معاناة تتعدَّد صورها
على بوابة الموت (رفح).. أملٌ يحدو المسافرين [ 01/03/2010 - 02:09 م ] معاناة تعوَّد على تذوُّق مرارتها سكان قطاع غزة كل شهرين أو ثلاثة؛ يقضون الشهور ويعُدُّون الأيام ويحسبونها في انتظار فتح شريان الحياة الوحيد الذي يربطهم بمجالات الحياة غير المتاحة في القطاع المحاصر، من مرضى تعذَّر علاجهم إلى طلبةٍ تقطَّعت السبل بينهم وبين جامعاتهم، وحتى من فكَّر يومًا في زيارة أهله في قطاع غزة لم يشفع له حَمْلُه إقامة في الدول المحيطة عند الجانب المصري ليسمح له بالسفر، ليعود من حيث أتى. عدة صور من المعاناة جميعها تعبِّر عن نزف واحد هو: ظلم ذوي القربى!، في أول أيام فتح المعبر من العام الجديد تتجدَّد المعاناة، وخاصة لدى فئة المرضى الذين سارعوا لحجز مقاعد لهم عسى أن يحالفهم الحظ هذه المرة. عدد المسافرين محدود
يقول مدير معبر رفح سلامة بركة: "إن الجانب المصري اشترط أن تتم مغادرة 840 مسافرًا فقط كل يوم من أيام فتح المعبر من قطاع غزة إلى مصر"، مشيرًا إلى أن إدارة المعبر في الجانب الفلسطيني بذلت جهودًا كبيرة مع المصريين لزيادة هذا العدد، ولكن دون نتيجة!. وأضاف بركة أن "عدد المُسجَّلين للسفر من قطاع غزة بلغ سبعة آلاف مسافر، وكنا نتمنَّى زيادة العدد المسموح لهم بالسفر من 1500 إلى 2000 مسافر؛ حتى يتمكَّن أكبر عدد ممكن من المسجلين من السفر". وأكد أن هيئة المعابر والحدود تبذل قصارى جهدها لتسهيل سفر المواطنين، خاصة أن المعبر مغلق أمام سفر المواطنين منذ شهرين عقب مقتل جندي مصري في اشتباكات مع متظاهرين فلسطينيين على الحدود المصرية الفلسطينية. على بوابة الموت.. ننتظر الحياة
المريضة خلود محمود (16 عامًا) من محافظة خان يونس تعرَّضت لحروقٍ في رجلها تستلزم السفر كل فترة لإكمال العلاج.. تترقب أخبار المعبر هي ووالدتها على أمل أن يفتح ويسمح لهما بالخروج. شهور طويلة وأعداد مسافرين كثيرة وأرقام سفر وأوراق هنا وهناك حتى استطاعت أن تحجز لها في حافلة مخصصة للمرضى يأمل من فيها أن يلحقهم الدور هذه المرة. تقول والدة خلود: "رغم أن لديَّ خمسة أولاد غير خلود فإنني أسافر معها كل عام في سبيل عودة رجلها إلى وضع يقارب الوضع الطبيعي.. لي عدة أعوام على هذا الحال أسافر إلى مصر لأمكث فيها مدة ستة أشهر من كل عام.. حياتي أصبحت موزعة بين هنا وهناك، ومعاناتي كبيرة بسبب تركي بيتي وأولادي.. كثيرًا ما ننهي العلاج ونضطر إلى البقاء في مصر حتى يسمحوا لنا بالعودة، ولكن كل ذلك يهون في سبيل مصلحة ابنتي". هذه المعاناة تكررت عند جميع من يركب حافلات المرضى؛ فالحاج أبو خالد تتكرر مأساته كل فتحة معبر؛ حيث كان في المرة الماضية في طريقه للعلاج من ورم سرطاني ألمَّ به، فمنعته السلطات المصرية من السفر؛ وذلك بسبب عدم حصوله على تنسيق من رام الله يُمكِّنه من المرور!!. يقول الحاج أبو خالد: "شهرين وأنا أنتظر أن أغادر غزة، ووضعي يحتاج إلى علاج سريع؛ فالورم السرطاني ينتشر بسرعة، ولكن لم يشفع لي ذلك عند المصريين في الفتحة السابقة، وها أنا أعيد المحاولة مرة أخرى هذا الشهر علِّهم يسمحون لي بالخروج للعلاج؛ فالمرض ينتشر سريعًا في جسدي، وأنا رجل كبير في السن، ولا أدري إن أرجعوني هذه المرة أيكتب الله لي عمرًا لأحياه حتى الفتحة القادمة". رغم قتامة المشهد يبقى الأمل
ديما عايدية ومؤمن قريقع.. زوجان يعملان في مجال الصحافة والتصوير الصحفي، كتب عليهما الاحتلال الصهيوني أن يعانيا شهورًا طويلة في انتظار فتح المعبر الوحيد لقطاع غزة، والذي يعمل بصورة مشتركة بين الجانبين الفلسطيني والمصري، ويتحكم الجانب المصري في فتحه وإغلاقه كما يحلو له. حزم الزوجان حقائبهما أكثر من مرة، وحاولا الحصول على أكبر قدر من التسهيلات في المرة السابقة، خاصة أن حالة المصور قريقع صعبة وتستدعي العلاج في الخارج لتركيب طرفَيْن بدل رجليه المبتورتين، ورغم كل المحاولات التي بذلتها وزارة الصحة في غزة لتسهيل عملية خروج مؤمن، باءت بالفشل من قِبَل الجانب المصري بحجة أن زوجته المرافقة له، والتي تملك إقامة في المملكة العربية السعودية، لا تملك جوازًا فلسطينيًّا معترفًا به، وذلك رغم أنها تملك وثيقة سفر مصرية من المفروض أن تكون مصر هي الدولة الأولى التي تعترف به؛ فهي مصدر إصدار هذه الوثائق!!. قبل شهرين أعادوا ديما وزوجها الجريح إلى غزة وأخبروهما ألا إثبات لديها بأنها فلسطينية.. لم تيأس ديما، واستطاعت الحصول على جواز سفر فلسطيني من "داخلية" غزة، وحزمت حقائبها مرة أخرى، ولا تزال حتى لحظة كتابة هذا التقرير تجلس مع زوجها مؤمن قريقع وأربعة مرضى آخرين في سيارة إسعاف تنتظر دورها في دخول الجانب المصري. يقول الجريح مؤمن: "فقدت رجليَّ قبل عامين في قصفٍ صهيونيٍّ، وخرجت للعلاج في المملكة السعودية، وهناك تعرَّفت إلى زوجتي الصحفية ديما؛ حيث عادت معي إلى أرض الوطن لنعمل معًا في مجال الصحافة والتصوير الصحفي.. سعيت كثيرًا إلى تركيب طرفَيْن لي، وتعرَّفت على مراكز عدة في سورية وألمانيا وأخبروني أن هناك أملاً في تركيب طرفَيْن لي بدل رجليَّ، ورغم ارتفاع التكاليف فإنني وافقت وجئت هنا قبل شهرين على أمل أن يرأفوا بحالتي ويسمحوا لي بالدخول، إلا أنهم أرجعوني أنا وزوجتي بحجة أنها لا تملك أوراقًا ثبوتية صالحة، رغم أنهم هم أنفسهم من سمح لها بدخول غزة!!. إجراءات سهلة في الجانب الفلسطيني
تصف ديما قريقع زوجة الجريح مؤمن ظروف السفر وإجراءاته لدى فئة المرضى من الجانب الفلسطيني بأنها سهلة وتمَّت بيسرٍ وسهولةٍ، وتضيف: "رغم خروجنا مع بقية المرضى في سيارات إسعاف فإننا حتى الآن لم يسمح لنا بالدخول، ومن سُمح لهم هم أصحاب التنسيقات فقط، والذين يرغب الجانب المصري في دخولهم"، وتقول والتعب يبدو عليها: "خرجنا قبل الفجر، والآن اقتربنا من الظهر، ولا يزال الوضع على ما هو عليه". أما عن الطرف المصري وردِّه على الحالات المختلفة، ومن بينها المرضى في معبر رفح، فحسب كلام المسؤولين في المعبر فإن ترتيبات أمنية وقانونية لا يمكن الإخلال بها ولا تجاوزها لمجرد الشفقة والعواطف؛ فالقانون قانون!!.