الصلاة في اللغة
: الدعاء ، قال الله تعالى : ( وصل عليهم ) أي ادع لهم ، وقال - عليه الصلاة والسلام - : " وصلت عليكم الملائكة " أي : دعت لكم ، وقال الأعشى :
وصلى على دنها وارتسم
.
أي دعا .
وفي الشرع : عبارة عن أركان مخصوصة وأذكار معلومة بشرائط محصورة في أوقات مقدرة . وهي فريضة محكمة يكفر جاحدها ولا يسع تركها ، ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة وإجماع الأمة . أما الكتاب فقوله تعالى : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) أي فرضا موقتا . وأما السنة فقوله - صلى الله عليه وسلم - : " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان " ، وعليها إجماع الأمة . وسبب وجوبها الوقت بدليل إضافتها إليه ، وهي دلالة السببية ، كحد الزنا ، وكفارة اليمين ، ويجب في جزء من الوقت مطلق للمكلف تعيينه بالأداء ، إلا أنه إذا لم يصل حتى ضاق الوقت تعين ذلك الجزء للوجوب حتى لو أخرها عنه أثم ; لأنه تعالى أمر بالصلاة في مطلق الوقت فلا يتقيد بجزء معين .
ما يكره للمصلى
( يكره للمصلي أن يعبث بثوبه ) لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله كره لكم العبث في الصلاة " ، ولأنه [ ص: 85 ] يخل بالخشوع ، ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يعبث في صلاته فقال : " أما هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه " .
( أو يفرقع أصابعه ) لما ذكرنا ولنهيه - عليه الصلاة والسلام - عن ذلك .
( أو يتخصر ) لأن فيه ترك الوضع المسنون ، ولنهيه - عليه الصلاة والسلام - عن ذلك وهو وضع اليد على الخاصرة .
( أو يعقص شعره ) وهو أن يجمعه وسط رأسه أو يجعله ضفيرتين فيعقده في مؤخر رأسه كما يفعله النساء ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلي الرجل ورأسه معقوص .
( أو يسدل ثوبه ) لنهيه - عليه الصلاة والسلام - عن السدل وهو أن يجعله على رأسه ، ثم يرسل أطرافه من جوانبه لأنه من صنيع أهل الكتاب .
( أو يقعي ) لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - ، قال : " نهاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - عن ثلاث : عن أن أنقر نقر الديك ، أو أقعي إقعاء الكلب ، أو أفترش افتراش الثعلب " .
والإقعاء : أن يقعد على أليتيه وينصب فخذيه ويضم ركبتيه إلى صدره ويضع يديه على الأرض .
( أو يلتفت ) لأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الالتفات في الصلاة ، وقال : " تلك خلسة يختلسها الشيطان من صلاتكم " .
( أو يتربع بغير عذر ) لأنه يخل بالقعود المسنون ، ولأنها جلسة الجبابرة حتى قالوا : يكره خارج الصلاة أيضا .
[ ص: 86 ] ( أو يقلب الحصى ) لأنه عبث .
( إلا لضرورة ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " يا أبا ذر مرة أو ذر " .
( أو يرد السلام بلسانه ) لأنه من كلام الناس .
( أو بيده ) لأنه في معنى السلام .
( أو يتمطى أو يتثاءب ) لأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التثاؤب في الصلاة ، فإن غلبه كظم ما استطاع ووضع يده على فمه ، بذلك أمر - عليه الصلاة والسلام - .
( أو يغمض عينيه ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عنه .
( أو يعد التسبيح أو الآيات ) وقال أبو يوسف : لا يكره وهو رواية عن محمد ، وعنه مثل مذهب أبي حنيفة . لأبي يوسف أن السنة وردت بقراءة آيات معدودات في الصلاة ولا سبيل إليه إلا بالعد ; وعنه أنه أجاز ذلك في النفل خاصة ، لأنه سومح فيه ما لا يتسامح في الفرض ; ولأبي حنيفة أن عده بيده يخل بالوضع المسنون فأشبه العبث ; وقد قال - عليه الصلاة والسلام - : " كفوا أيديكم في الصلاة " ، وإن عده بقلبه يشغله عن الخشوع فأشبه التفكر في أمور الدنيا . وأما العدد المسنون فيمكنه أن يعده خارج الصلاة ويقرأ فيها ، فلا حاجة إلى العدد في الصلاة .
قال : ( ولا بأس بقتل الحية والعقرب في الصلاة ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " اقتلوهما ولو كنتم في الصلاة " .
قال : ( وإن أكل أو شرب أو تكلم أو قرأ من المصحف فسدت صلاته ) أما الأكل والشرب فلأنه عمل كثير ليس من الصلاة ، وأما الكلام فلقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من [ ص: 87 ] كلام الناس " ، وأما القراءة من المصحف ، فمذهب أبي حنيفة ، وعندهما لا تفسد لأن النظر في المصحف عبادة فلا يفسدها إلا أنه يكره لأنه تشبه بأهل الكتاب . وله إن كان يحمله فهو عمل كثير لأنه حمل وتقليب الأوراق ، وإن كان على الأرض فإنه تعلم وإنه عمل كثير فيفسدها كما لو تعلم من غيره .
قال : ( وكذلك إذا أن أو تأوه أو بكى بصوت ) لأنه من كلام الناس .
( إلا أن يكون من ذكر الجنة أو النار ) لأنه من زيادة الخشوع .
الأذان
وهو في اللغة : مطلق الإعلام ، قال تعالى : ( وأذان من الله ورسوله ) .
وفي الشرع : الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ معلومة مأثورة على صفة مخصوصة ، وهو سنة محكمة .
قال أبو حنيفة في قوم صلوا في المصر بجماعة بغير أذان وإقامة : خالفوا السنة وأثموا ، وقيل هو واجب لقول محمد : لو اجتمع أهل بلد على ترك الأذان لقاتلتهم ، وذلك إنما يكون على الواجب ، والجمع بين القولين أن السنة المؤكدة كالواجب في الإثم بتركها ، وإنما يقاتل على تركه لأنه من خصائص الإسلام وشعائره .
( وصفته معروفة ) وهي : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله . هكذا حكى عبد الله بن زيد بن عبد ربه أذان النازل من السماء ، ووافقه عمر وجماعة من الصحابة ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " علمه بلالا فإنه أندى منك صوتا " وعلمه فكان يؤذن به .
قال : ( ولا ترجيع فيه ) لأن الجماعة الذين رووا أذان النازل من السماء الذي هو أصل الأذان لم يرووا الترجيع ، وأيضا فإنهم قالوا : ثم صبر هنيهة ثم قال مثل ذلك ، وزاد فيه : قد قامت الصلاة مرتين ، ولا ترجيع في الإقامة إجماعا ، وما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - لقن أبا محذورة الأذان وأمره بالترجيع فإنه كان تعليما ، والتعليم غالبا يرجع فيه للحفظ فظنه من الأذان ، والترجيع أن يخفض صوته بالشهادتين أولا ، ثم يرفع بهما صوته .
قال : " والإقامة مثله ، ويزيد فيها بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين ) لما روينا ، ولما [ ص: 58 ] روي عن أبي محذورة أنه قال : " علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان خمس عشرة كلمة ، والإقامة سبع عشرة كلمة " قال أئمة الحديث : أصح ما روي في ذلك حديث أبي محذورة .
قال : ( وهما سنتان للصلوات الخمس والجمعة ) ; لأنه - عليه الصلاة والسلام - واظب عليهما فيها ، ولأن لها أوقاتا معلومة ، وتؤدى في الجماعات فتحتاج إلى الإعلام ولا كذلك غيرها . قال محمد : ومن صلى في بيته بغير أذان ولا إقامة جاز ، وإن فعل فحسن . أما الجواز فروي عن ابن عمر ذلك . وعن ابن مسعود أنه كان يصلي في داره بغير أذان ولا إقامة ويقول : يجزينا أذان المقيمين حولنا وفعله أفضل لأنهما أذكار تتعلق بالصلاة كغيره من الأذكار .
قال : ( ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين ) لما روي : " أن بلالا أتى باب حجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليعلمه بصلاة الفجر وهو راقد ، فقال : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ما أحسن هذا ، اجعله في أذانك " ، وتوارثته الأمة من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا ، ولا تثويب في غير أذان الفجر لقول بلال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا بلال ثوب بالفجر ولا تثوب في غيرها " ، ولأن الفجر وقت نوم وغفلة ولا كذلك غيرها . وعن أبي يوسف : لا بأس بذلك للأمراء ؛ لأن عمر لما ولي الخلافة نصب من يعلمه بأوقات الصلوات; قيل وكذلك القاضي والمفتي وكل من يشتغل بأمور المسلمين ; وقيل في زماننا يثوب في الصلوات كلها لظهور التواني في الأمور الدينية ، والتثويب : زيادة الإعلام بين الأذان والإقامة بما يتعارفه أهل كل بلدة .
قال : ( ويرتل الأذان ويحدر الإقامة ) بذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا .
( ويستقبل بهما القبلة ) لحديث النازل من السماء فإنه استقبل بهما القبلة .
[ ص: 59 ] ( ويجعل أصبعيه في أذنيه ) بذلك أمر رسول الله بلالا وقال : " إنه أندى لصوتك " .
( ويحول وجهه يمينا وشمالا بالصلاة والفلاح ) وقدماه مكانهما هكذا نقل من فعل بلال ، ولأنه خطاب للناس فيواجههم به ، وما عدا ذلك تكبير وتهليل .
قال : ( ويجلس بين الأذان والإقامة إلا في المغرب ) وقالا يجلس في المغرب جلسة خفيفة ؛ لأن الفصل بينهما سنة في سائر الصلوات ، إلا أنه يكتفي في المغرب بالجلسة الخفيفة تحرزا عن التأخير . ولأبي حنيفة أن المستحب المبادرة وفي الجلسة التأخير ، والفصل يحصل بالسكوت بينهما مقدار ثلاث آيات ، وهو روايةالحسن عنه ، وكذلك يحصل باختلاف الموقف والنغمة . ( ويكره التلحين في الأذان ) لأنه بدعة .
( وإذا قال حي على الصلاة قام الإمام والجماعة ) إجابة للدعاء .
( وإذا قال قد قامت الصلاة كبروا ) تصديقا له ، إذ هو أمين الشرع . وعن أبي يوسف : لا يكبروا حتى يفرغ ليدرك المؤذن تكبيرة الإحرام .
( وإذا كان الإمام غائبا أو هو المؤذن لا يقومون حتى يحضر ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا تقوموا حتى تروني قمت مقامي " ولأنه لا فائدة في القيام .
( ويؤذن للفائتة ويقيم ) هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فاتته صلاة الصبح ليلة التعريس .
قال : ( ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها ) لأنه شرع للإعلام بالوقت وفي ذلك تضليل ، وإن [ ص: 60 ] أذن أعاد . وقال أبو يوسف : لا يعيد في الفجر خاصة ; لأن بلالا كان يؤذن بليل . ولنا قوله - عليه الصلاة والسلام - لبلال : " لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده عرضا " ، وأذان بلال لم يكن للصلاة ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إن بلالا يؤذن بليل ليركع قائمكم ، ويوقظ نائمكم ، ويتسحر صائمكم " ، والكلام في الأذان للصلاة .
قال : ( ولا يتكلم في الأذان والإقامة ) ولا يرد السلام لأنه يخل بالتعظيم ويغير النظم .
( ويؤذن ويقيم على طهارة ) لأنه ذكر ، فتستحب فيه الطهارة كالقرآن ، فإذا أذن على غير وضوء جاز لحصول المقصود ويكره ، وقيل لا يكره ، وقيل لا تكره الإقامة أيضا; والصحيح أنها تكره لئلا يفصل بين الإقامة والصلاة ، وإن أذن وأقام على غير وضوء لا يعيد ، ويستحب إعادة أذان الجنب والصبي الذي لا يعقل والمجنون والسكران والمرأة ليقع على الوجه المسنون ، ولا تعاد الإقامة لأن تكرارها غير مشروع ، ويكره الأذان قاعدا لأنه خلاف المتوارث ، وكره أبو حنيفة أن يكون المؤذن فاجرا ، أو يأخذ على الأذان أجرا ، ويستحب أن يكون المؤذن صالحا تقيا عالما بالسنة وأوقات الصلوات ، مواظبا على ذلك ، والله أعلم .
الأفعال في الصلاة
قال : ( وينبغي للمصلي أن يخشع في صلاته ) لقوله تعالى : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى كان لجوفه أزيز كأزيز المرجل .
( ويكون نظره إلى موضع سجوده ) لما روي : " أنه - عليه الصلاة والسلام - كان لا يجاوز بصره في صلاته موضع سجوده تخشعا لله تعالى " ، وهو أقرب إلى التعظيم من إرسال الطرف يمينا وشمالا .
قال : ( ومن أراد الدخول في الصلاة كبر ) لقوله تعالى : ( وذكر اسم ربه فصلى ) وقال - عليه الصلاة والسلام - : " لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه " ، ويستقبل القبلة ويقول : الله أكبر ، وإن افتتح بلفظ آخر يشتمل على الثناء والتعظيم كالتهليل والتسبيح أو باسم آخر كقوله الرحمن أكبر أجزأه .
وقال أبو يوسف : لا يجوز إلا بلفظ التكبير وهو قوله : الله أكبر ، الله الأكبر ، الله الكبير ، الله كبير ، إلا أن لا يحسنه ; لأن المتوارث الله أكبر ، وأفعل وفعيل سواء في صفاته تعالى . ولهما قوله تعالى : ( وذكر اسم ربه فصلى ) نزلت في تكبيرة الافتتاح فقد اعتبر مطلق الذكر ، وتقييد الكتاب بخبر الواحد لا يجوز . ولو افتتح بقوله الله أو الرحمن جاز عند أبي حنيفة لوجود الذكر .
وقال محمد : لا يجوز إلا أن يضم إليه الصفة كقوله أجل أو أعظم ، ولو قال : اللهم ، الأصح أنه يجوز ومعناه : يا الله ، والميم المشددة خلف عن النداء ، ولو قال اللهم اغفر لي لا يجوز لأنه ليس بتعظيم خالص ، ولو افتتح الأخرس والأمي بالنية جاز ، والأفضل أن يكبر المأموم مقارنا [ ص: 66 ] لتكبير الإمام وعندهما بعده ، وفي السلام بعده بالاتفاق ، والفرق لأبي حنيفة أن التكبير شروع في العبادة ، فالمسارعة إليه أفضل ، والسلام خروج منها ، فالإبطاء أفضل ، ويحذف التكبير وهو السنة ، ولأن المد في أوله كفر لكونه استفهاما ، وفي آخره لحن من حيث العربية .
قال : ( ويرفع يديه ليحاذي إبهاماه شحمتي أذنيه ) لقوله - صلى الله عليه وسلم - لوائل بن حجر : " إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك حذاء أذنيك " ، وهو أن يرفعهما منصوبتين حتى تكون الأصابع مع الكف نحو القبلة ولا يفرج بين الأصابع ، وهكذا تكبيرة القنوت وصلاة العيدين .
( ولا يرفعهما في تكبيرة سواها ) لقوله عنه : " لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن " ، وذكر هذه الثلاثة ، وأربعا في الحج نذكرها إن شاء الله تعالى .
قال : ( ثم يعتمد بيمينه على رسغ يساره تحت سرته ) لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاث من أخلاق الأنبياء : تعجيل الإفطار ، وتأخير السحور ، ووضع اليمين على الشمال تحت السرة " والمرأة تضع يدها على صدرها لأنه أستر لها ويقبض بكفه اليمنى رسغ اليسرى كلما فرغ من التكبير فهو أبلغ في التعظيم ، وهكذا في تكبيرة القنوت والجنازة لأنه قيام ممتد كالقراءة . وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله الإرسال فيهما ، وهو قول محمد وهو اختيار مشايخنا رحمهم الله ، لأنها قومة لا قراءة فيها كما بين الركوع والسجود ، وبين تكبيرات العيدين يرسلهما لأن الوضع لا يفيد لتتابع التكبيرات .
قال : ( ويقول : سبحانك اللهم إلى آخره ) وزاد محمد وجل ثناؤك ولا يزيد عليه . وقال أبو [ ص: 67 ] يوسف : يجمع بينه وبين قوله - وجهت وجهي - إلى آخره ; لأن الأخبار وردت بهما فيجمع بينهما . ولهما ما روى ابن مسعود وأنس - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنه كان إذا كبر لافتتاح الصلاة قرأ سبحانك اللهم " إلى آخره ، وهكذا روي عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - . وما روي من حديث التوجه كان في ابتداء الإسلام ، فلما شرع التسبيح نسخ كما روي أنه كان يقول في الركوع : " ركع لك ظهري " ، وفي السجود : " سجد لك وجهي " ، فلما نزل : " فسبح باسم ربك العظيم " جعلوه في الركوع ونزل : ( سبح اسم ربك الأعلى ) فجعلوه في السجود ونسخ ما كانوا يقولونه قبله ، فكذلك فيما نحن فيه توفيقا بين الحديثين .
قال : ( ويتعوذ ) إن كان إماما أو منفردا لقوله تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) أي إذا أردت قراءة القرآن ، وإن كان مأموما لا يتعوذ . وقال أبو يوسف يتعوذ ; لأن التعوذ تبع للثناء وهو للصلاة عنده فإن التعوذ ورد به النص صيانة للعبادة عن الخلل الواقع فيها بسبب وسوسة الشيطان ، والصلاة تشتمل على القراءة والأذكار والأفعال فكانت أولى . وعندهما الافتتاح القراءة بالنص ولا قراءة على المأموم ، وعلى هذا إذا قام المسبوق للقضاء يتعوذ عندهما لحاجته إلى القراءة ، ويخفي التعوذ لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : " خمس يخفيهن الإمام : التعوذ ، والتسمية ، والتأمين ، وربنا لك الحمد ، والتشهد " .
قال ( ويقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرؤها .
قال : ( ويخفيها ) لحديث أنس قال : " صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين " ، وفي رواية : " كانوا يخفون بسم الله الرحمن [ ص: 68 ] الرحيم " . وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه : " أنه سمع ابنه يجهر بها فقال : يا بني إياك والحدث في الإسلام ، صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلف أبي بكر وعمر وكانوا لا يجهرون بالتسمية ، فإذا أردت القراءة فقل : الحمد لله رب العالمين " .
قال : ( ثم إن كان إماما جهر بالقراءة في الفجر والأوليين من المغرب والعشاء وفي الجمعة والعيدين ) هذا هو المأثور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والمتوارث من لدن الصدر الأول إلى يومنا هذا . ويخفي في الظهر والعصر لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " صلاة النهار عجماء " ، ولأنه المأثور المتوارث .
( وإن كان منفردا إن شاء جهر ) لأنه إمام نفسه .
( وإن شاء خافت ) لأنه ليس عليه أن يسمع غيره ، والجهر أفضل لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من صلى وحده على هيئة الجماعة صلى خلفه صفوف من الملائكة " .
قال : ( وإن كان مأموما لا يقرأ ) لقوله تعالى : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) قال ابن عباس وأبو هريرة - رضي الله عنهما - وجماعة من المفسرين : نزلت في الصلاة خاصة حين كانوا يقرءون خلفه - عليه الصلاة والسلام - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا قرأ فأنصتوا " ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " من كان مأموما [ ص: 69 ] فقراءة الإمام له قراءة " . وروى الشعبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا قراءة خلف الإمام " .
( وإذا قال الإمام : ولا الضالين ، قال : آمين ، ويقولها المأموم ويخفيها ) قال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قال الإمام ولا الضالين - فقولوا آمين ، فإن الإمام يقولها " . وروى وائل بن حجر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الإخفاء ، ولما روينا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
قال : ( فإذا أراد الركوع كبر ) لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر عند كل خفض ورفع .
قال : ( وركع ) لقوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي حين علمه الصلاة : " ثم اقرأ ما تيسر من القرآن ثم اركع " ، والركوع يتحقق بما ينطلق عليه الاسم ; لأنه عبارة عن الانحناء ، وقيل إن كان إلى حال القيام أقرب لا يجوز ، وإن كان إلى حال الركوع أقرب جاز .
قال : ( ووضع يديه على ركبتيه ، ويفرج أصابعه ) لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأنس رضي الله عنه : " إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك وفرق بين أصابعك " ، ولأنه أمكن في أخذ الركبة .
[ ص: 70 ] ( ويبسط ظهره ) لأنه - صلى الله عليه وسلم - : " كان إذا ركع لو وضع على ظهره قدح ماء لاستقر " . ولنهيه عن تدبيح كتدبيح الحمار " .
( ولا يرفع رأسه ولا ينكسه ) كما فعل - صلى الله عليه وسلم - .
( ويقول : سبحان ربي العظيم ثلاثا ) لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا ركع أحدكم وقال في ركوعه : سبحان ربي العظيم ثلاثا فقد تم ركوعه " ، وذلك أدناه ، وإن زاد فهو أفضل إلا أنه يكره للإمام التطويل لما فيه من تنفير الجماعة .
( ثم يرفع رأسه ويقول : سمع الله لمن حمده ، ويقول المؤتم : ربنا لك الحمد ) أو اللهم ربنا لك الحمد ، وبهما ورد الأثر ، ولا يجمع الإمام بينهما ، وقالا يجمع ، وهو رواية الحسن عنه لئلا يكون تاركا ما خص عليه غيره ، وليس لنا ذكر يختص به المأموم . ولأبي حنيفة قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده ، قولوا : ربنا لك الحمد " ، قسم الذكرين بينهما فينافي الشركة ، ولأن الإمام لو أتى بالتحميد يتأخر عن قول المأموم فيصير الإمام تبعا ولا يجوز ، والمنفرد يجمع بينهما في رواية الحسن ، وفي رواية : يأتي بالتسميع لا غير ، وفي رواية أبي يوسف : بالتحميد لا غير ، وعليه أكثر المشايخ .
( ثم يكبر ) كما تقدم .
[ ص: 71 ] ( ويسجد على أنفه وجبهته ) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - واظب على ذلك ، فإن اقتصر على الأنف جاز وقد أساء . وقالا : لا يجوز إلا من عذر ، وإن اقتصر على الجبهة جاز بالإجماع ولا إساءة . والأصل فيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : الوجه ، والكفين ، والركبتين ، والقدمين " ، ولهما قوله - صلى الله عليه وسلم - : " مكن جبهتك وأنفك من الأرض " ، وله أن الأنف محل السجود ، بدليل جواز السجود عليه عند العذر ، ولو لم يكن محلا لما جاز كالخد والذقن ، فإذا سجد على الأنف يكون ساجدا ، فيخرج عن عهدة السجود في قوله تعالى : ( واسجدوا ) ولأن الجبهة والأنف عظم واحد ، ثم السجود على أحد طرفيه يجوز فكذا الآخر .
قال ( ويضع ركبتيه قبل يديه ويضع يديه حذاء أذنيه ) هكذا نقل فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
( ويبدي ضبعيه ، ويجافي بطنه عن فخذيه ) لما روي : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجافي في سجوده حتى إن بهمة لو أرادت أن تمر لمرت " .
( ولا يفترش ذراعيه ) لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن افتراش الثعلب .
( ويقول : سبحان ربي الأعلى ثلاثا ) لأنه لما نزل قوله تعالى : ( سبح اسم ربك الأعلى ) قال - صلى الله عليه وسلم - : " اجعلوه في سجودكم " .
( ولو سجد على كور عمامته أو فاضل ثوبه جاز ) قال ابن عباس : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجد [ ص: 72 ] على كور عمامته . وقال أيضا : إنه - عليه الصلاة والسلام - صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها ، ولو سجد على السرير والعرزال ، جاز ولو سجد على الحشيش والقطن إن وجد حجمه بجبهته كالطنفسة واللبد والحصير جاز .
( ثم يكبر ) لما بينا .
( ويرفع رأسه ويجلس ) والواجب من الرفع ما يتناوله الاسم ; لأن الواجب الفصل بين السجدتين وأنه يتحقق بما ذكرنا ، وقيل إن كان أقرب إلى القعود جاز وإلا فلا .
( فإذا جلس كبر وسجد ) لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم اجلس حتى تستوي جالسا " .
( ثم يكبر وينهض قائما ) لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينهض على صدور قدميه " .
قال : ( ويفعل في الركعة الثانية ) لقوله - صلى الله عليه وسلم - لرفاعة : " ثم افعل ذلك في كل ركعة " .
قال : ( إلا الاستفتاح ) لأن محله ابتداء الصلاة .
( والتعوذ ) لأنه لابتداء القراءة ولم يشرعا إلا مرة واحدة ، ثم تعديل الأركان ليس بفرض . وقال أبو يوسف فرض ، وهو الطمأنينة في الركوع والسجود ، وإتمام القيام من الركوع ، والقعدة بين السجدتين .
له قوله - صلى الله عليه وسلم - لأعرابي حين أخف صلاته : " أعد صلاتك فإنك لم تصل " ، ولهما أنه أتى بما يطلق عليه اسم الركوع والسجود وهو انحناء الظهر ووضع الجبهة فدخل تحت قوله : ( اركعوا واسجدوا ) . [ ص: 73 ] والطمأنينة دوام عليه ، والأمر بالفعل لا يقتضي الدوام عليه ، ولا تجوز الزيادة على الكتاب بخبر الواحد ، وما رواه يقتضي الوجوب ، وهي واجبة عندنا حتى يجب سجود السهو بتركها ساهيا; وقيل هي سنة .
قال : ( فإذا رفع رأسه في الركعة الثانية من السجدة الثانية افترش رجله اليسرى فجلس عليها ونصب اليمنى ، ووجه أصابعه نحو القبلة ، ووضع يديه على فخذيه ، وبسط أصابعه وتشهد ) هكذا حكى وائل بن حجر وعائشة قعود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التشهد .
( والتشهد : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) ، وهو تشهد عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، لما روي : " أن حمادا أخذ بيد أبي حنيفة وعلمه التشهد ، وقال : أخذ إبراهيم النخعي بيدي وعلمني ، وأخذ علقمة بيد إبراهيم وعلمه ، وأخذ عبد الله بن مسعود بيد علقمة وعلمه ، وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيد عبد الله وعلمه التشهد ، فقال : قل التحيات لله " ، إلى آخر ما ذكرنا ، والأخذ به أولى من رواية غيره ; لأن أخذه بيده وأمره يدل على زيادة التأكيد . واتفق أئمة الحديث أنه لم ينقل في التشهد أحسن من إسناد عبد الله بن مسعود ; ولأن فيه زيادة واو العطف ، وأنه يوجب تعدد الثناء لأن المعطوف غير المعطوف عليه . وتشهد ابن عباس - رضي الله عنهما - ثناء واحد بعضه صفة لبعض ، وهذه القعدة سنة عند الطحاوي والكرخي ، وقيل هي واجبة حتى يجب بتركها ساهيا سجود السهو ، وقراءة التشهد فيها سنة; وقيل واجب وهو الأصح ; لأن محمدا أوجب سجود السهو بتركه ، ولا يجب الواجب إلا بترك الواجب .
[ ص: 74 ] قال : ( ولا يزيد على التشهد في القعدة الأولى ) لما روت عائشة - رضي الله عنها - : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يزيد على التشهد في الركعتين " .
( ثم : ينهض مكبرا ) لأنه أتم الشفع الأول وبقي عليه الشفع الثاني فينتقل إليه .
( ويقرأ فيهما فاتحة الكتاب ) وهي سنة به ورد الأثر ، وإن شاء سبح لأنها ليست بواجبة . وروى الحسن عن أبي حنيفة أن القراءة في الأخريين واجبة ، ولو تركها ساهيا يلزمه سجود السهو . وفي ظاهر الراوية لو سكت فيهما عامدا كان مسيئا ، وإن كان ساهيا لا سهو عليه .
( ويجلس في آخر الصلاة ) كما بينا في الأول لما روينا .
( ويتشهد ) كما قلنا .
( ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ) وهو سنة لقوله - صلى الله عليه وسلم - لابن مسعود حين علمه التشهد : " إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك " ، علق التمام بأحد الأمرين فيتم عند وجود أحدهما ، فدل على أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست بفرض ، وهي واجبة عندنا خارج الصلاة عملا بالأمر الوارد بها في القرآن فلا يلزمنا العمل به في الصلاة .
قال : ( ويدعو بما شاء مما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة ) لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ثم اختر من الدعاء أطيبه " والقعدة الأخيرة فرض والتشهد فيها واجب لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الأعرابي : " إذا رفعت رأسك من آخر سجدة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك " علق التمام بالقعدة دون التشهد ، ومقدار الفرض في القعود مقدار التشهد .
قال : ( ثم يسلم عن يمينه فيقول : السلام عليكم ورحمة الله ، وعن يساره كذلك ) لرواية ابن [ ص: 75 ] مسعود أنه - صلى الله عليه وسلم - : " كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن ، وعن شماله حتى يرى بياض خده الأيسر " وينوي بالأولى من عن يمينه من الملائكة والناس ، وبالأخرى كذلك لأنه خطاب الحاضرين ، وينوي الإمام في الجهة التي هو فيها ، وإن كان حذاءه ينويه فيهما ، وقيل في اليمين ، والمنفرد ينوي الحفظة لا غير . والخروج بلفظ السلام ليس بفرض لما روينا من حديث ابن مسعود وأنه ينافي الفرضية . وأما قوله - عليه الصلاة والسلام - : " تحليلها التسليم " يدل على الوجوب أو السنة ، ونحن نقول به .
الاوقات التى تكره فيها الصلاة
( لا تجوز الصلاة ، وسجدة التلاوة ، وصلاة الجنازة عند طلوع الشمس وزوالها وغروبها ) لحديث عقبة بن عامر الجهني قال : " ثلاثة أوقات نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا : عند طلوع الشمس حتى ترتفع ، وعند زوالها حتى تزول ، وحين تضيف للغروب حتى تغرب " ، والمراد بقوله أن نقبر : صلاة الجنازة . وعن عمرو بن عنبسة قال : " قلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل من الساعات ساعات أفضل من الأخرى ؟ قال : " جوف الليل الأخير أفضل فإنها متقبلة حتى يطلع الفجر ، ثم انته حتى تطلع الشمس ، وما دامت كالحجفة فأمسك حتى تشرق ، فإنها تطلع بين قرني الشيطان ويسجد لها الكفار ، ثم صل فإنها مشهودة متقبلة حتى يقوم العمود على ظله ثم انته فإنها ساعة يسجر فيها الجحيم ثم صل إذا زالت إلى العصر ثم انته فإنها تنبعث بين قرني شيطان ويسجد لها الكفار " .
قال : ( إلا عصر يومه عند الغروب ) لأن السبب هو الجزء القائم من الوقت كما بينا فقد أداها كما وجبت . قال - عليه الصلاة والسلام - : " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها " .
وقال : ( ولا يتنفل بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، ولا بعد العصر حتى تغرب ) لحديث أبي [ ص: 56 ] سعيد الخدري ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة في هذين الوقتين : ويجوز أن يصلي في هذين الوقتين الفوائت ويسجد للتلاوة ولا يصلي ركعتي الطواف ؛ لأن النهي لمعنى في غيره ، وهو شغل جميع الوقت بالفرض ، إذ ثواب الفرض أعظم ، فلا يظهر النهي في حق فرض مثله ، وظهر في ركعتي الطواف لأنه دونه ، قال : ( ولا بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتي الفجر ، ولا قبل المغرب ، ولا قبل صلاة العيد ) لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك مع حرصه على الصلاة ، وفي الثاني تأخير المغرب وهو مكروه .
( ولا إذا خرج الإمام يوم الجمعة ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام " .
قال : ( ولا يجمع بين صلاتين في وقت واحد في حضر ولا سفر ) لقوله تعالى : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) أي مؤقتا ، وفي الجمع تغيير الوقت ، ويجوز الجمع فعلا لا وقتا ، وهو تأويل ما روي : " أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بين صلاتين " ، وتفسيره أنه يؤخر الظهر إلى آخر وقتها ، ويقدم العصر في أول وقتها .
قال : ( إلا بعرفة ) بين الظهر والعصر .
( والمزدلفة ) بين المغرب والعشاء ، وسيأتيك في المناسك إن شاء الله تعالى .
قضاء الفوائت
( ويقضي الفائتة إذا ذكرها كما فاتت سفرا أو حضرا لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ، فإن ذلك وقتها لا وقت لها غيره " ، وقوله : كما فاتت لأن القضاء يحكي الأداء .
قال : ( يقدمها على الوقتية إلا أن يخاف فوتها ، ويرتب الفوائت في القضاء ) والأصل أن الترتيب شرط بين الفائتة والوقتية وبين الفوائت ، لما روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من نسي [ ص: 89 ] صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الأمام ثم ليصل التي نسي ، ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام " ، فلو لم يكن الترتيب شرطا لما أمره بالإعادة ، وما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - فاتته أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن على الترتيب وقال : " صلوا كما رأيتموني أصلي " .
قال : ( ويسقط الترتيب بالنسيان ، وخوف فوت الوقتية ، وأن تزيد على خمس ) أما النسيان فلقوله - عليه الصلاة والسلام - : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " الحديث ، وما تقدم من الحديث ، ووجهه أن وقت الفائتة وقت التذكر ، فإذا لم يذكرها فهما صلاتان لم يجمعها وقت واحد فلا يجب الترتيب ، وأما خوف فوت الوقتية فلأن الحكمة لا تقتضي إضاعة الموجود في طلب المفقود ، ولأن وجود الوقتية ثبت بالكتاب والترتيب ثبت بخبر الواحد ، فإن اتسع الوقت عمل بها وإن ضاق فالعمل بالكتاب أولى; وأما كثرة الفوائت فحده دخول وقت السابعة ؛ لأن الكثرة بالتكرار ، والتكرار بوجوب السادسة ، ووجوبها بآخر الوقت ، وإنما يتحقق التكرار بدخول وقت السابعة . وهذا معنى قولنا أن تزيد على خمس ، لأنه متى زادت الفوائت على خمس تكون ستا ، ومتى صارت ستا دخل وقت السابعة .
وقال محمد : إذا دخل وقت السادسة سقط الترتيب ؛ لأن الجنس كثير ، وجنس الصلاة خمس ، وهذا في الفوائت الحديثة ، أما القديمة فالصحيح أنها لا تضم إليها لما فيه من الحرج ، وقيل تضم عقوبة له .
( وإذا سقط الترتيب ) بالكثرة هل يعود إذا قلت ؟ المختار أنه : ( لا يعود ) لأنه لما سقط باعتبارها فلأن يسقط في نفسها أولى . وصورته لو فاتته صلاة شهر فقضى ثلاثين فجرا ثم ثلاثين ظهرا وهكذا صح الجميع ، ولا يعود الترتيب لأن الساقط لا يحتمل العود ، وكذا لو قضى جميع الشهر إلا صلاة يوم ثم صلى الوقتية وهو ذاكر لها جاز لما بينا ، ولا تعد الوتر في الفوائت لأنها [ ص: 90 ] ليست من الفرائض ، ولأنها لو عددناها كملت الست ، ولا يدخل في حد التكرار وهو المأخوذ في الكثرة .
( ويقضي الصلوات الخمس ) لما روينا .
( والوتر ) لما بينا من وجوبها ، وقال - عليه الصلاة والسلام - : " من نام عن وتر أو نسيه فليصله إذا ذكره أو إذا استيقظ " ، وفي رواية : " من نام عن وتر فليصل إذا أصبح " ، فكل ذلك يدل على الوجوب .
( وسنة الفجر إذا فاتت معها ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - قضاها معها ليلة التعريس . وعن محمد أنه يقضيها وإن فاتت وحدها ، لأنه - عليه الصلاة والسلام - قضاها دون غيرها من السنن فدل على اختصاصها بذلك .
( والأربع قبل الظهر يقضيها بعدها ) قالت عائشة : كان رسول الله - عليه الصلاة والسلام - إذا فاتته الأربع قبل الظهر قضاها بعد الظهر ، ولأن الوقت وقت الظهر وهي سنة الظهر ، ثم عند أبي يوسف يقضيها قبل الركعتين لأنها شرعت قبلها ، وعند محمد بعدها لأنها فاتت عن محلها ، فلا يفوت الثانية عن محلها أيضا ، وهذا بخلاف سنة العصر ، لأنها ليست مثلها في التأكيد ، ولنهيه - عليه الصلاة والسلام - عن الصلاة بعد العصر .