الفصل الخامس عشر
إعادة أسر السفينة
أصبح لدى القبطان الآن اثنا عشر رجلاً في مجموعته . كان على جمعة وعلي أن نبقى في الجزيرة إلى أن يُعاد أسر السفينة . في أثناء هذا راقب جمعة السجناء وأخذ إليهم الطعام والماء.
قسم القبطان رجاله إلى مجموعتين . هو ورفيقه لديهما خمس رجال معهما في قاربهما . ذهب البقية في القارب الذاني الذي أصلحوه .انتظرا إلى أن حل الظلام قبل أن ينطلقوا إلى السفينة . في منتصف الليل وصلوا ضمن مسافة نداء . حمل القبطان روبنسون على أن ينادي بصوت عالٍ على أولئك الذين في ظهر السفينة .
قال:"وجدنا رفاقنا وقاربهم . لكن الجزيرة مكان رهيب وقد استغرقنا كل هذا الوقت لفعل هذا. "
بهذه الطريقة أبقى الرجال على ظهر السفينة يتكمون إلى أن وصلت قواربنا إلى جانب السفينة .
ثم قفز القبطان ووكيله بسرعة على ظهر السفينة وطُرحا أرضاً رجلين اثنين الذين قابلاهما . أُسر البحارة كلهم الذين كانوا على سطح السفينة . أغلقت مجموعة القبطان الأبواب المؤدية إلى أسفل وثبتتها , حتى لا يستطيع باقي الطاقم من الخروج . حين تم هذا أمر القبطان وكيله والرجال الثلاثة أن يقتحموا القمرة الخلفية . هنا كان بحار آخر قائداً في التمرد نائم . أيقظته ضجة القتال ووصل إلى بندقيته . معه كان هناك رجلان وصبي , كلهم كانوا مسلحين .
جرى الوكيل إلى الباب مع قضيب حديدي وشق الخشب . لم يكن من السهل هزيمة أولئك الذين كانوا في الداخل فأطلقت النار على الوكيل ورجاله . جُرح الوكيل بطلقة كسرت ذراعه , وجُرح اثنان من مجموعته أيضاً . لحسن الحظ لم يُقتل أحد . مع أن الوكيل جُرح , إلا أنه نادى بصوت عال طالباً من الرجال أن يتبعوه من خلال الباب المكسور . اندفع إلى داخل القمرة الخلفية وأطلق على القائد النار في رأسه .
كانت هذه نهاية التمرد لأنه , بموت هذا الرجل , استسلم باقي الطاقم . حالما أسرت السفينة أمر القبطان سبع بنادق أن تُطلق نارها . كانت هذه هي الإشارة التي اتفقنا على إطلاقها حالما ينجحون . كنت مسروراً جداً في أن أسمع البنادق تنطلق . كنت أجلس على الشاطئ لمدة ساعتين بالتمام منتظراً أن أعرف نتيجة المعركة .
بعد هذا ذهبت إلى الفراش . مررت بوم طويل ومتعب وسرعان ما نمت . حين استيقظت في الصباح كان القبطان ينادي .
قال : " يا حاكم , يا حاكم , تعال وانظر إلى سفينتك . "
اقتادني إلى أعلى التل وأشار إلى البحر .
صرح : " هناك هي . إنها كلها لك وكذلك نحن وكل ما يعود إليها . "
نظرت وهناك كانت السفينة على بعد ما يزيد عن نصف ميل بقليل من الشاطئ . حالما تولى القبطان المسؤولية ثانية رفع المرساة واقترب بالسفينة من الشاطئ إلى أقرب مسافة ممكنة .
كان الآن كل شيء جاهزاً لإنقاذي من الجزيرة . ها هنا سفينة جاهزة وتنتظر أن تأخذني إلى إنكلترا . بعد كل هذه السنين كان التفكير يكاد يكون أكثر من اللازم بالنسبة إلي . فلبعض الوقت لم أستطع أن أجيب القبطان . لو لم يأخذني بين ذراعيه لكنت سقطت على الأرض كما ظننت . أخرج القبطان قنينة روم من جيبه وأعطاني لأشربه . بعد أن شربت الروم جلست على صخرة . قال القبطان أشياء كثيرة لطيفة لي ليساعدني على التغلب على عواطفي , لكن هكذا كان تدفق الفرح داخلي حتى أنني انفجرت بالدموع .
بعد أن كنا قد تكلمنا لبعض الوقت قال القبطان بأنه أحضر لي بعض الطعام وأشياء مفيدة أخرى من السفينة . أحضر لي بعض نبيذ ماديرا وبعض التبغ . لم أر أياً من هذه الأشياء كل السنين التي أمضيتها في الجزيرة . ثم أتت ستة أضلع من لحم بقر وستة أضلع من لحم خنزير وبسكوت وسكر وأشياء أخرى كثيرة .
إضافة إلى الطعام كانت هناك بعض الملابس الجديدة . كانت هذه بالنسبة إلي قيمة حتى أكثر من أروع طعام . كانت هناك ستة قمصان جديدة , ستة أوشحة , زوجا قفازات , حذاء وقبعة وبذلة ملابس كانت جديدة تقريباً . بكلمة واحدة , كسوت من الرأس إلى القدم , شعرت بأنني غريب حقاً عندما ارتديت هذه الملابس . لم أرتد ملابس كهذه حيث أن الملابس الأخرى كانت قد اهترأت بعد أن أتيت إلى الجزيرة تماماً .
بدأنا نفكر بالذي يجب أن نفعله بسجنائنا . قال القبطان بأننا إذا أخذنا أسوأ اثنين فإن علينا أن نبقيهما ونقفل عليهما حتى نبلغ مستوطنة إنجليزية . كان يمكننا عندئذ أن نسلمها إلى حاكم ليتعامل معهما طبقاً لقوانين تلك البلاد . عنى هذا تقريباً الموت لهما , وفكرت بأنهما قد يفضلان أن يبقيا في الجزيرة إذا أعطي لهما الخيار . حين اقترحت هذا على القبطان وافق , وهكذا أرسلت جمعة ليعيد كل السجناء إلينا .
حين حل السجناء كلهم إلينا , تكلمت إليهم .
أخبرتهم : " أنا حاكم هذه الجزيرة , وأنت يا قبطان أخبرتني بكل شيء عنهم . أنا أعرف بأنكم اشتركتم في التمرد وكنتم تخططون لتصبحوا قراصنة . لقد أمسكت بالسفينة , وأفراد الطاقم كلهم الذين استركوا في التمرد إذا ماتوا أو استسلموا . كحاكم لهذه الجزيرة , لدي صلاحية شنقكم . هل لديكم أي شيء يوجب على ألا أفعل هذا بكم ؟ "
في الوقت نفسه جعلتهم يفهمون أنه ستبقى على حياتهم إذا وافقوا على أن يُتركوا في الجزيرة حين تبحر السفينة . وافقوا كلهم بسرعة أنهم يفضلون أن يبقوا على أن يُشنقوا . أخبرتهم بأننا ونحن نترك الجزيرة سنطلق سراحهم ونعطيهم بعض البنادق والذخيرة .
قادهم جمعة بعيدا والتفتُّ إلى القبطان لأتكلم إليه . أخبرته بأنني سأحتاج إلى بعض الوقت لأجهز بعض الأشياء لأغادر الجزيرة . كانت هناك الكثير من الممتلكات التي أردت أن آخذها معي لتذكرني بسنِّي في الجزيرة . أردت أن أمضي ليلتي الأخيرة في الجزيرة بينما يعد القبطان السفينة للرحلة . طلبت منه أن يرسل القارب لي في الصباح التالي . طلبت منه أيضاً أن يعلق جثة الرجل الذي قُتل رمياً بالرصاص في القمرة الخلفية على عارضة السارية حتى يراها الكل.
عاد القبطان إلى السفينة وبعد وقت قصير راقبت الرجال يرفعون الجثة إلى عارضة السارية . ذهبت إلى السجناء وأريتهم ما كان قد حدث لرفيقهم . حذتهم بأن هذا سيكون مصيرهم أيضاً إذا عادوا إلى السفينة . ثم أخبرتهم بكل ما أستطيع قوله عن الجزيرة حتى أنه لم يكن من الصعب جداً عليهم أن يعيشوا هناك . أريتهم كيف خبزت خبزي وجففت زبيبي . أخبرتهم عن قطيع الماعز وأين أعيش . أخبرتهم أيضاً عن الستة عشر إسبانياً المتوقع منهم أن يصلوا إلى الجزيرة في وقت قريب جداً .
في الصباح التالي أتى قارب من السفينة ليأخذني من الجزيرة لآخر مرة . مع أنني كنت سعيداً في التفكير في العودة مرة أخرى إلى إنكلترا , إلا أنه لم يكن سهلاً علي ترك الجزيرة . ظلت بيتي طيلة ثمانيو وعشرين سنة وعشت هناك بسعادة أكثر وراحة أكثر مما تخيلت في أي وقت من الأوقات . كان الله طيباً معي . لم ينقذني فقط من الغرق بل حماني أيضاً من المتوحسين الذين زاروا الجزيرة . وها هو الله الآن أحضر لي سفينة كانت على وشك أن تأخذني إلى بلادي .
قوطعت هذه الأفكار بوصول الرجال الذين كنا سنترككهم في الجزيرة . كنت قد وعدت قبل أن أغادر أنني سأعطيهم سيفي وبنادقي . كان لدي القليل جداً من الذخيرة التي بقيت , لكنني وعدت أن أطلب من القبطان أن يرسل إليهم إمداداً أكثر حالما نكون كلنا سالمين على ظهر السفينة .
كانت مهمتي التالية أن نضع في القارب كل الأشياء التي كنت أريد أن آخذها من الجزيرة . تضمنت هذه قبعتي من جلد الماعز ومظلتي . وأخذت معي أيضاً كل النقود التي أخذتها من السفينة الإسبانية . كانت قاتمة اللون وصدئة حتى كلن من الصعب تمييزها كفضة إلا بعد أن صُقلت .
أخيراً كنت مستعداً إلى أن أغادر الجزيرة وأصل إلى القارب . دفع الرجال لقارب بعيداً عن الشاطئ وبدأوا يجذفون إلى السفينة . فيما نحن نرحل أتى رجلان من الجزيرة يسبحان نحونا . رجانا أن ندعهما يأتيان إلى السفينة لأنهما كانا خائفين من أنهما سيقتلان إذا بقيا في الجزيرة . لم يرد القبطان أن يأخذهما في البداية , لكنه أُقنع أخيراً .
هكذا تركت الجزيرة في التاسع عشر من كانون الأول 1686 , كان هذا اليوم هو اليوم نفسه من الشهر الذي هربت فيه هروبي الأول من مغاربة سالي قبل سنين عديدة . وصلت السفينة إلى إنكلترا بعد رحلة طويلة في الحادي عشر من حزيران 1686 . برحمة من الله عدت إلى الوطن مرة أخرى بعد خمسة وثلاثين عاماً .
تمت ..
أتمنى تكون الرواية عجبتكم
وتقبلوا موضوعي البسيط
والرواية للأمانة انا من كتبها ...
|