ارهاقاً من القذارة نفسها .
كان السيد ووبسيل , الكاهن في الكنيسة , مدعو للعشاء معنا , كذلك السيد هابل , صانع العجلات , والسيدة هابل ؛ والعم بامبلتشوك , ( عم جو , لكن السيدة جو كانت تناديه عمها . ) وهو تاجر ذرة ميسور الحال في البلدة القريبة , يقود عربته الخفيفة بنفسه , كان موعد الغداء في الواحدة والنصف , وعندما رجعت مع جو من الكنيسة إلى البيت , وجدنا المائدة جاهزة , والسيدة جو قد ارتدت ملابسها . وطعام الغداء قيد الإعداد , وقد فتح الباب الأمامي لدخول الضيوف . كان كل شيء في غاية الروعة والبهاء . وحتى ذلك الوقت , لم تصدر كلمة بشأن السرقة . وها قد حان الوقت دون أن يحمل معه ما يخفف عن مشاعر قلقي , ودخل الضيوف .
قال العم بامبلتشوك , وهو رجل بطيء في متوسط العمر يتنفس بصعوبة , فمه كالسمكة وعيناه كئيبتان وشعره رملي اللون منتصب في رأسه : " أحضرت لك , كهدية للموسم ـ أحضرت لك سيدتي زجاجة من نبيذ الكرز , كما أحضرت لك سيدتي زجاجة من نبيذ البورت . "
في كل يوم عيد ملاد , كان يتقدم بالكلمات نفسها , ويحمل كلتا الزجاجتين كأثقال للتدريب . وفي كل عيد ميلاد , كانت السيدة جو تجيب بنفس ما أجابت الآن : " أوه , عمي بامبلتشوك , هذا لطف منك ! "
وكان في كل عيد ميلاد يجيب مثلما أجاب الآن : " هذا لا يتعدى مقدار فضائلك . والآن , هل أنتم جميعاً على ما يرام ؟ وكيف حال سيكسبنوورث ؟ " وكان يقصدني بذلك .
في مثل هذه المناسبات كنا نتناول الطعام في المطبخ , ثم نعود إلى غرفة الجلوس لنتناول المكسرات والبرتقال والتفاح . وسط هذه المجموعة الطبية , لابد أنني شعرت بنفسي , وإن لم أسرق غرفة المؤونة , في وضع خاطئ . ليس لأنني كنت محشوراً عند زاوية غطاء الطاولة الحادة , حيث تبلغ الطاولة مستوى صدري وكوع بامبلتشوك في عيني , ولا لأنه لم يسمح لي بالحديث ( فأنا لم أكن أرغب بالكلام ) , أو لأن نصيبي من الطعام كان عظام الطير وقطع اللحم الهزيلة . كلا , لم أكن أكترث بكل هذه الأمور لو أنهم تركوني وحيداً . لكنهم لم يكن ليفعلوا ذلك . بل بدا باعتقادهم أنهم سيفوّتون الفرصة لو فشلوا في توجيه الحديث نحوي من حين لآخر , والتركيز علي .
بدأ ذلك لحظة جلوسنا إلى المائدة . إذ تلى السيد ووبسل صلاة قصيرة انتهت بالأمل بأن نكون من الشاكرين . هنا ركزت شقيقتي نظرها إلي وقالت بنبرة تأنيب : " هل سمعت ذلك ؟ كن شكوراً . "
وقال السيد بامبلتشوك : " على الأخص , كن شكوراً أيها الفتى لمن رباك على يديه . "
كان موقف جو ونفوذه أضعف عند حضور الضيوف منه حين لا يكون هناك أحد . لكنه كان يساعدني دائماً ويهدئ من روعي , حين يتسنى له بطريقته الخاصة . وكان يفعل ذلك عادة في وقت الغداء حيث يقدم لي المرق إذا توفر . وبما أن هناك الكثير من المرق اليوم , فقد سكب في صحني . إزاء تلك الملاحظة , نحو نصف باينت .
قالت السيدة هابل متعاطفة مع شقيقتي : " كان مصدر إزعاج لك , سيدتي ؟ "
فردت شقيقتي قائلة : " ازعاج ؟ ازعاج ؟ "ثم تطرقت إلى بيان رهيب بجميع العلل التي تسببت بها , وحالات الأرق التي اقترفتها , وجميع الأمكنة المرتفعة , التي سقطت منها , وجميع الأماكن المنخفضة التي سقطت فيها , وكافة الجروح التي سببتها لنفسي , وجميع الأوقات التي تمنت فيها أن أكون في قبري , لكنني رفضت بعناد الذهاب إليه .
قالت شقيقتي : " تناول بعض الشراب يا عمي . "
رباه ! لقد حل الأمر أخيراً ! فسيجد الشراب خفيفاً ويقول إنه كذلك . شعرت بالضياع , أمسكت برجل الطاولة تحت الغطاء بكلتا يدي وانتظرت مصيري .
ذهبت شقيقتي وأحضرت القنينة الحجرية , وعادت بها وصبت له الشراب , دون أن يتناول منه أحد غيره . تناول الرجل المسكين كوبه ونظر إليه خلال الضوء , ثم وضعه ثانية , مما زاد في تعاستي . إبّان ذلك , كانت السيدة جو وزوجها السيد جو منهمكين في إخلاء المائدة لإحضار الفطيرة والحلوى .
لم أستطع تحويل نظري عنه . بل بقيت ممسكاً برجل الطاولة بإحكام بيدي ورجلي , ورأيت الرجل التعيس يمسك بكوبه ويبتسم , ثم يرجع برأسه للوراء ليشرب الكوب بأكمله . في الحال , حلّ بالحاضرين رعب بالغ حين قفز الرجل واقفاً واستدار عدة مرات وهو يسعل ويشهق على نحو رهيب,ثم اندفع نحو الباب وبدا من خلف النافذة وهو يسعل ويكشّر وجهه بشكل شنيع كأنه فقد عقله .
بقيت ممسكاً بإحكام , فيما السيدة جو وجو هرعا إليه . لم أدر كيف فعلت ذلك , لكن لم يساورني شك بأنني قتلته بشكل أو بآخر . في مثل الحال الرهيب الذي تملكني , فقد ارتحت حين أعادوه , وبعدما جال بنظره على الحاضرين وكأنهم لا يوافقونه الرأي,غاص في مقعده وهو يلهث بشدة قائلاً ببطء : " القار . "
لقد ملأت القنينة من إبريق ماء القار . وكنت أعلم أن حالته ستسوء تدريجياً .
فصاحت شقيقتي : " قار ! كيف ؟ كيف يمكن للقار أن يصل إلى هناك ؟ "
طلب العم بامبلتشوك بعض المشروب الحاد مع الماء . وكان على شقيقتي , التي راحت تفكر بقلق , أن تنهمك بإحضار الشراب والماء الساخن والسكر وقشر البرتقال ومزجها معاً . لقد نجوت بجلدي , مؤقتاً على الأقل .فقالت شقيقتي تخاطب ضيوفها بألطف لهجة لديها: " لابد أن تتذوقوا , في النهاية , هدية العم بامبلتشوك اللذيذة البهيجة . "
هل لابد لهم من ذلك ؟ ليتهم لا يفعلون ذلك !
قالشقيقتي وهي تنهض : " لابد أن تعلموا أنها فطيرة , فطيرة لذيذة . "
تمتم الحاضرون عبارات المجاملة , وذهبت شقيقتي لإحضارها , فسمعت خطواتها باتجاه غرفة المؤونة . ثم رأيت السيد بامبلتشوك يوازن سكينته بيده , فشعرت أنني لن أستطيع التحمل أكثر من ذلك , وأن علي الهرب . فتركت رجل الطاولة وأسرعت للنجاة بنفسي .
لم أكد أبتعد أكثر من الباب حتى اصطدمت بمجموعة جنود مزودة بالبنادق , وقد أمسك أحدهم أصفاداً فوجهها نحوي وقال : " ها أنت هنا , أنظر جيداً , وتعال ! "
يتبع ...

رد مع اقتباس