جاء في فتوى لفضيلة الدكتور عبد الحي يوسف حول تحديد وتنظيم النسل
اقتباس:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، فلا يجوزُ منعُ الإنجابِ إلا لضرورةٍ شَرعية، وأما التحكُّمُ المؤقَّت في الإنجاب باستخدام الموانِع المؤقتة فيجوزُ للحاجة دون ضرَرٍ أو عُدوان على حملٍ قائمٍ. ولا بأسَ باستِخدام العازلِ والحبوبِ والحقنِ واللَّوْلَب لِمَنعِ الحمل المؤقت، على أنَّ تركَ استِخدامِها أولَى إذا لم يُخْشَ على الزوجة ضرَرٌ؛ لأنَّ دينَنا الحنيفَ يَحُثُّ على الإنجاب وحُسْنِ التربية كما ينهَى عن تقلِيلِ النَّسلِ وسُوءِ التربية ولا اعتِبارَ للمصالِحِ الموهُومة التي يُروِّجُ لها أصحابُ الأهواء. وأما قَفْلُ المبيض فإنْ كان يؤدي إلى مَنعِ الحملِ فلا يجوزُ إلا لضرورةٍ.
وقد وردَ في موضوع (تنظيم النسل) قَرارٌ من المؤتمر الخامس لمجمع الفقه الإسلامي تضمن ما يلي: ”بناءً على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب والحفاظ على النوع الإنساني، وأنه لا يجوز إهدارُ هذا المقصَد؛ لأن إهدارَه يتنافى مع نصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثيرِ النسل والحفاظِ عليه والعنايةِ به باعتبار حفظِ النَّسلِ أحدَ الكُلِّيات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها قرَّرَ ما يلي: أولاً :لا يجوز إصدارُ قانونٍ عامٍّ يحد من حرية الزوجين في الإنجاب. ثانياً :يحرم استئصال القُدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة، وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم، ما لم تدعُ إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية. ثالثاً: يجوز التحكُّم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعَدة بين فترات الحمل، أو إيقافه لمدةٍ مُعيَّنةٍ من الزمان، إذا دعَت إليه حاجةٌ مُعتبَرةٌ شرعاً، بحسَب تقديرِ الزوجَين عن تشاوُرٍ بينَهما وتَراضٍ، بشرط أنْ لا يترتَّبَ على ذلك ضرَرٌ، وأنْ تكون الوسيلة مشرُوعة، وأن لا يكون فيها عُدوانٌ على حملٍ قائم”. [المؤتمر الخامس لمجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بالكويت من 1-6 جمادى الآخر 1409هـ المواف0-15 كانون الأول (ديسمبر)1988م، قرار رقم: 39 (1/5) بشأن تنظيم النسل مجلة المجمع (ع 4، ج1 ص 73)].
|
وفي فتوى أخرى قال علماءؤنا على الشبكة الاسلامية
اقتباس:
ثبت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "تَزوَّجوا الودُودَ الولُودَ فإنِّي مُكاثِر بكم الأمَم"(19) . وروي أيضًا بإسناد غير قوي، ولكن تُعضِّده مؤيِّدات من الأدلة أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: "تَنَاكَحُوا تَكْثُروا فَإنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَة"(20) .
وفي هذا دلالة كافية على أن تحديد النسل بأي وسيلة من الوسائل لا يَجوز في ظلِّ الإسلام أن يكون هدفًا عامًا في الدولة تَهدِف إليه، وتخطِّط له، وتحمِل عليه الناس بتدابير عامة. فلا يَزال، ولن يَزال، العدد البشري في كل أمة من أهم مقاييس شأنها في الأنظار الدولية، وقابليَّات قدرتها وقوتها.
ولكن لا يوجد مانع شرعي في الإسلام من اتخاذ تدابير شخصية (أي: في نطاق شخصي غير عام) من كل فرد بحسَب ظروفه الخاصة وقدرته المالية، بتحديد نسله بطرق منْع الحمْل، دون طرُق الإجْهاض التي فيها عدوان على جنين متكوِّن، إلا في حالات الضرورات التي تصل إلى درجة إباحة المحظورات كضرورة إنقاذ حياة الأم إذا توقَّف على إسقاط حملها.
هذا ما تدل عليه نصوص الشريعة وعموماتها وكلام الفقهاء. وهو الموقف الذي استقر عليه رأي علماء الشريعة الإسلامية المعاصرين في عدة مناسبات وحلْقات اجتماعية كمهرجان الغزالي بجامعة دمشق سنة / 1961م، ومؤتمر تنظيم الوالديَّة في الرِّباط عاصمة المملكة المغربية سنة / 1971، وفي كليهما اشترك فقهاء العصر على مستوى البلاد العربية والإسلامية، وقرَّروا هذا الموقف، كما قرره أيضًا العلامة المحقق الداعية الإسلامي الشيخ أبو الأعلى المودودي في كتابه القيم عن الدعوة إلى تحديد النسل وموقف الإسلام منها.
هامش
(19) رواه أبو داود (2050) في النكاح، والنسائي (3227) في النكاح، والحاكم2: 162 وقال: صحيح الإسناد، ووافَقه الذَّهبي. والودود: المرأة الموادّة. والولود: التي تَكْثُر وِلادَتها، وهذا البناء من أبنيَة المُبالغة. والمُكَاثرة: هي المُفاخَرة بالكثْرة.
(20) قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 2: 22: أخرجه أبو بكر بن مِرْدَوَيْه في تفسيره من حديث ابن عمر، وإسناده ضعيف، ورواه البيهقي في "المعْرفة" عن الشافعي بلاغًا وزاد في آخر: "حتى السَّقط". |
الفتاوى في هذا الشأن كثيرة جدا ولكنها جميعا تسير في نفس الاتجاه
وأينما بحثنا عن رأي الشرع في تنظيم النسل أو تحديده سنجد بأن انتهاج الدولة سياسة بهذا الاتجاه تشكل خروجا على الشرع نصا واجتهادا
فالنص أوضح وجوب التكاثر والاجتهاد يبين وجوبه باعتبار توفر نية الانجاب والتكاثر واحدا من أركان صحة الزواج