رجع بعد أن مضت عليه سنوات طويلة ..

ما زال يذكر كل شيء .. تركه قبل أن يسافر ..

أخذ يمشي في أزقة الشوارع ..

يمضي في كل اتجاه .. يبحث عن شيء مفقود ..

مرّ شريط حياته أمامه .. منذ الطفولة .. الى أن أصبح

شابا يافعا قويّا ..




تذكر كل شيء مضى ..

تلك الساقية المهجورة .. كم جلس بقربها هو ووالدته العجوز ..

شجرة البلوط الشامخة كم احتضنت أفراحهما وأحزانهما معا ..

قصص قديمة وُلدت من جديد بعد أن هَرِمت وغابت عن ذهنه ..




مضى إليها ..

من المؤكد أنها تنتظرني بشوق ولهفة .. فقد تركتها وقتا طويلا

كم اشتقت إليها الآن ..

ربما تحضرُّ لي الخبز بالسمسم الذي أُحبه ..

لا لا إنها تعلم انني اعشق الفطائر من تحت يديها ..

ماذا عساها تفعل الآن .. كلها كلمات صالت وجالت

في ذهنه المشوش ..




ها هو يقترب من بيته القديم المهتريء ..

أحس بشيء غريب يسري في جسده مجرد أن أصبح بيته

على مرمى من بصره .

أحس بالخوف .. بالعزلة .. أحس بالغربة .. التي نسته إياها

ملذات الدنيا وشهواتها ..

أمي ( همس بينه وبين نفسه ) ....




أسرع في خطواته ..

اقترب من باب منزلهم الذي أكل عليه

الدهر وشرب ..

أحس بشبح الموت يأخذ كلّ ما لديه ..

وها هي ذهبت إلى غير رجعة ..




مضى الليل عليه كئيبا حزينا موجعا ..

اقترب النهار وهو ما يزال قرب قبرها .. يبثُ إليها

أحزانه وآهاته ..

( ليتني لم أتركك يا أماه ) ....



هيا عُد أدراجك أيها المسافر ..

فأمك احتضنها ذلك القبر الصغير ..

وبيتك ما زال مهتريء .. تلك الساقية كما هي ..

وشجرة البلوط كذالك ..




ولكن أنت ........

لقد رحلت مع الزمن ..

فاذهب معه .. فقد رحلت حياتك ..

غادر المقبرة .. وهو ينظر خلفه ..

يتمتم بكلمات غريبة ..

أيها الغريب ستبقى ضائعا ..

في زمن غريب .. ووطن غريب ..

فأنت ( غريب بلا غربة ) ....







تحياتي للجميع ...............

__________________