أخيرا
أرسل الليل أخر خيوطه , و احتضنت السماء نجومها و أشتد الظلام و ما وجدت
أنا على مكتبي سوى أقلام و أوراق و لا أحد يؤنسني سوى خوف يقطع أحشائي و
رعب يهز كياني و ذاكرة لا تحمل في طياتها سوى أفكار مشتتة بين تعاسة هذا
الليل و أمل الفجر البعيد , أما قلبي مشحون بمغناطيس الحب و هو ينبض و يدق
كغير العادة , و أنا أشعر باختلال في الأوردة و الشرايين , و كل هذا لا
لشيء سوى أنني فقدت التوازن العصبي و لست أدري هل أنا ليلة قيس أم عبلة
زمني , و إن كان ذلك فلما ودعني عنترة , لربما أنا جوليوت و ورميو بعيد .
تدق
الساعة منتصف الليل و أنا أتحرك في وسط الغرفة كالمجنونة ألف و أدور وحيدة
متوترة و أحيانا أقف أمام المرآة فأشعر أني امرأة رمى بها القدر فسقطت من
زورق الحياة في بحر الألم , امرأة دفنت أحلامها في مقبرة العذاب و الأسباب
متعددة و أهمها الحب , لكن فقط أحتفظ بأغنية الوداع , وأنا على هذا الحال
من السؤال و إذا بي أستيقظ من حلمي , بل أحلامي على صوت أختي التي أقتحمت
غرفتي و هي تردد لقد حان وقت صلاة الفجر و سلمتني رسالة و أنصرفت دون أن
تتلفظ بأي إستفسار .
نهضت
من مكاني أنفض بقايا الحلم ,أحاول أن أعرف من أين لها بالرسالة و من
صاحبها , لكن أختصرت أسئلتي في فتح الرسالة * حبيبتي نادية .... أنا أسف
عن مابدر مني من تفاهات بالأمس , الظروف كانت أقوى مني فأرجوك اللقاء غدا
عند الثامنة صباحا في مكاننا المعهود أرجوك الامر مهم . " أمين " * . ترى
اذا حدث بالأمس عزف لي لحن الفراق و اليوم يريد لقائي ليطربني أغنية توبة
, لم يكفيه التوتر الذي أنا فيه من ليلة الامس , يفرض علي القلق من جديد
بخطابه هذا .
تحركت
من مكاني و جمعت كل قواي محاولة أن أنسى لحظات القلق و تعب ليلة أمس و
تفرغت للصلاة بعد ذلك ألقيت بجسمي على السرير لعلني انام قليلا . الساعة
السابعة صباحا استيقضت و جهزت نفسي و خرجت من البيت باكرا ليس كعادتي ,
الساعة الثامنة كنت في المكان لكن لم أجد أثار أقدام امين أنتظرت , و
أنتظرت حتى سئمت , غيرت إتجاهي إلى عملي و ما إن خطوت أولى الخطوات حتى
سمعت صوت أمين نادية , نادية أنتظري . لحق الى المكان و هو يلهث و بيده
حقيبة و قبل أن يتفوه بكلمة بادرت أنا بالسؤال : لماذا هذا التأخير , و
ماذا تريد مني بعدما دست على مشاهري ؟ و ما هاته الحقيبة , إلى أين انت
هارب ... و .... ؟ . قال : سأفهمك كل شيء لقد تأخرت لأني أنتظرت صديقي لكي
يجلب لي المال , لأني قررت الرحيل فهل تذهبي معي لأن لا حل لمشكلتنا سوى
الهروب معا فلقد حاولت مع أهلي بكل الطرق وكل المحاولات باءت بالفشل و
أهلك لا يتقبلوني دون عائلتي و .... لم أتمالك نفسي من شدة الغضب و قطعت
حديثه و قلت : إسمع الهروب ليس حلا و إنما سيعقد المشكلة أكثر و أكون أنا
المتضررة فأنا لا أوافقك الرأي من اساسه .حينها كان رده قاسي أكثر مما
تصورت و قرر هو مصيره بالرحيل و تركني أتألم في مكاني .