عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-24-2010, 04:53 PM
 
Post فداك أبي وأمي يارسول الله

قال القاضي عياض:
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، لقد فظع أهل المدينة ليلة، فانطلق ناس ِقبل الصوت، فتلقاهم رسول الله راجعا، قد سبقهم إليه واستبرأ الخبر على فرس لأبى طلحة عري و السيغ في عنقه، وهو يقول لن تراعوا.
و قال على رضى الله عنه: إنا كنا – إذا حمى البأس و احمرت الحدق- نتقى برسول الله صلى الله عليه و سلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.
و عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:لا, وقد قالت له خديجة: ((إنك تحمل الكل وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق)).
و حمل إليه سبعون ألف درهم، فوضعت على حصير، ثم قام إليها يقسمها، فما رد سائلاً، حتى فرغ منها.
وجاءه رجل فسأله، فقال له: ما عندي شئ، ولكن ابتع علي، فإذا جائنا شئ قضيناه، فقال عمر: ما كلفك الله مالا تقدر عليه! فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالاً، فتبسم النبي، وعرف البشر في وجهه، وقال: بهذا أُمرت.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤلف أصحابه ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم.
ويحذر الناس ويحترس منهم، من غير أن يطوى عن أحد منهم بشره ولا خلقه.
يتفقد أصحابه ويعطى كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه.
من جالسه، أو قاربه لحاجه صابره، حتى يكون هو المنصرف عنه.
ومن سأله حاجه لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول.
قد وسع الناس بسطه و خلقه، فصار لهم أبا، و صاروا عنده في الحق سواء.
وكان دائم البشر، سهل البع، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب، ولا فحاش، ولا عتاب، ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهى، ولا يقنط منه قاصده.
وعن عائشة رضى الله عنها: ما كان أحد أحسن خلقًا من رسول الله، ما دعاه أحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال: لبيك.
و قال جرير بن عبد الله رضى الله عنه: ما حجبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم.
وكان يمازح أصحابه ويخالطهم و يجاريهم، ويداعب صبيانهم و يجلسهم في حجره.
ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عذر المتعذر.
قال أنس: ما ألتقم أحد أذن رسول الله صلى الله عليه و سلم فينحى رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحى رأسه، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الأخر، و كان يبدأ من لاقيه بالسلام، و يبدأ أصحابه بالمصافحة.
لم ير قط مادًا رجليه بين أصحابه فيضيق بهما على أحد.
يكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى.
ويكنى أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمه لهم، ولا يقطع على أحد حديثه، حتى يتجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام.
وعن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ أتى بهديه قال: اّذهبوا بها إلى بيت فلانة، فإنها كانت صديقه لخديجة، إنها كانت تحب خديجة.
و عن عائشة رضى الله عنها قالت: ما غرت من امرأة، ما غرت من خديجة، لما كنت أسمعه يذكرها، وإن كان يذبح الشاه فيهديها إلى خلائلها، واستأذنت عليه أختها فأرتاح إليها، ودخلت عليه امرأة فهش لها وأحسن السؤال عنها، فلما خرجت قال: إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الأيمان.
وكان يصل ذوى رحمه، من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم.
و عن أبى قتاده: لما جاء وفد النجاشى قام رسول الله صلى الله عليه و سلم يخدمهم، فقال له أصحابه: نكفيك، فقال: إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، وأنى أحب أن أكافئهم.
و عن أبي أمامة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئًا على عصا، فقمنا له فقال: لا تقوموا كما يقوم الأعاجم، يعظم بعضهم بعضًا.
وقال: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، وكان يركب الحمار، ويردف خلفه، ويعود المساكين، ويجالس الفقراء، ويجلس بين أصحابه مختلطًا بهم، حيثما انتهى به المجلس جلس.
وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث عليه قطيفه ما تساوى أربعه دراهم، فقال: الهم حجه لا رياء فيها ولا سمعة.
و لما فتحت عليه مكة ودخلها بجيوش المسلمين، طأطأ رأسه على راحلته حتى كاد يمس قادمته، تواضعا لله تعالى.
وكان كثير السكوت لا يتكلم في غير الحاجة، و يعرض عمن تكلم بغير جميل.
و كان ضحكه تبسمًا، و كلامه فصلاً، لا فضول فيه ولا تقصير.
و كان ضحك أصحابه عنده التبسم، توقيرا له و إقتداء به.
مجلسه مجلس حلم و خير وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، لا تخدش فيه الحرم.
إذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رؤوسهم الطير.
و إذا مشى مجتمعا، يعرف في مشيته أنه غير ضجر ولا كسلان.
قال بن أبى هالة: كان سكوته على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكر.
و قالت عائشة كان يتحدث حديثًا، لو عده العاد أحصاه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الطيب والرائحة الحسنة؛ و يستعملها كثيرًا.
و قد سيقت له الدنيا بحذافيرها، و ترادفت عليه فتوحها، فأعرض عن زهرتها، ومات و درعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله.
* المصدر: كتاب خلق المسلم (محمد الغزالي).
لا تنسونا من دعائكم .. وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى
رد مع اقتباس