باشا تركيا يقر بتخطيط العسكر لانقلاب على أردوغان
في أول اعتراف منذ بدء الحديث عن مؤامرات عسكرية للانقلاب
04.03.2010 09:36
إفتكار البنداري
بعد أشهر من إنكار الجيش التركي العلماني ضلوع أي من أفراده في مؤامرات للإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية ذات الجذور الإسلامية، أقر رئيس هيئة الأركان -للمرة الأولى- بأن دليلا ظهر على تورط عسكريين في مؤامرة تعرف باسم "ورقة عمل لمكافحة الرجعية" أعدوها عام 2003 بعد عام واحد من وصول حزب العدالة إلى سد الحكم.
ويأتي ذلك بينما اتهمت النيابة العامة في إقليم أرزينجان الجنرال سالديراي بيرك، قائد الجيش الثالث في الإقليم، بأنه المشتبه فيه الرئيسي بين المشتبهين الـ16 في إعداد هذه المؤامرة، كما وجه المدعي العام بمدينة إستانبول تهما لضابطين جديدين بالتورط في تدبير محاولة انقلاب أخرى تسمى بـ"المطرقة"، ضمن موجة اعتقالات وتوجيه اتهامات لعسكريين لم تشهدها تركيا من قبل.
وفي بيان على موقعه الإلكتروني، قال رئيس الأركان -الذي يطلق عليه لقب الباشا- الجنرال إلكر باشبوغ: إن تحقيقا عسكريا جديدا أظهر أن الوثيقة التي نشرتها صحيفة "طرف" الليبرالية في يونيو 2009 بشأن مؤامرة عسكرية للانقلاب على الحكومة تم إعدادها عام 2003، "ثبت صحتها"، وذلك بعد ثبوت صحة توقيع أحد قادة الجيش عليها، بحسب صحيفة "زمان" التركية اليوم الأربعاء 3-3-2010.
وبناء عليه، أضاف باشبوغ: "أظن أننا يجب أن ننتظر التطورات الجديدة التي سيظهرها القضاء بخصوص الأشخاص المتورطين في هذه الخطة، وقد حان الوقت ليتخذ المدعي العام بإستانبول (مدني) ما يلزم ضد الكولونيل (دورسون) تشيتشيك (صاحب التوقيع)".
وهذه من المرات النادرة التي يوافق فيها رئيس الأركان على مثول عسكري أمام المدعي العام المدني الذي يتولى -للمرة الأولى في تاريخ تركيا- التحقيق مع عشرات العسكريين المشتبه في تورطهم في عدة مؤامرات انقلاب تشغل البلاد في الأشهر الأخيرة.
والمؤامرة التي يتحدث عنها باشبوغ واحدة من سلسلة مؤامرات لم يثبت صحة معظمها بعد، تم الكشف عن أوراق تتعلق بها عام 2007. وعرفت واحدة منها باسم "ورقة عمل لمكافحة الرجعية"، وأخرى باسم "المطرقة"، إضافة لمحاولات أخرى مدرجة في ملف التحقيق في قضية منظمة "أرجينيكون"، التي تضم عسكريين وسياسيين وإعلاميين وأكاديميين، وتواجه اتهامات بتدبيرها خططا انقلابية واغتيالات لكبار المسئولين ومناصريهم ونشر الفتنة بين الأقليات.
وفيما يخص المؤامرة الأولى، التي قال باشبوغ إنه ثبت صحتها، فقد نشرت عنها صحيفة "طرف" للمرة الأولى في يونيو الماضي وثيقة قالت إن أحد ضباط الجيش سربها إليها، وقال الجنرال آنذاك إنها "مجرد قطعة ورق" أعدها من يحاولون "تشويه" صورة الجيش أمام الشعب.
وحينها قال باشبوغ أيضا: إن تحقيقا عسكريا في أمر "الورقة" لم يسفر عن شيء ذي قيمة، ما دعا رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان للمطالبة بتحقيق جديد "أكثر جدية"، وهو التحقيق الذي أسفر عن الكشف عن صحة توقيع الكولونيل تشيتشيك عليها.
وتتضمن "ورقة عمل لمكافحة الرجعية" خطة لتقويض نظام الحكم تعتمد على حملات دعاية منظمة لتأليب الرأي العام على حزب العدالة والتنمية عبر نشر أخبار تصمه بالتخلف، والسفه، والفساد، إضافة إلى "تلفيق" تهم الإرهاب والتخريب لشخصيات محسوبة عليه وذات صلة بجماعة فتح الله كولن الإسلامية، التي يتهمها الجيش بتهديد النظام العلماني الصارم للدولة.
وكلمة "الرجعية" مصطلح علماني تركي يقصد به أي علامة من علامات التدين، وهو أحد الأدوات الإعلامية التي استخدمها مؤسسو النظام العلماني الصارم في عشرينيات القرن الماضي لوصم جميع مظاهر التدين، وتحميل هذه المظاهر مسئولية "تخلف" الدولة العثمانية عن الدول الغربية، ولتهيئة الرأي العام للقبول بدولة تركيا العلمانية.
وقد اعتقل الكولونيل تشيتشيك مرتين في يوليو ونوفمبر الماضيين، وأطلق سراحه، وطالب رئيس الادعاء العام السابق في محكمة مجلس أمن الدولة المنحلة ميتا جوكتورك بسرعة إعادة اعتقاله، مبديا تعجبه من وجوده مطلق السراح رغم الحديث عن صحة توقيعه على وثيقة المؤامرة.
ويتوقع القاضي العسكري المتقاعد فايق تاريمجي أوغلو أن تطلب لجنة التحقيق مساءلة عدد آخر من رتب عسكرية عالية، باعتبار أن الكولونيل ما كان يجرؤ على وضع مثل هذه الخطة ما لم يصله ضوء أخضر من قادته.
المطرقة
وفي اعتراف آخر بتورط عسكريين في مؤامرات انقلاب، قال الميجور أحمد أردوغان، لم تذكر "زمان" منصبه العسكري، في تقرير من 32 صفحة أرسله إلى المدعي العام بإستانبول: إن الوثيقة المنشورة عن مؤامرة انقلاب أخرى باسم "المطرقة" هي وثيقة "صحيحة" أعدها ضباط بالجيش في القوات البرية للإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية، وتولية حكومة تحظى برضا العسكر.
وكانت صحيفة "طرف" قد نشرت في يناير الماضي ما قالت إنها معلومات تسربت إليها عن خطة وضعها عدد كبير من قادة الجيش وكبار ضباطه باسم "المطرقة" عام 2003، أي بعد عام واحد من تولي حكومة حزب العدالة والتنمية الحكم، لإسقاط الحكومة بنشر مناخ الفوضى وانعدام الأمن، وذلك بزرع قنابل في جامعي محمد الفاتح وبا يزيد الأثريين بإستانبول، وتنفيذ هجمات ضد أماكن أخرى.
وعن هذه "الخطة" قال رئيس هيئة الأركان بعد الإعلان عنها إن الأوراق المتعلقة بها ليست إلا مخططات مضى عليها سبع سنوات لمناورات عسكرية وليس محاولة انقلاب، وما زال المدعي العام بإستانبول يحقق في صحة الأوراق التي نشرتها الصحيفة.
وضمن التحقيق في "المطرقة" وجه المدعي العام بإستانبول تهما لضابطين جديدين بالتورط في تدبير محاولة انقلاب على الحكومة، هما قائد قوات الأمن بمدينة كونيا العقيد حسين أوزغوبان، وزميله العقيد يوسف كيليلي، اللذين أمرت المحكمة بحبسهما؛ ليرتفع بذلك عدد المتهمين في القضية إلى 37 ضابطا بين حوالي 70 معتقلا.
كما وجهت النيابة العامة بمحكمة أرزينجان التركية أمس اتهاما للجنرال سالديراي بيرك، قائد الجيش الثالث بإقليم أرزينجان، وإيلهان جيهانز، المدعي العام بالإقليم، بالانتماء لمنظمة "أرجينيكون"، خاصة فيما يتعلق بتدبير مؤامرة "ورقة عمل لمكافحة الرجعية" التي تم رسمها تحت ظل المنظمة.
وبيرك هو الأعلى رتبة من بين من تم توجيه الاتهام إليهم في هذه المؤامرة من بين 15 ضابطا، بعضهم متقاعد والآخر ما زال في الخدمة، وقد يواجه حكما بالسجن 15 عاما إن ثبت تورطه.
وتخوض حكومة حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية معارك قضائية وسياسية متواصلة مع الجيش والهيئات العلمانية الأخرى منذ توليها الحكم عام 2002، وسبق أن فشل المعسكر العلماني، الموالي للجيش، في إسقاطها عبر بوابة القضاء، حيث رفضت المحكمة الدستورية العليا عام 2008 دعوى بإغلاق الحزب؛ بتهمة تهديد النظام العلماني.
ويتعرض الجيش التركي في الشهور الأخيرة لانتقادات غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية العلمانية من مثقفين وسياسيين وإعلاميين يطالبونه برفع يده من على الحياة السياسية التي اعتاد التدخل فيها منذ إعلان مصطفى كمال أتاتورك إقامة النظام العلماني على أنقاض الدولة العثمانية عام 1924، ووصل نفوذ الجيش لدرجة أنه كان باستطاعته تعيين وإقالة الحكومات بحسب تماشيها مع توجهاته وتعليماته طوال السنوات الثمانين الماضية.