حالة الحسين يوم عاشوراء!
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ( عليه السَّلام ): "لَمَّا اشْتَدَّ الْأَمْرُ بِالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ( عليهما السلام ) نَظَرَ إِلَيْهِ مَنْ كَانَ مَعَهُ، فَإِذَا هُوَ بِخِلَافِهِمْ، لِأَنَّهُمْ كُلَّمَا اشْتَدَّ الْأَمْرُ تَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ وَ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُمْ وَ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَ كَانَ الْحُسَيْنُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ بَعْضُ مَنْ مَعَهُ مِنْ خَصَائِصِهِ تُشْرِقُ أَلْوَانُهُمْ وَ تَهْدَأُ جَوَارِحُهُمْ وَ تَسْكُنُ نُفُوسُهُمْ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا لَا يُبَالِي بِالْمَوْتِ!
فَقَالَ لَهُمُ الْحُسَيْنُ ( عليه السَّلام ) صَبْراً بَنِي الْكِرَامِ، فَمَا الْمَوْتُ إِلَّا قَنْطَرَةٌ يَعْبُرُ بِكُمْ عَنِ الْبُؤْسِ وَ الضَّرَّاءِ إِلَى الْجِنَانِ الْوَاسِطَةِ وَ النَّعِيمِ الدَّائِمَةِ، فَأَيُّكُمْ يَكْرَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ سِجْنٍ إِلَى قَصْرٍ، وَ مَا هُوَ لِأَعْدَائِكُمْ إِلَّا كَمَنْ يَنْتَقِلُ مِنْ قَصْرٍ إِلَى سِجْنٍ وَ عَذَابٍ، إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ): أَنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَ جَنَّةُ الْكَافِرِ، وَ الْمَوْتُ جِسْرُ هَؤُلَاءِ إِلَى جِنَانِهِمْ، وَ جِسْرُ هَؤُلَاءِ إِلَى جَحِيمِهِمْ، مَا كَذَبْتُ وَ لَا كُذِبْتُ"
أيهما أفضل ، من يبكي و لا يضحك ، أم من يبكي و يضحك ؟
عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ( عليه السَّلام ) ، قَالَ : " كَانَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا ( عليه السَّلام ) يَبْكِي وَ لَا يَضْحَكُ ، وَ كَانَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ( عليه السَّلام ) يَضْحَكُ وَ يَبْكِي ، وَ كَانَ الَّذِي يَصْنَعُ عِيسَى ( عليه السَّلام ) أَفْضَلَ مِنَ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُ يَحْيَى ( عليه السَّلام )
. المُحب لا يلام على ما يقول
رُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ ( عليه السَّلام ) رَأَى عُصْفُوراً يَقُولُ لِعُصْفُورَةٍ : لِمَ تَمْنَعِينَ نَفْسَكِ مِنِّي ، وَ لَوْ شِئْتُ أَخَذْتُ قُبَّةَ سُلَيْمَانَ بِمِنْقَارِي فَأَلْقَيْتُهَا فِي الْبَحْرِ !
فَتَبَسَّمَ سُلَيْمَانُ ( عليه السَّلام ) مِنْ كَلَامِهِ ، ثُمَّ دَعَاهُمَا ، وَ قَالَ لِلْعُصْفُورِ : " أَ تُطِيقُ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ " ؟!
فَقَالَ : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَ لَكِنَّ الْمَرْءَ قَدْ يُزَيِّنُ نَفْسَهُ وَ يُعَظِّمُهَا عِنْدَ زَوْجَتِهِ ، وَ الْمُحِبُّ لَا يُلَامُ عَلَى مَا يَقُولُ .
فَقَالَ سُلَيْمَانُ ( عليه السَّلام ) لِلْعُصْفُورَةِ : " لِمَ تَمْنَعِينَهُ مِنْ نَفْسِكِ وَ هُوَ يُحِبُّكِ " ؟
فَقَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ مُحِبّاً وَ لَكِنَّهُ مُدَّعٍ ، لِأَنَّهُ يُحِبُّ مَعِي غَيْرِي .
فَأَثَّرَ كَلَامُ الْعُصْفُورَةِ فِي قَلْبِ سُلَيْمَانَ ، وَ بَكَى بُكَاءً شَدِيداً ، وَ احْتَجَبَ عَنِ النَّاسِ أَرْبَعِينَ يَوْماً يَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُفَرِّغَ قَلْبَهُ لِمَحَبَّتِهِ ، وَ أَنْ لَا يُخَالِطَهَا بِمَحَبَّةِ غَيْرِهِ .
ما ليس لله في السماء !
روي عن عمر بن الخطاب أنه لقي حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال له : كيف أصبحت يا حذيفة ؟
فقال : أصبحت أحب الفتنة ، و أكره الحق ، و أصلي بغير وضوء ، و لي في الأرض ما ليس لله في السماء !
فغضب عمر غضباً شديداً ، فلقي علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، فأخبره عمر بما سمعه من حذيفة .
فقال علي ( عليه السَّلام ) لعمر : صدقَ يا عمر .
يحب الفتنة : يعني المال و البنين ، لأن الله تعالى قال : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ }
و يكره الحق : يعني الموت .
و يصلي بغير وضوء : أنه يصلي على النبي بغير وضوء في كل وقت .
و له في الأرض ما ليس لله في السماء : له زوجة و ولد ، و ليس لله زوجة و ولد .
فقال عمر : أصبت و أحسنت يا أبا الحسن ، لقد أزلت ما في قلبي على حذيفة اليمان .