03-11-2010, 12:42 AM
|
|
فيلم «عجمي» حكاية من يافا فلسطين لا من إسرائيل إذا حاولت أن تبحث في محرك «غوغل» عن كلمة «العجمي» باللغة العربية، فستصطدم بأنباء كئيبة من نوع «هدم بيت فلسطيني في حي العجمي»، و«محو التاريخ الفلسطيني في يافا من خلال هدم بيوت»، و«سكان حي العجمي أمام معركة حياة أو موت ضد تهويد يافا». وما إن تتقدم في البحث حتى تجد عناوين من نمط: «محكمة إسرائيلية تشرّع بناء مبنى لليهود فقط في حي العجمي في يافا»، و«البيوت العربية في حي العجمي في يافا يتهددها خطر الهدم». وقد تضطر للتفكير بأن خبرا من نوع «فلسطينيو يافا يحتفلون في حي العجمي بعيد ميلاد الطفلة الغزّية ماريا أمان» مبهجا، لكنك سرعان ما تتراجع عندما تعلم أن ماريا هي الطفلة التي شلها بشكل تام صاروخ إسرائيلي قتل أيضا والدتها وأخيها وجدتها.
وإذا حاولت أن تبحث في «غوغل» أيضا عن «عجمي» باللغة الإنكليزية (AJAMI)، فسوف تصطدم بأنباء عن فيلم «عجمي» الذي خسر المنافسة للحصول على جائزة أوسكار، وسجال حول ما إذا كان يمثل إسرائيل أم لا. فقد أعلن أحد مخرجيه، اسكندر قبطي، أن الفيلم لا يمثل إسرائيل، رغم أنه أنتج بتمويل إسرائيلي، ورغم أن أغلب العاملين فيه هم فلسطينيون يحملون الجنسية الإسرائيلية.
البحث عن «العجمي» بالعربية قاد إلى المكان وأهله، فيما البحث في الانكليزية قاد إلى الفيلم وأهله. وهكذا فإن الجامع بين أبعاد المسألة الثلاثة هم أهل المكان، الذين هم أيضا أهل الفيلم نفسه. وتترابط الأبعاد في مشهد لا قيمة له من دون المكان وأهله وقدرتهم على الإبداع في ظروف بالغة التعقيد أوصلت الفيلم إلى العالمية. ولكن بقدر ما غاب بعد المكان في البحث بالانكليزية بقدر ما حضر هذا البعد باللغة العربية.
فالعجمي هو أحد أحياء مدينة يافا العربية، «عروس فلسطين الجميلة»، التي يعتبر ميناؤها أحد أقدم موانئ العالم، حيث ظل يقدم خدماته للسفن على مدى يزيد عن أربعة آلاف عام. ومعروف أن يافا ضمت سبعة أحياء هي إضافة للبلدة القديمة، المنشية وارشيد والعجمي والجبلية وهرميش والنزهة. وقبل ثلاثة عقود ونصف أغلق الإسرائيليون ميناء يافا أمام السفن وقصروا خدمته على قوارب الصيد بعدما غدت يافا بأسرها نوعا من امتداد لتل أبيب الجديدة. ورغم كل مساعي التهويد فإن ما تبقى من حي العجمي ظل شاهدا على تاريخ لم يتبدد.
وتدور أحداث فيلم «عجمي» في حي العجمي ذاته. وما يميّزه هو أن معظم الممثلين فيه، فضلا عن أحد المخرجين، هم من أبناء هذا الحي ممن لم يسبق لهم التمثيل قبل ذلك. كما أن الفيلم روائي من الزاوية الفنية لكنه عمليا أقرب إلى الفيلم الوثائقي الذي يوثق بعض أوجه الحياة في هذا الحي العربي ويستند في مشاهده ووقائعه إلى أحداث تجري يوميا. وتم تدريب الممثلين في ورش عمل بعد أنّ تم الاتفاق على الفكرة بين المخرجين اسكندر قبطي ويارون شني إثر نجاح تجربة مشتركة لهما حول العجمي في فيلم قصير أعد أثناء دراستهما الإخراج. وقد أنتج الفيلم وعرض في دور السينما في العام الماضي، ونال الكثير من الجوائز الإسرائيلية والعالمية، وكان مرشحا لأفضل فيلم أجنبي في مهرجان الأوسكار الأخير.
وتستند قصة الفيلم إلى خمسة فصول تعرض بشكل مركب قصصا متوازية لأحداث تجري في حي العجمي لأبطال الفيلم من العرب المسيحيين والمسلمين الذين يعانون من شيوع الجريمة والمخدرات والثأر العائلي. واستقبل النقاد في إسرائيل الفيلم بالترحاب في معظم الأحيان بسبب المستوى الرفيع للسيناريو والإخراج والحوار والتصوير. وقد موّلت وزارة الثقافة هذا الفيلم بحوالى مليوني شيكل (أكثر من نصف مليون دولار) في إطار تمويل أفلام ذات مستوى. وقد حقق الفيلم نجاحا تجاريا في إسرائيل إذ شاهده في دور السينما ما لا يقل عن 165 ألف مشاهد واحتل المكان الثاني. وفضلا عن ذلك فقد اشترت حقوق بثه دور سينما ومحطات تلفزة في العديد من الدول الأوروبية.
غير أن القصة الحقيقية تبدأ من هنا. إذ دفع مستوى الفيلم الذي يعتبر أول فيلم روائي ينطق بالعربية في إسرائيل الكثير من المسؤولين الإسرائيليين إلى اعتباره نموذجا للديموقراطية في إسرائيل. كما أن نجاح الفيلم ووصوله إلى الترشيح لجائزة الأوسكار قد دفع بهؤلاء المسؤولين إلى محاولة اعتباره برهانا على إنجاز كانوا هم صناعه. غير أن الصدمة أيضا كانت بحجم الوهم. فالمخرج اسكندر قبطي وفي ذروة الفرحة الإسرائيلية بنجاح الفيلم وقرب نيله الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي أعلن ببساطة: أنا لا أمثل إسرائيل لأن هذه الدولة لا تمثلني. وقال بصراحة إنني فلسطيني أعيش في دولة إسرائيل التي لا تمنحني حقوقي كمواطن.
وتكمن مشكلة الفلسطيني في الدولة العبرية في أنه مطلوب منه في كل حين إثبات الولاء للدولة التي قامت على أنقاض شعبه. وثمة قناعة لدى الكثير من الإسرائيليين بأنهم يحسنون صنعا للفلسطينيين في مناطق العام 1948 بالسماح لهم بالبقاء في منازلهم وعلى أرضهم، فالبقاء في الوطن هي منة يمنحها الإسرائيلي للفلسطيني هذا، وهي منة تحتاج على الدوام إلى إظهار الامتنان. أليس هذا ما أوصل أفيغدور ليبرمان وحزبه إلى مصاف الحزب الثاني في إسرائيل بعدما بات «يفهم العربية» أكثر من غيره؟
وأثارت أقوال اسكندر قبطي ردود فعل غاضبة جدا في الوسط الإسرائيلي الحكومي، لكنها أثارت تعاطف واحترام القوى العربية في إسرائيل. ورأى كثير منها أنه لا يمكن مواصلة كنس الحقيقة تحت السجادة. وبحسب الناشطة النسائية الفلسطينية عبير قبطي، في مقابلة مع «هآرتس» أمس، فإن «هذا الرجل عبّر عما يردده أكثر من مليون مواطن طول الوقت ولكن من دون أن يرغب أحد في سماعهم. الجميع فرح لأن هناك فيلما مرشحا للأوسكار ولكن لا أحد ظن أن خلف هذا الفيلم مواقف، وفي النهاية تم التعبير عنها. لقد قال الحقيقة: إن هذه الدولة لا تمثلنا».
__________________ |