عندما يأتي المساء ( نزف قلم : محمد سنجر ) عندما يأتي المساء ، تتوارى ألوان الطيف بعيدا خلف جبال الصمت ، تقترب السحب القاتمة متربصة ، تطبق على صدري ، أشتم رائحة المطر ، قشعريرة تسري ببدني المنهك ، أجلس مثخن بالجراح ، أحاول فض هذه الأقفال الصدئة ، تتفتح الأبواب العتيقة الموصدة ، صرير مفاصلها يخدش الصمت ، أمد يدي بحذر شديد ، أخرج قلبي المنكمش خلف قضبان قفصه الصدري ، أقوم بمحاولات مضنية لبث الدفء بين جوارحه ، أثبت بجوانبه أجنحة الذكرى ، أسجيه بكفي ، أنزل بهما لأسفل ثم أرتد عاليا فأطلقه ، عيناي ترحل بصحبته ، ها هو يرفرف عكس اتجاه الريح ، تتوالى زخات الأمطار لإثنائه ، تبلل زغبه الرقيق ، تغرقه ، ينتفض محاولا الخلاص ، بداخله يصرخ الحنين ، لا تراجع و لا استسلام ، يواصل مجتازا ما يقابله من عقبات ، و أراه يقطع الحقول و البحار ، على إحدى أغصان شجرة التوت العالية هناك ، يهبط قريبا من غرفتك ، يتطلع إلى نافذتك الخشبية المغلقة ، ينتقل إلى عتبتها التي نحت الزمن عليها تضاريسه ، يلتصق بها ، يلامسها برقة ، يهم بنقرها ، يتراجع مخافة إزعاجها ، ربما ما زالت نائمة ، تنعم بالدفء ، يراجعه الشوق ، لم أعهدها تنام أول الليل ، لم يطاوعها قلبها يوما ، دائما ما كانت تبقى مستيقظة إلى أن أعود ، يتدافع الأمل بداخله ، يغرد ، ينقر فوق نافذتها نقرة ، ينتظر إشراق شعاع ضيائها من بين الألواح ، لعل الدفء يسري بشرايينه ، ينتظر إحساس قلبها بانتظاره ، يحمل زهرة وردية تلون أحلامه ، يغرد ثانية ، ما هي إلا ثوان و سينعم بالاسترخاء بين راحتيها ، تصطحبه لدفء غرفتها الوردية ، تغرقه بلمسة من حنان أناملها ، تدثره بأغطيتها الصوفية ، تسجيه أمام مدفأتها ، تسقيه قهوتها العربية ، تتطاير السعادة بعينيه برؤية اللهفة بعينيها ، تحكي له الحكايات كما كان صغيرا ، و لكن ، تنتزعه البرودة من بين دفء أحلامه ، يغرد مرة أخرى ، ربما تكون الأخيرة ، و لا فائدة ، تمر الأيام تلو الأيام ، تتحول شهورا خلسة ، و يبقى هناك مغردا ، تبدأ السنوات في نسج خيوطها الحريرية حوله ، لا يتحرك ، تكتسي الأشجار بالأوراق ، يتبدل الزغب ريشا ، و لا يزال واقفا يغرد ، تصفر الأوراق ، يلون الشيب سواد ريشه ، و يبقى دون حراك ، تحشرجت تغاريد الأمل رويدا ، تتساقط الأوراق تلو الأوراق من حوله ، تفور بصدره صرخات الحنين و الاشتياق ، لا يستطيع لها منعا ، يلملم ما بقى من قوة ، يصرخ ) ـ أمــــــــــــــــــــي ، ماذا حدث لقلبك الحاني ؟ أما عادت دقاته تخبرك بانتظاري ؟ أم توقفت نبضاته كما يزعمون ؟ |