اليوم السادس : حين استيقظت صباح اليوم .. ولوهلة سريعة ..خاطفة ... ومع اختراق صوت عصفور مغرّد لمسامعي .. توهّمت أنّي هناك .. في بيتي .. في غرفتي الزرقاء .. بين كتب طفولتي .. ومقعدي الجلدي الذي اقرأ عليه مقابل النافذة .. وصورتي مع والدي المتوفي حين كنت في السابعة من العمر .. على ضفاف بحيرة سويسرية .. لوهلة ... ظننت أنّ صوت أمي .. الشجي .. سيخترق مسامعي .. يناديني .. يغرّد في مسمعي ..كتغريد طيور الفجر .. لأبدأ يوما جديدا .. مفعّما بالأمل .. كسنوات شبابي الست والعشرين .. ولكني فتحت عينيّ على الواقع في لحظات .. كنت مفترشا أرض الزنزانة الرطبة .. على فراش يابس .. قاس .. وحزين .. وكانت الشمس هناك .. تطل من فتحة نافذتي الصغيرة .. مشرقة .. واستغربت .. هل الحياة هناك بالخارج مستمرة ؟ هي مستمرة اذن ؟ الشمس تشرق ؟ والطيور تغرّد وتحلّق ؟ والناس ... تضحك وتتنفس ؟ وأمي ؟ لا .. أمي لاتضحك .. وهو ..؟ هو .. لايتنفّس بلا شك ......... وأنا ..؟ أنا السبب ... فتح باب الزنزانة ...محدثا صوتا عنيفا تردّد صداه مثل صليل آلاف السيوف المتناحرة في ساحة الوغى .. تجمّد الدم في عروقي .. لست مستعدا !!!! أردت أن أصرخ .. أن أدّعي الاغماء كما كنت أفعل حين تأخذني أمي لأخذ ابر التطعيم في المستشفى وأنا في الخامسة .. ابرة ؟؟ ليست ابرة ... هذة المرة .. بل سيف .. يخطف بريقه الأبصار .. كالسيوف التي رقصنا بها ( العرضة ) في عرسه .. عرس محمد .. كان وجهه كالبدر ليلتها .. وكنت أرقبه ... متسائلا عن تلك الفرحة التي تغمره ؟ لم أكن مكترثا أنه تزوج قبلي وهو أخي الذي يصغرني بعدة سنوات .. أنا سأتزوج متى شئت .. لم أدرك سر سعادته الا عندما رأيتها .. زوجته .. حليلته .. شريكة حياته .. منذ وقعت عليها عيناي .. كرهته .. وأحببتها .. ومن يومها .. وأنا والشيطان .... أصدقاء .. ومن يومها .. وأنا ومحمد أغراب ... لم يكن موعد الرحيل على أيّة حال .. كان الحارس .. جاء لي بمصحف .. تركه بين يديّ وخرج ... تأمّلت المصحف دون أن أفتحه .. كم مضى منذ آخر مرة قرأته فيها ..؟ ربما منذ تصاحبنا أنا وذاك الذي جاء بي الى هنا ؟ تردّدت في فتحه .. تذكّرت أني لست على وضوء .. لم أفتحه .. عدت لأستلقي .. وأحاول الهرب ..
__________________ ربي لك الحمد العظيم لذاتك حمداً و ليس لواحدٍ إلاكَ ... يا مُدرك الأبصار و الأبصار لا تدري له و لِكُنههِ إدراكا إن لم تكن عيني تراكَ فإنني في كل شيءٍ أستبين عُلاكَ ... |