الإسلام اليوم أصبح أقوى وأعلى صوتًا، وأثبتت أن المسلمين اليوم أصبحوا أكثر تحركًا وتنسيقًا عن الأمس القريب، لقد أصبح لصوتهم دوي، وأصبحت مواقفهم أكثر تركيزًا واتحادًا, إلى تلك الدرجة التي استطاعوا فيها أن يحركوا أعلى المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية .بالرغم مما أثارته تلك الرسومات النرويجية والدنمركية المسيئة للإسلام من موجات استياء لكافة المسلمين حول العالم، .
لا نتحدث اليوم عن الإسلام الرسمي، ولا نتحدث عن الإسلام الحكومي، ولكن نتحدث عن الإسلام الشعبي، عن جموع المسلمين حول العالم من كافة الطبقات، عن تلك القلوب والأقلام التي تحركت في فضاء جديد أصبح أكثر حرية ومرونة، فضاء سمح لكافة المسلمين حول العالم أن يتشاركوا في الآراء والآمال والآلام؛ ذلك الفضاء الجديد الذي لم يعد ممكنًا إغلاقه أو الرجوع فيه؛ لقد خرج صوت العملاق الإسلامي من قمقمه ولن يعود إليه من جديد.
فبالرغم من تلك الحملة الغربية الشرسة على الإسلام على كافة المستويات العسكرية والإعلامية والثقافية، إلا إن الإسلام يكسب أرضًا جديدة كل يوم. بالأمس القريب استطاعت تظاهرات المسلمين أن تجبر جريدة مرموقة مثل النيوزويك على أن تنكص على عقبيها بعدما نشرت تقارير إهانة المصحف بجوانتانامو، وبالرغم من أنها كمنبر إعلامي لا تمتلك إلا مصداقيتها، إلا أنها بلعت كبرياءها وطأطأت رأسها أمام التظاهرات الإسلامية حول العالم، وقالت أن التقارير "لم تكن دقيقة"؛ نزولاً على رغبة الإدارة الأمريكية التي وجدت نفسها في ورطة لا تحسد عليها؛ فلتذهب المصداقية إذن إلى الجحيم.
واليوم نشرت جريدة دانمركية مغمورة تلك الرسومات التي لا تعبر إلا عن جهل أصحابها؛ وربما بدأ المرجل الإسلامي في الفوران بسبب بسيط وهو أن أحد مسلمي الدانمرك المخلصين الذين يطلعون على مثل تلك الجريدة قام بالانتفاض نصرة لنبيه ولدينه، وقام بإرسال رسالة بريد واحدة إلى مسلم آخر، وعندها بدأت تلك الحملة في النمو والتضخم مثل كرة الثلج؛ فقط كرة ثلج صغيرة أطلقت من أصقاع الدانمرك لتصل إلى قلب العالم الإسلامي، والذي أرجعها تارة أخرى قوية ضخمة مدوية إلى الدانمرك؛ ولكنها في هذه المرة اكتسبت زخمًا شعبيًا وسياسيًا ودينيًا على أعلى المستويات، وما هذا إلا دليل دامغ على قوة المسلمين الإعلامية.
لقد تغيرت وسائل تحريك الرأي العام العالمي في ذلك الفضاء الجديد؛ لقد تدخلت محددات جديدة لترسم ذلك الفضاء الإعلامي؛ ليدخل في ذلك الإنترنت والفضائيات ورسائل الجوال وغيرها من الوسائل التي تستطيع تحريك المياه الآسنة، وأصبح المسلمون اليوم يمتلكون الكثير من أدوات تحريك الرأي العام، وذلك بعدما حرموا منها قرونًا مديدة بسبب سيطرة الغرب أو الحكومات الموالية له على وسائل الإعلام والاتصال حول العالم، ولكن الله عز وجل مكن المسلمين من تلك الوسائل التي اخترعها أعداء الإسلام، مثلما أبى الله عز وجل إلا أن يتربى موسى في بيت فرعون الذي كان يترقب خروج مَن زوال ملكه على أيديه.
فبالرغم من تلك الشائنة التي لا تعيب إلا من رسمها إلا أن تلك الرسومات جاءت مناسبة لإظهار قوة المسلمين وترابطهم؛ فالإسلام لم يخسر بسبب تلك الرسومات التي لا تمثل المسلمين أو نبيهم أو دينهم من قريب أو بعيد؛ كما أن تلك الرسومات التي لم تنبع إلا من جهل صاحبها لن تقنع ذا عقل بسوء أو قبح الإسلام، ولكنها في المقابل أثبتت للعالم أن للإسلام مدافعين عنه يصونون كرامته ويذودون عن حياضه، كما أكدت للعالم أن المسلمين حتى في قلب القارة الأوروبية متمسكون بدينهم, وأن دينهم ليس خانة في بطاقة الهوية، ولكنه محفور في أعماق القلوب.
لقد أثبت المسلمون مرة ثانية أنهم على المستويات الشعبية أقوى وأفضل تحركًا وتنسيقًا، وأثبتت الشعوب الإسلامية أنها بمفردها تستطيع امتلاك زمام المبادرة والضغط على الدول والحكومات، إلى تلك الدرجة التي عبرت فيها الشركات الدانمركية عن مخاوفها من مقاطعة بضائعها في العالم الإسلامي بعد أن بدأ شعب المملكة العربية السعودية بالمبادرة، وارتعدت فرائص الشركات الكبرى مثل شركة "آرلا" بعد أن تمت مقاطعتها في عدة مستويات بالمملكة مع دعوة العلماء والساسة إلى مقاطعة المنتجات الدانمركية، وذهبت تلك الشركات مهرولة إلى الخارجية الدانمركية من أجل الشجب والتنديد بتلك الرسومات، وصرح فين هانسون رئيس فرع الشركة بالمملكة لذات الجريدة التي نشرت الرسومات أن "الوضع يتصاعد بحدة وسرعة كبيرة في المملكة، وأن التطورات في الساعات الأخيرة مقلقة للغاية"، وأضاف أن أكبر شركائه في المملكة قد استدعوا موظفي شركة آرلا مطالبين بالاجتماع بهم في الأيام المقبلة، في محاولات من أجل شجب تلك الرسومات" وقال أن الموقف أصبح حرجًا للغاية لأن المستهلكين السعوديين يتحركون في صورة جماعية، وأضاف: "نحن نخشى أن تضربنا موجة من موجات غضب المستهلكين" التي قد تدمر منتجات الشركة في الشرق الأوسط، والتي تبلغ حجم مبيعاتها فيه 3 مليار كورون دانمركي.
كما أسفرت التحركات الشعبية عن تحركات أخرى على كافة المستويات الرسمية والدينية والصحفية، وتحركت مؤسسات الأزهر ووزراء الخارجية العرب وجامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات من أجل الضغط على الحكومة الدانمركية لشجب ذلك العدوان السافر على المقدسات الإسلامية، كما استدعت المملكة العربية السعودية سفيرها من الدانمرك للضغط على الحكومة الدانمركية، وتلتها ليبيا، ونجح مسلمو الدانمرك في تدويل قضية تلك الرسومات في النهاية.
واليوم وبالرغم مما يتعرض له العالم الإسلامي من هجمة عسكرية شرسة إلا أنه في ذات الوقت وفي قلب أوروبا وأمريكا أصبح الساسة الغربيون يحسبون حسابًا لأصوات المسلمين الذين دخلوا عنوة في المعادلة السياسية الغربية، هذا بالرغم من أن الجاليات الإسلامية في تلك البلاد لم تتوحد حتى الآن إلا على رفض سياسات الغزو الغربية للعالم الإسلامي، وفي الدانمرك ذاتها تجرى انتخابات في 8 فبراير القادم، وقد يبرز صوت المسلمين جليًا في تلك الانتخابات بعدما أثبتت الأحداث قدرتهم على تحريك الخارج وفرض مقاطعة على المنتجات الدانمركية حول العالم.
إن الرسومات المسيئة لإسلامنا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، كما أنها ليست الأكثر بذاءة, ومن يدخل غرف أقباط مصر على غرف الدردشة بالبالتوك يعلم جيدًا ما أعني، وكل تلك البذاءات بسوادها لا تنجح في شيء سوى في إظهار ذلك التباين الكبير بينها وبين دين الإسلام، كما أثبتت للمسلمين كيف أن صوتهم اليوم أصبح مسموعًا على كافة المستويات، وأن الشعوب لم تعد تخاطب نفسها بعد الآن انتظارًا لرجع الصدى في الفلاة، ولكن ثبت أن لتحركهم الجماعي أكبر الحظ وأوفر النصيب، وأن المسلمين قادرون على تغيير وجه العالم.. إذا أرادوا يومًا ذلك.
</b></i>