عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-17-2010, 11:57 AM
 
عندما يأتي المساء ( نزف قلم : محمد سنجر )



عندما يأتي المساء ،

تتوارى ألوان الطيف بعيدا خلف جبال الصمت ،

تقترب السحب القاتمة متربصة ،

تطبق على صدري ،

أشتم رائحة المطر ،

قشعريرة تسري ببدني المنهك ،

أجلس مثخن بالجراح ،

أحاول فض هذه الأقفال الصدئة ،

تتفتح الأبواب العتيقة الموصدة ،

صرير مفاصلها يخدش الصمت ،

أمد يدي بحذر شديد ،

أخرج قلبي المنكمش خلف قضبان قفصه الصدري ،

أقوم بمحاولات مضنية لبث الدفء بين جوارحه ،

أثبت بجوانبه أجنحة الذكرى ،

أسجيه بكفي ،

أنزل بهما لأسفل ثم أرتد عاليا فأطلقه ،

عيناي ترحل بصحبته ،

ها هو يرفرف عكس اتجاه الريح ،

تتوالى زخات الأمطار لإثنائه ،

تبلل زغبه الرقيق ،

تغرقه ،

ينتفض محاولا الخلاص ،

بداخله يصرخ الحنين ،

لا تراجع و لا استسلام ،

يواصل مجتازا ما يقابله من عقبات ،

و أراه يقطع الحقول و البحار ،

على إحدى أغصان شجرة التوت العالية هناك ،

يهبط قريبا من غرفتك ،

يتطلع إلى نافذتك الخشبية المغلقة ،

ينتقل إلى عتبتها التي نحت الزمن عليها تضاريسه ،

يلتصق بها ، يلامسها برقة ،

يهم بنقرها ،

يتراجع مخافة إزعاجها ،

ربما ما زالت نائمة ، تنعم بالدفء ،

يراجعه الشوق ،

لم أعهدها تنام أول الليل ،

لم يطاوعها قلبها يوما ،

دائما ما كانت تبقى مستيقظة إلى أن أعود ،

يتدافع الأمل بداخله ،

يغرد ،

ينقر فوق نافذتها نقرة ،

ينتظر إشراق شعاع ضيائها من بين الألواح ،

لعل الدفء يسري بشرايينه ،

ينتظر إحساس قلبها بانتظاره ،

يحمل زهرة وردية تلون أحلامه ،

يغرد ثانية ،

ما هي إلا ثوان و سينعم بالاسترخاء بين راحتيها ،

تصطحبه لدفء غرفتها الوردية ،

تغرقه بلمسة من حنان أناملها ،

تدثره بأغطيتها الصوفية ،

تسجيه أمام مدفأتها ،

تسقيه قهوتها العربية ،

تتطاير السعادة بعينيه برؤية اللهفة بعينيها ،

تحكي له الحكايات كما كان صغيرا ،

و لكن ،

تنتزعه البرودة من بين دفء أحلامه ،

يغرد مرة أخرى ،

ربما تكون الأخيرة ،

و لا فائدة ،

تمر الأيام تلو الأيام ،

تتحول شهورا خلسة ،

و يبقى هناك مغردا ،

تبدأ السنوات في نسج خيوطها الحريرية حوله ،

لا يتحرك ،

تكتسي الأشجار بالأوراق ،

يتبدل الزغب ريشا ،

و لا يزال واقفا يغرد ،

تصفر الأوراق ،

يلون الشيب سواد ريشه ،

و يبقى دون حراك ،

تحشرجت تغاريد الأمل رويدا ،

تتساقط الأوراق تلو الأوراق من حوله ،

تفور بصدره صرخات الحنين و الاشتياق ،

لا يستطيع لها منعا ،

يلملم ما بقى من قوة ،

يصرخ )

ـ أمــــــــــــــــــــي ،

ماذا حدث لقلبك الحاني ؟

أما عادت دقاته تخبرك بانتظاري ؟

أم توقفت نبضاته كما يزعمون ؟