I) استخدام إسرائيل لأسلحة دمار شامل في حربها على غزة:
منذ بدء الهجوم البري الإسرائيلي على قطاع غزة، شوهدت في أجوائه قذائف "دخانية" ألقتها القوات المحتلة، تنشر دخانا أبيض كثيفا فوق مناطق مختلفة. وتبين لاحقا أن هذه القذائف عبارة عن قنابل الفوسفور الأبيض التي، وبمجرد انتشار دخانها الأبيض في المناطق المزدحمة بالسكان، تتسبب في إصابات حارقة تصل إلى العظام. وبالتالي، ليست هذه القنابل مجرد "قنابل تمويهية" تستخدم "لتمويه تحركات القوات ومنع جنود الاحتلال من رؤية الجنود الذين يتحركون إلى الأمام"، كما ادعى عسكريون إسرائيليون. فكلنا شاهد عبر شاشات الفضائيات، الأطفال الغزيين المصابين بحروق مروعة أذابت جلدهم، وفقدوا بصرهم، فضلا عن العديد من الوفيات الناتجة عن إصابات بنفس القنابل الحارقة، تمثلت في انفجار الشرايين الدموية والنزيف الداخلي الحاد غير المرئي للأطباء.
تهديد كبير على الصحة والبيئة والتربة
إن تلوث قطاع غزة بالفسفور الأبيض يشكل تهديدا كبيرا على الصحة العامة والبيئة، ومن المتوقع أن يترسب في التربة، فضلا عن ترسبه في البحر، وتحديدا في الكائنات البحرية والأسماك في المنطقة.
"سلاح إرهابي" يذيب الجلد ويحرق اللحم حتى العظام
أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية أن الجيش الإسرائيلي استخدم قنابل الفوسفور الأبيض "المحرم دوليا" في أثناء عدوانه على غزة، وحذرت من خطورته على المدنيين في القطاع. وكشفت المنظمة ذاتها عن أن باحثيها رصدوا العديد من انفجارات الفوسفور الأبيض في الهواء والذي كانت تطلقه المدفعية الإسرائيلية في محيط مدينة غزة ومخيم جباليا. وقالت المنظمة إن الفوسفور الأبيض يتسبب في حروق شديدة للناس، كما أنه يحرق المباني والحقول والمواد المدنية الأخرى. وأشارت إلى أن أضرار هذا السلاح على المدنيين تتعاظم بسبب ارتفاع الكثافة السكانية في غزة، والتي تعد من أعلى الكثافات في العالم. وطالبت بوقف استخدامه، وبخاصة في المناطق المزدحمة بالسكان في غزة. وقال مارك جارلاسكو كبير المحللين العسكريين في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن "الفوسفور الأبيض يمكن أن يحرق المنازل ويسبب حروقا مروعة عندما يلمس البشرة". ومن المعروف أن الفوسفور الأبيض يشتعل بسهولة في الهواء في درجة حرارة 30 مئوية، حيث يصعب إطفاؤه.
القنابل الفوسفورية الحارقة أفقدت بصر العديد من الأطفال الغزيين وفجرت الشرايين الداخلية لآخرين وأذابت الجلد وحرقت اللحم حتى العظام
أما الدكتور رائد العريني الطبيب في قسم التجميل بمستشفى الشفاء بغزة، فيؤكد أن العديد من الأطفال الغزيين فقدوا البصر بالكامل نتيجة إصابتهم بالأسلحة الإسرائيلية "المحرمة دوليا"، ومنها الفوسفورية. ويقول العريني: "تم إسالة مادة عيونهم بالكامل، بحيث لا يمكن عمل أي عمليات تجميل". ويتابع العريني: "في حالات أخرى تم فيها تفجير الشرايين الداخلية، مما يحدث معه نزيف داخلي غير مرئي للأطباء وينتج عنه وفاة مباشرة...إن الحروق الناتجة عن تلك المواد تتسبب في إذابة الجلد تماما".
غاز حارق درجة حرارته مرتفعة
يستخدم الفوسفور في القنابل الحارقة بسبب سرعة اشتعاله وانفجاره بمجرد ملامسته الهواء، وذلك بدلا من المغنيسيوم الذي كان يستعمل قبل الحرب العالمية الثانية لإشعال الخليط الكيماوي في القنابل الحارقة. ويصنع الفوسفور الأبيض من الفوسفات، وهو مادة شمعية شفافة ومشتعلة، لونها أبيض يميل إلى الاصفرار، ورائحتها تشبه رائحة الثوم. ويتفاعل الفوسفور الأبيض بسرعة كبيرة مع الأكسجين، فيشتعل مكونا غازا حارقا درجة حرارته مرتفعة، وغيمة دخانية بيضاء كثيفة. ويتسبب في حروق من الدرجتين الثانية والثالثة. وفي معظم الأحيان تخترق هذه الحروق جسم الإنسان ولحمه لتصل إلى العظام. وإذا استنشق قليلا يؤدي إلى السعال وتهيج الرئتين والقصبة الهوائية. أما إذا طالت فترة الاستنشاق فيُحْدِث جروحا في الفم وكسرا في عظمة الفك.
وفي عددها الصادر بتاريخ 5 كانون الثاني 2009، أوضحت صحيفة "تايمز" البريطانية في تقرير خاص حول استخدام إسرائيل السلاح الفوسفوري في غزة، أن القنابل الفوسفورية التي استخدمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، "يمكن أن تسبب حروقا مروعة، لأي شخص تنفجر فوقه. وشككت الصحيفة بالإنكار الإسرائيلي، وأشارت إلى "الآثار الوخيمة لاستخدام هذه القنابل فوق مدينة مزدحمة كغزة"، ونقلت عن "تشارلز هايمان" الخبير العسكري البريطاني قوله: "إذا ما أطلق الفوسفور الأبيض على تجمع بشري، فقد يؤدي بالفاعل إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي". وشدد "هايمان" على أن الفوسفور الأبيض يعد "سلاحا إرهابيا؛ إذ إن الفوسفور المتساقط يحترق فور احتكاكه بالجلد...وهو من نوع الحروق التي تصل العظم".
يضاف إلى ذلك، أن وفد منظمة العفو الدولية لتقصي الحقائق الذي زار غزة فور إعلان إسرائيل "وقف إطلاق النار"، أعلن (في 19 كانون ثاني الماضي) بأنه "عثر على أدلة لا تقبل الجدل على استخدام إسرائيل بشكل واسع للفوسفور الأبيض في قصف المناطق المزدحمة بالسكان في مدينة غزة وشمال القطاع". وقالت المنظمة إن "تكرار إسرائيل لاستخدام الفوسفور البيض بشكل مفرط في غزة يمثل جريمة حرب"، وأشارت إلى أن وفدها عثر على الفوسفور
قنابل DIME العنقودية والقنابل الفراغية تستهدف الأطفال والأرض والبيئة في غزة
قطاع غزة تحول إلى مختبر إسرائيلي-أميركي لفحص أسلحة الإبادة الجديدة
أشارت بعض الدلائل إلى أن بعض الأهداف في قطاع غزة تعرضت خلال الحرب الهمجية الإسرائيلية الأخيرة، للقصف الجوي والبري بالقنابل العنقودية التي تصنف عالميا باعتبارها من أسلحة الدمار الشامل. وقد استخدمت "إسرائيل" النسخة المطورة تحديدا من هذه القنابل أميركية الصنع التي تعرف اختصارا بـِ DIME ، أو قنابل المعدن الكثيف الخامل. وما يعزز هذه الدلائل كثرة الإصابات المتمثلة في بتر الأطراف السفلية و/ أو العلوية. ولا يزال العديد من الضحايا الذين بترت أطرافهم يرقدون في المستشفيات بغزة، فضلا عن أولئك الذين تم نقلهم إلى مستشفيات عربية. ويعد فقدان الأطراف من أبرز نتائج القصف بالقنابل العنقودية. وتتمثل معظم الإصابات الناتجة عن القنابل العنقودية في فقدان الأذرع والسيقان.
انشطار جسم الضحية وموته
وبعد أن شخصوا آثار الانفجارات على العديد من الجرحى والشهداء، أكد أطباء نرويجيون متطوعون في مستشفى الشفاء بغزة، يعملون من قبل هيئة الإغاثة النرويجية، أن "إسرائيل" استخدمت أنواعا جديدة من الأسلحة، وتحديدا قنابل DIME، أو ما يسمى بالعربية "المعدن الكثيف الخامل". وهي من نفس عائلة القنابل العنقودية التي استخدمتها إسرائيل في حرب لبنان (تموز 2006). وتتكون قنابل DIME من غلاف من ألياف الكربون محشو بخليط من المواد المتفجرة (HMX أو RDX) ومسحوق مكثف من خليط من معدن "التنغستون" الثقيل (HMTA) والمكون من مادة "التنغستون" والنيكل، والكوبالت، والكربون، والحديد. وتظهر كل هذه المكونات على شكل عدد كبير من الكرات الصغيرة. وتعد هذه الكرات ذات قوة تفجيرية كبيرة. وتشير عبارة "المعدن الخامل" المستخدمة في تسمية هذه القنابل إلى عدم لعب المعدن الذي في القنبلة دورا في توليد الطاقة التفجيرية كيميائيا، بل إن التفاعل المسبب للانفجار يحدث بشكل عكسي، عبر استعمال مسحوق الألومنيوم لزيادة الطاقة التفجيرية. وعند حدوث الانفجار، تتشظى القنبلة إلى كرات صغيرة، فيتحول المسحوق الكيميائي إلى شظايا صغيرة قاتلة، وبخاصة، لدى التعرض لها من مسافة قريبة. وهي تخترق الجلد وتنفجر داخله. وفي حال انفجارها على مسافة أربعة أمتار أو أقل من الأشخاص تؤدي إلى انشطار جسم الضحية وموته. أما إذا انفجرت على مسافة أكبر فتؤدي إلى حروق عميقة تصل إلى العظم، وبخاصة عند الأطراف، مما يؤدي إلى بترها فورا. ويحدث هذا النوع من الإصابات بسبب قدرة الشظايا على اختراق العظام والأنسجة، وبالتالي التسبب في تهتك الأنسجة والأوردة والشرايين ونزيف دموي كبير في الأعضاء المصابة، مع احتمال الإصابة لاحقا بسرطان الأنسجة. وقد سجلت العديد من الحالات المشابهة أثناء الاحتلالان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006.
وأشار الطبيبان النرويجيان إلى أن تجارب أجريت على فئران، بينت أن الكرات المتفجرة التي تبقى في أجساد الضحايا تتسبب في إصابتهم بالسرطان.
وفي بحث مخبري أجرته وزارة الصحة الأميركية (عام 2005) تبين أن هذا الخليط الكيميائي (وتحديدا التنغستون) يتسبب مباشرة في ظهور أعراض سرطانية في أنسجة الجرذان التي تعرضت لهذا النوع من المواد. كما بينت دراسات أخرى أن التنغستون النقي أو ثلاثي أكسيد التنغستون يعد عاملا مسرطنا.
لم يقتصر الاحتلال الإسرائيلي على استعمال القنابل العنقودية، وقنابل DIME ، والقنابل الفسفورية والقنابل المحتوية على اليورانيوم المستنفد (حيث نشرت تقارير وتحقيقات حول هذه الأسلحة في هذا العدد من آفاق البيئة والتنمية)، بل امتد الاحتلال ليشمل استخدام سلاح الجو للقنابل الفراغية والارتجاجية في قصف المباني، وبخاصة في المنطقة الحدودية بين مصر وقطاع غزة. وتتسبب القنابل الفراغية في تفريغ الهواء الداخلي من المبنى المستهدف، فيؤدي الاختلاف الكبير بين الضغط الداخلي المنخفض جدا للمبنى والضغط الخارجي المرتفع، إلى انفجار المبنى وانهياره نحو الداخل.
وتتميز الإصابات بهذا النوع من القنابل بتهتك وتلف كبيرين في أعضاء الجسم الداخلية، بينما تكون ألاثار والجروح الخارجية على الجسم سطحية وطفيفة. والجدير بالذكر أن "إسرائيل" استخدمت هذا النوع من القنابل في أثناء اجتياحها للبنان وحصار بيروت عام 1982، وأيضا في أثناء حرب تموز 2006.
وقد أكد بعض الخبراء العسكريين الإسرائيليين،، رفضوا الكشف عن اسمهم، وجود خبراء عسكريين أميركيين في قيادة المنطقة الجنوبية التابعة للجيش الإسرائيلي، يعملون على مساعدة "إسرائيل" وتسجيل آثار استخدام الأسلحة الجديدة أو المطورة ومدى قدرتها التدميرية، علما بأن بعض هذه الأسلحة جُرِّب للمرة الأولى في أثناء الاحتلال على غزة.
يضاف إلى ذلك، أن الكثير من مخلفات قصف الجيش الصهيوني وألغامه وأجسامه المشبوهة ما تزال تواصل انفجارها في البيئة الفلسطينية بغزة، وبجوار التجمعات السكانية، فضلا عن وجود بعض المكونات المشعة في مخلفات الطائرات الحربية الصهيونية، في الأراضي والتجمعات الفلسطينية الغزية.
وفي الواقع، تعد عملية حصار واعتقال وتجويع 1.5 مليون إنسان في مساحة جغرافية صغيرة وكثيفة السكان، وقصفهم المكثف، وتحويلهم إلى مختبر لفحص الأسلحة "المحرمة دوليا"، ممارسة إجرامية أبشع مما فعله النازيون في أوروبا، علما بأن معسكرات الاعتقال النازية لم تُقْصَف من الجو والبر والبحر بهدف إبادة من فيها.
استخدام إسرائيل أسلحة تحوي اليورانيوم المستنفد
تمثلت أخطر أسلحة الدمار الشامل التي استخدمت ضد شعبنا في غزة، في الأسلحة المحتوية على اليورانيوم المستنفد (depleted uranium) الذي يعد أحد المخلفات الناتجة من عملية إنتاج اليورانيوم المشبع (Enriched Uranium) المستخدم في الأسلحة النووية وفي مفاعلات الطاقة النووية.
ومن أبرز مؤشرات استعمال هذا السلاح في غزة علامات التأثر بمادة اليورانيوم المستنفد التي ظهرت على أجساد العديد من ضحايا الاحتلال الإسرائيلي؛ مما أثار شكوكا كبيرة بأن قوات الاحتلال استخدمت أسلحة تضمنت في مكوناتها هذه المادة المحرمة دوليا.
وقد أشار وفد طبي نرويجي في مستشفى الشفاء بغزة إلى أن عددا من جرحى القصف الجوي والبري والبحري لقطاع غزة ظهرت على أجسادهم آثار اليورانيوم المستنفد.
كما أكد الأطباء النرويجيون وجود آثار لليورانيوم المستنفد على الأراضي الغزية التي قصفت.
أمراض مرعبة قد تنتشر في غزة
ولا تكمن الخطورة فقط في عدد الضحايا الذين سقطوا في قطاع غزة حتى الآن، بل أيضا في الآثار المستقبلية المخيفة للمواد المشعة في اليورانيوم المستنفد والتي قد تمتد إلى ملايين السنين وتؤدي، بشكل خاص، إلى إصابة الأطفال بأمراض السرطان، وفقدان الذاكرة والتشوهات الخلقية، فضلا عن دخول المواد المشعة إلى السلسلة الغذائية وبالتالي تواصل الآثار الصحية المدمرة للإشعاعات، علما بأن نصف عمر اليورانيوم المستنفذ يبلغ نحو 4.4 مليار سنة.
وفي المستقبل القريب والمتوسط، يُخشى من تصاعد انتشار الأمراض المرعبة في قطاع غزة، والتي من المعروف أنها ناتجة عن تأثيرات إشعاعية، تماما كما ثبت من قبل في العراق وكوسوفو. ومن هذه الظواهر المرضية التي قد يزداد انتشارها في بعض التجمعات السكانية في قطاع غزة: تساقط الشعر وتوقف النمو الطبيعي، بالإضافة إلى العقم والتخلف العقلي والإعاقات الجسدية وتشوهات في الأعضاء الداخلية أو الخارجية والأمراض السرطانية.
شهادات حية من قلب الميدان يرويها المصابون والمرضى
سمر شاهين / غزة خاص بآفاق البيئة والتنمية
هدفهم واحد وإن اختلفت المسميات.. إنها القنابل التي استخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في حربه الأخيرة على قطاع غزة، التي استمرت على مدار "23" يوما ، وخلفت بجانب الشهداء الذين تجاوز عددهم 1333 شهيدا 550 جريحا، بحسب إحصاءات رسمية، أطنانا من المخلفات الناجمة عن قصف المنازل والمؤسسات ودور العبادة . حرب ضروس وآثار صحية ونفسية وبيئية ستدوم طويلا إن لم يسارع العالم أجمع لمعالجة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولاسيما الوضع البيئي الذي كان يئن سابقا وازداد أنينه بصورة متسارعة. في جولة سريعة ولقاءات حوارية نظمتها آفاق للبيئة والتنمية في قطاع غزة من الشمال إلى الجنوب للوقوف عن كثب على الدمار البيئي الذي لحق بالإنسان والشجر والأرض الفلسطينية جراء أطنان المتفجرات التي حملت معها كل عنوان للدمار، حيث بدا شمال غزة، ولاسيما العطاطرة والسلاطين وعزبة عبد ربه، منطقة صحراوية لون تربها يميل إلى اللون الأسود، وبدت وكأنها لم تعرف العمران يوما، فالأرض مليئة بالحفر العميقة التي ابتلعت المباني، حيث عمدت قوات الاحتلال إلى تسوية المباني بالأرض. والأشجار لم يبق منها إلا عيدان متناثرة هنا وهناك، وبدت المنطقة وكأنها جاءت من زمن وقرن آخر غير ذلك القرن الذي نعيش فيه. المزارع محمد عبد ربه"55" عاما كان يجلس على الأرض وهو يبكى حتى كاد أن يغمي عليه من شدة البكاء ويقول لـ"آفاق للبيئة والتنمية" ما الذنب الذي ارتكبته ارضي ومنزلي وعائلتي؟ انظري فإن هذه الأرض التي كانت تعتبر من أجود أنواع التربة والمياه في منطقة شمال القطاع باتت عقيمة اليوم، وتحتاج إلى سنوات وسنوات لتعود إلى ما كانت عليه. ويضيف عبد ربه أن التربة اليوم ملوثة بصورة كبيرة وأنها لا تصلح للزراعة ولا حتى للعمران، مشيرا إلى كومة من الحجارة كانت بيته ذا الطوابق الأربعة التي كانت تضم ما يزيد على 42 شخصا واليوم باتوا نازحين ومشردين في مراكز الإيواء في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين " الأونروا". ويشير إلى أن الجيش الإسرائيلي استخدم مواد سامة ومشعة، علما بأن الجيش الإسرائيلي اعترف رسميا باستخدام قذائف الفسفور الأبيض خلال الحرب على غزة، مدعيا بأنه سيجري تحقيقا حول طريقة استخدامه وليس ضد المبدأ. وادعى الجيش بأنه استخدم قذائف مدفعية تحتوي قطع قماش مشبعة بمادة الفسفور بهدف خلق ستار من الدخان لتغطية تحركاته، إلا أن المنظمات الدولية تصر على أن الحديث يتعلق بقذائف مختلفة تنشر الفسفور في كل اتجاه فور انفجارها على الأرض؛ الأمر الذي اعترف الجيش الإسرائيلي باستخدامه، مدعيا بأنها اقتصرت على المناطق المفتوحة "غير المأهولة" فقط وذلك بهدف تحديد الأهداف ، متذرعا بان استخدامه لهذه القذائف يتفق والقانون الدولي، نافيا بشكل قاطع استخدام القذائف الفسفورية داخل المناطق السكنية. لؤي وضياع بصره وهنا في مستشفى الشفاء لم يفكر لؤي ذو السبعة أعوام في يوم من الأيام أنه سيفقد بصره وسيحرم من ممارسة حياته التي رسمها بشكل طبيعي، إلا أن طائرات الاحتلال التي أمطرت القطاع على مدار 23 يوماً بآلاف من الحمم والقذائف كانت كفيلة بحرمان مئات الأطفال من حياة طبيعية . الطفل لؤي صبح خرج كعادته ليلعب كرة القدم مع أبناء عمه في فناء المنزل، وانقسموا إلى فريقين، وبدأت المباراة دون أن يدرك أبناء العم الأربعة أن هناك فريقاً ثالثاً يحلق في السماء ويأبى إلا أن يدمر الفريقين. مضت ساعة كاملة من اللعب وخلال ثوانٍ ودون سابق إنذار انشقت الأرض وتساقطت الحمم من السماء واشتعلت النيران في كل مكان، وتناثرت الدماء والأشلاء في كل شبر من الأرض وغطت سحابة من الدخان الأسود المكان. وبعد دقائق تلاشت تلك السحابة السوداء لتكشف عن معالم الجريمة البشعة التي ارتكبتها طائرات الاحتلال. لم يكن ما حدث انفجاراً لبركان ثائر أو كارثة طبيعية إنما كان قنبلة فسفورية حارقة ألقتها طائرات الاحتلال على الأطفال الأربعة لتحرق فناء منزلهم بالكامل وتشق أشجار الزيتون إلى نصفين وتحرقها كما حرقت أجساد الأطفال الأربعة. والدة الطفل لؤي قالت:" كنت في المنزل أشاهد الجرائم الإسرائيلية على شاشة التلفاز وفجأة شعرت وكأن الأرض اهتزت من تحتي وتحطمت نوافذ المنزل بالكامل فركضت مسرعة إلى أسفل المنزل لأجلب الأطفال ولم أتوقع أن يكون ذلك الانفجار قد وقع بينهم". وتضيف والدموع تتساقط من عينيها: "فور وصولي شاهدت النيران وقد اشتعلت في كل مكان من فناء المنزل ورأيت الأطفال ملقين على الأرض، يحترق أحدهم وقد مزقت ملابس الآخرين تماماً". تابعت والدة الصغير حديثها قائلة " لم أتوقع في يوم أن أقوم بحمل ابني وهو يحترق بين يدي"، موضحة أنه أغشي عليها أثناء حملها لابنها ولم تدر ما حدث بعد ذلك. وسمع لؤي حديث والدته وأراد أن يشاركها الوصف فقال: " لقد كنا نلعب أنا وأبناء عمي في فناء المنزل وفجأة شعرت أني أطير في السماء وأن جسماً حاراً يرتطم في وجهي ومن ثم غشي علي ولم أدر ما حدث". وتابع الصغير متسائلا: "لم أكن أحمل سلاحاً. لماذا تقصفنا الطائرات الحربية الإسرائيلية؟ ولماذا يقتل ابن عمي شعبان؟ ولماذا أفقد بصري وعيني؟ ولماذا يقتل كل هؤلاء الأطفال؟ أريد أن أعرف السبب". لم يجد لؤي أي إجابات لأسئلته ولم يكد يكمل حديثه حتى أطلق صرخة ألم هزت أرجاء المستشفى، فهرع الأطباء والممرضون مسرعين إلى غرفته وأعطوه بعض المسكنات التي لم تضيع ألمه الشديد. بعد دقائق من الألم الشديد هدأ الطفل ولكنه لم يستطع أن يكمل حديثه نظراً لموجات الألم التي تباغته بين اللحظة والأخرى. شهادات يرويها الأطباء وكشف أطباء مصريون وعرب عائدون من غزة، عقب مشاركتهم في إجراء عمليات جراحية لضحايا الاحتلالان، أنهم شاهدوا أهوالا في غزة، وإصابات لم يروها من قبل، وقالوا :"إن إصابات بتر الأطراف كانت أهون ما رأيناه". وذكر الأطباء الموفدون من قبل لجنة الإغاثة والطوارئ في اتحاد الأطباء العرب أن جيش الاحتلال الإسرائيلي تعمّد استخدام أسلحة تحوي على مواد كيماوية سامة تؤدي إلى الوفاة فوراً، مطالبين بتشكيل لجنة من الأطباء الشرعيين العرب والأوروبيين للتحقق من الجرائم التي ارتكبها الإسرائيليون حتى لا يفلتوا من العقاب. وذكر الأطباء أنهم رأوا مشاهد مروّعة لا يمكن رؤيتها إلا في أفلام الرعب عن مجزرة الاحتلال وما خلفته من ضحايا وحروق وبتر وتسمم الجسم واختراق الجلد بحروق حتى العظام، وقالوا: "إن جثث الشهداء من الأطفال والنساء انتشرت في الشوارع، واستخدمت قنابل الفسفور التي تحرق الأخضر واليابس، ومواد سامة قاتلة" وروى الدكتور باسم الكسواني أمين عام نقابة أطباء الأردن بعض ما عايشه على أرض قطاع غزة، قائلا :"كانت الأحوال أسوأ مما يتصور الإنسان، كان القصف في كل مكان ولا يوجد مكان آمن يمكن للإنسان أن يأمن على أهله وأولاده فيه". وتابع :"وصلنا إلى مستشفى قطاع غزة ومن هناك توجهنا إلى مستشفى كمال عدوان بمنطقة جباليا، حيث المنطقة التي تعرضت لأبشع جريمة في التاريخ، فالمستشفى يمتلئ بالجرحى والشهداء والإمكانيات بسيطة للغاية". وقال الكسواني: "لقد جاءت إلينا حالات وإصابات لم نرها من قبل؛ لأن هذه المنطقة تركز فيها القصف بالفوسفور الأبيض، حيث جاءت إلينا حالات اختناق عديدة وهذه القنابل بها مواد ذات سمية عالية ولا يعرف حتى الآن ماهية هذه المواد التي تقتل الإنسان وتخنقه في الحال. كما وصل إلينا العديد من الشهداء بسبب هذه القنابل"، مؤكدا أنه لا بد من لجنة دولية لدراسة ماهية هذه المواد المحرمة التي يقتل بها أطفال غزة. ومن جانبه، قال الدكتور عبد الرازق العبس استشاري جراحة العظام :"رأينا إصابات لأول مرة نراها في حياتنا العملية، فمثلا جرح صغير وبسيط في جسد الأطفال والنساء يمكن علاجه بسهولة، ولكن العجيب أن الإنسان بعد إصابته بهذا الجرح يتوفى بمجرد وصوله إلى المستشفى، ورأينا شهداء جاؤوا إلى المستشفى ليس فيهم إلا بعض الجروح البسيطة". وتابع: "إن هذا ما يؤكد تعمد الاحتلال استخدام أسلحة محرمة قاتلة وكل الإمكانيات والتكنولوجيا في مجزرة همجية لقتل الأطفال والنساء بأسلحة مدمرة ومحرمة دوليا". وقال الدكتور محمد رفاعي أستاذ الأنف والأذن :"لقد رأينا أطفالا ممزقة أجسادهم من القصف الإسرائيلي وحالات لم يفلح الإسعاف في الوصول إليها بسبب الوجود الإسرائيلي فيها، فتظل الجثث في الشوارع لعدة ساعات بل أيام حتى تصل إلينا في حالة يرثى لها أو متحللة". واستكمل الدكتور رفاعي، ودموعه تنساب على وجنتيه، قائلاً :"إن ما يحدث في قطاع غزة جريمة بشعة يرتكبها الكيان الصهيوني بحق مدنيين عُزَّل؛ في ظل تآمر دولي وعربي على إنهاء القضية الفلسطينية". وروى الدكتور أحمد عبد العزيز أستاذ جراحة العظام عن الكثير من حالات البتر والتشوه، مشيرا إلى أن "إسرائيل" استخدمت في عدوانها مواد كيميائية خطيرة جدا ظاهرها صلب، ولكنها عند دخولها جسم الإنسان تذوب وتتحول إلى مادة سامة، تتسبب في سرطنة جسم الجريح، بالإضافة إلى نزيف حاد وتناقص الصفائح الدموية بشكل كبير جدا. من جهته، أكد الدكتور حسام الدين البصراتي أستاذ الأنف والأذن أن عدد الأطفال في المستشفى بالمئات وحوالي 45 في المئة من الموجودين بالمستشفى من الأطفال، لأن الاحتلال قصف مدرسة الأونروا بعد أن لجأ الأهالي إليها للحماية من الصواريخ. وقال الدكتور أحمد عبد العزيز: "إن حالات "بتر الساقين" هي أسهل الحالات التي صادفتها"، مشيراً إلى أنه شاهد حالات مرضى توجد بأجسادهم فتحات دخول لجسم ما من جهة، ولا توجد فتحات للخروج، مما يدل على استخدام أسلحة كيماوية لأول مرة ربما تذوب في الجسم، والهدف منها الإبادة فقط. وذكر الدكتور أحمد اللبان، رئيس إحدى فرق الطوارئ، أن معظـم الأطفال الذين استقبلتهم مستشفيات العريش مصابون بالعمى جراء الشظايا التي تطايرت على أبصارهم، مؤكدا أن هناك حالات كثيرة مصابة بتهتك كامل للأمعاء والجوف للسبب نفسه، وهي إصابات يرى الخبراء أنها نتيجة استخدام قنابل الارتجاج والميكرووف المسماة بـ "تيرموبانيك". وفي غضون ذلك نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية عن مصادر عسكرية أن الجيش أطلق نوعين من القذائف التي تحوي الفوسفور، وهي قذائف مدفعية دخانية من عيار 155 ملم تحوي كمية ضئيلة من الفوسفور وقذائف هاون من عيار 120 ملم ذات تركيز عال من الفوسفور. وقالت الصحيفة إن حوالى عشرين قذيفة من هذا النوع التي تسبب حروقا خطيرة جدا أطلقت على أحياء في بلدة بيت لاهيا. وكانت منظمة العفو الدولية التي زار فريقها قطاع غزة, اتهمت الدولة العبرية بارتكاب "جريمة حرب" عبر استخدامها قذائف فوسفورية.