عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-16-2010, 03:05 PM
 
Thumbs up اهوال القبور البا ب السابع و الثامن

الباب السابع
فيما ورد من تلاقي الموتى في البرزخ وتزاورهم

253- روى مسلم بن إبراهيم الوارد عن عكرمة بن عمار عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه ] فإنهم يتزاورون في قبورهم ] " وخرج محمد بن يحيى الهمداني في صحيحه بهذه الزيادة . وعنده عن هشام عن محمد عن أبي هريرة . وكذا رواه سليمان بن أرقم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة بهذه الزيادة . ورواه غيره عن ابن سيرين من قوله ، فلعل الزيادة في آخره مدرجة من كلام ابن سيرين .
254- وخرج العقيلي من طريق سعيد بن سلام العطار حدثنا أبو مرة راشد بن العطار سمعت قتادة يحدث سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه فإنهم يبعثون أو قال يتزاورون في أكفانهم " وقال سعيد بن سلام ضعيف ولا يتابع عليه وأبو مرة لا يعرف له غيره .
255- ويروى من حديث محمد بن مصفي حدثنا معاوية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " حسنوا أكفان موتاكم فإنهم يتباهون ويتزاورون في قبورهم " .
256- وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا القاسم بن هشام حدثنا يحيى بن صالح حدثنا محمد بن سليمان حدثنا راشد بن سعد أن رجلاً توفيت امرأته فرأى نساء في المنام ولم ير امرأته معهن ، فسألهن عنها ، فقلن : إنكم قصرتم في كفنها فهي تستحي أن تخرج معنا ، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم : " انظر إلى ثقة من سبيل " فأتى رجلاً من الأنصار قد حضرته الوفاة فأخبره فقال الأنصاري : إن كان أحد يبلغ الموتى بلغته ، قال : فتوفي الأنصاري ، فأتى بثوبين مبرورين بالزعفران ، فجعلهما في كفن الأنصاري ، فلما كان الليل رأى النسوة معهن امرأته وعليها الثوبان الأصفران .
257- وقال أبو الحسن بن البراء : حدثنا العباس بن أبي عيسى قال : كانت امرأة تقية سرية توفيت ، فرأت ابنة لها في المنام كأن أمها أتتها ، فقالت : يا بنية كفنتموني بكفن ضيق فأنابين صواحبي أستحي منهن ، وفلانة تأتينا في يوم كذا وكذا ولي في موضع ذكرته أربعة دنانير ، فاشتروا لي كفنا ، وابعثوا لي معها ، قالت الإبنة : ]ولم أكن أعلم ] أن لها في الموضع الذي ذكرت بأساً ، قالت : فلما كان بعد اعتلت ، قالت : فجاؤوني فقالوا لي : ما تقولين ؟ فقصصت عليهم القصة فقالت : فذكرت الحديث الذي روي عن عائشة أنهم يتزاورون في أكفانهم ، وقلت لهم : اذهبوا إلى رجلين من أهل الحديث بزازين ، يقال لأحدهما : ابن النيسابوري، والآخر أبو توبة فليشتريا لها كفناً ، قال : فذهبت البنت إلى الموضع الذي ذكرت ، ووضعت الكفن معها في كفنها ، فلما كان بعد ذلك رأت المرأة البنت في المنام ، قالت : يا بنية قد أتتنا فلانة ووصل إلي الكفن ما أحسنه وأوسعه أما إنه جزاك الله خيراً .

فصل

259- وخرج الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن درة بنت معاذ عن أم هانىء الأنصارية أنها سألت رسول الله أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضاً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تكون النسم طيراً تعلق بالشجر حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها " .
260- وخرج ابن أبي الدنيا من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن أبي كبشة عن أبيه عن جده قال : لما مات بشر بن البراء بن معرور وجدت عليه أم بشر وجداً شديداً ، فقالت : يا رسول الله لا يزال الهالك يهلك من بني سلمة فهل يتعارف الموتى ، فأرسل إلى بشر بالسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده يا أم بشر إنهم ليتعارفون كما تتعارف الطير في رؤوس الشجر " وكان لا يهلك هالك من بني سلمة إلا جاءت أم بشر ، فتقول : اقرأ على بشر السلام .
















الباب الثامن

فيما ورد من سماع الموتى كلام الاحياء ، ومعرفتهم بمن يسأل عليهم ، ويزورهم ومعرفتهم بحالهم بعد الموت ، وحال أقاربهم في الدنيا

261- أما سماع الموتى لكلام الأحياء ففي الصحيحين عن أنس عن [ أبي ]طلحة قال لما كان يوم بدر وظهر عليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر ببضعة وعشرين - وفي رواية أربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش فألقوا في طوى من أطواء بدر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟ فإني وجدت ما وعد ربي حقاً " فقال عمر : يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها فقال : " والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " وفي صحيح مسلم من حديث أنس نحوه من غير ذكر [ أبي ] طلحة ، وفي حديثه قال "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا " وفيه أيضاً عن أنس ، عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة بمعناها .
262- وفي الصحيحين عن ابن عمر قال : اطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أهل القليب فقال وجدتم ما وعد ربكم حقاً قيل له : أتدعو أمواتاً ؟ قال : " ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون " ! وفي رواية قال : " إنهم الآن يسمعون ما أقول " .
263- وقد أنكرت عائشة ذلك كما في الصحيحين عن عروة عن عائشة انها قالت: قال رسول الله عليه وسلم : " إنهم ليسمعون الآن ما أقول " وقد وهم - يعني ابن عمر-قال : إنهم ليعلمون الآن ما كنت أقول لهم إنه حق ثم قرأت قوله { إنك لا تسمع الموتى } ، {وما أنت بمسمع من في القبور } .
وقد وافق عائشة على نفي الموتى كلام الأحياء طائفة من العلماء ورجحه القاضي أبو يعلى من أصحابنا في كتاب الجامع الكبير له واحتجوا بما احتجت به عائشة ، وبأنه يجوز أن يكون ذلك معجزة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره ، وهو سماع الموتى كلامه.
264- وفي صحيح البخاري قال قتادة : أحياهم الله تعالى [ يعني أهل القليب ] حتى أسمعهم قوله توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندماً .
وذهب طوائف من أهل العلم وهم الأكثرون وهو اختيار الطبري وغيره - يعني بالطبري ابن جرير - وكذلك ذكره ابن قتيبة وغيره من العلماء ، وهؤلاء يحتجون بحديث القليب ، كما سبق ، وليس هو بوهم ممن رواه ، فإن ابن عمر وأبا طلحة وغيرهما ممن شهد القصة حكياه عن النبي صلى الله عليه وسلم .
265- وعائشة لم تشهد ذلك وروايتها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول لهم حق " يؤيد رواية من روى : إنهم ليسمعون ، ولا ينافيه ، فإن الميت إذا جاز أن يعلم جاز أن يسمع ، لأن الموت ينافي العلم كما ينافي السمع والبصر ، فلو كان مانعاً من البعض لكان مانعاً من الجميع .
266- وروى أبو الشيخ الأصبهاني يإسناده عن عبيد بن مرزوق قال : كانت امرأة بالمدينة يقال لها أم محجن تقم المسجد ، فقال : " التي كانت تقم المسجد ؟ " قالوا : نعم ، فصف الناس فصلى عليها ، ثم قال : " أي العمل وجدت أفضل " قالوا : يا رسول الله أتسمع ؟ قال : " ما أنتم بأسمع منها " ، فذكر أنها أجابته : قم االمسجد وهذا مرسل . وأما أن ذلك خاص بكلام النبي صلى الله عليه وسلم فليس كذلك ، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم " وقد سبق ذكره ، وسنذكر الأحاديث الواردة بسماع الموتى سلام من يسلم عليهم فيما بعد ، إن شاء الله .
وأما قوله : { إنك لا تسمع الموتى } وقوله { وما أنت بمسمع من في القبور } فإن السماع يطلق ويراد به إدراك الكلام وفهمه ، ويراد به أيضاً الانتفاع به والاستجابة له . والمراد بهذه الآيات نفي الثاني دون الأول ، فإن ها في سياق خطاب الكفار الذين لا يستجيبون للهدى ولا للإيمان إذا دعوا إليه كما قال الله تعالى : { ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها [ ولهم آذان لا يسمعون بها ] } الآية في نفي السماع والإبصار عنهم لأن الشيء قد ينفى لانتفاء فائدته وثمرته فإذا لم ينتفع المرء بما يسمعه ويبصره فكأنه لم يسمع ولم يبصر ، وسماع الموتى هو بهذه المثابة ، وكذلك سماع الكفار لمن دعاهم إلى الإيمان والهدى . وقول قتادة في أهل القليب : أحياهم الله حتى أسمعهم ، يدل على أن الميت لا يسمع القول إلا بعد إعادة الروح إلى جسده : وبذلك قال طوائف كثيرة من السلف لأنه لا يسأل في قبره إلا بعد إعادة الروح إلى جسده ، كما جاء ذلك مصرحاً به في حديث البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم الطويل ، وقد سبق ذكر بعضه وفيه في حق الكافر " وتعاد روحه في جسده " .
وفي مسند الإمام أحمد من حديث الأعمش عن المنهال عن زاذان عن البراء في حق المؤمن والكافر في كل منهما قال : " وتعاد روحه في جسده " وكذلك عند ابن منده إعادتها إلى جسده عند ضرب الملك له بعد أن يضربه فيصير تراباً من رواية يونس بن خباب عن المنهال ، وقد سبق ذلك كله .
267- وخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة قبض الروح والمساءلة وقال في روح الكافر : " فتصير إلى القبر " وقد سبق أيضاً .
268- وخرج ابن منده بإسناده ضعيف جداً عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة قبض الروح ، وفيه قال : " فيهبطون به يعني الروح على قدر فراغهم من غسله وأكفانه فيدخلون ذلك الروح بين جسده وأكفانه " . وهذا لا يثبت .
269- وخرج الخلال في كتاب " شرح السنة " من طريق أبي هاشم عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال : إن للمؤمن إذا نزل به الموت جاءه ملك الموت يناديه يا روح طيبة أخرجي من الجسد الطيب ، فإذا خرجت روحه لفت في خرقه حمراء ، فإذا غسل وكفن ، وحمل على السرير تحولت حتى يوضع في قبره فإذا وضع في قبره أجلس وجيء بالروح فجعلت فيه ، فقيل له : من ربك ، وما دينك ، ومن نبيك ؟ فيقول : ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم فيقال له : صدقت فيوسع له في قبره مد البصر، ثم ترفع روحه فتجعل في أعلى عليين ، ثم تلا عبد الله هذه الآية { إن كتاب الأبرار لفي عليين } .
270- وخرج ابن أبي الدنيا من طريق سالم بن أبي الجعد قال : قال حذيفة : الروح بيد ملك ، وإن الجسد ليغسل ، وإن الملك ليمشي معه إلى القبر ، فإذا سوي عليه سلك فيه ، وذلك حين يخاطب .
271- ومن طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : الروح بيد ملك يمشي مع الجنازة يقول : أسمع ما يقال لك فإذا بلغ حفرته دفن معه .
272- ومن طريق داود العطار عن أبي نجيح قال : ما من ميت يموت إلا وروحه بيد ملك ينظر إلى جسده كيف يغسل ويكفن ، ويمشي به إلى قبره ثم تعاد إليه روحه ، فيجلس في قبره . وكذلك قال أبو صالح وغيره من السلف في قوله تعالى : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم إليه ترجعون } فدل على أن الحياة الأولى هي القبر للسؤال , وإن كان الأكثرون خالفوا في ذلك فهؤلاء السلف كلهم صرحوا بان الروح تعاد إلى البدن عند السؤال ؛ وصرح بمثل ذلك طرائف من الفقهاء والمتكلمين من أصحابنا وغيرهم كقاضي أبى يعلى وغيره , وأنكر ذلك طائفة ابن حزم وغيره , وذكر أن السؤال للروح خاصة , وكذلك سماع الخطاب , وأنكر ألا تعاد الروح إلى الجسد في القبر للعذاب وغيره , وقالوا لو كان ذلك حقا للزم الإنسان أن يموت ثلاثة مرات ويحيى ثلاث مرات , والقرآن دل على أنهما موتتان وحياتان , وهذا ضعيف جداً ، فإن حياة الروح ليست حياة تامة مستقلةكحياة الدنيا وكالحياة الآخرة بعد البعث ، وإنما فيها نوع اتصال الروح في البدن بحيث يحصل بذلك شعور البدن وإحساس بالنعيم والعذاب وغيرهما وليس هو حياة تامة حتى يكون انفصال الروح به موتا تاماً وإنما هو شبيه بانفصال روح النائم عنه ورجوعها إليه فإن ذلك يسمى موتاً وحياة .
273- كما كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ : " الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا ، وإليه النشور " وسماه الله تعالى وفاة لقوله : { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى } الآية ومع هذا فلا ينافي ذلك أن يكون النائم حياً ، وكذلك اتصال روح الميت ببدنه وانفصالها عنه لا توجب أن يصير حياًّ حياة مطلقة وممن رجح هذا القول - أعني السؤال والنعيم والعذاب للروح خاصة - من أصحابنا ابن عقيل وأبو الفرج بن الجوزي في بعض تصانيفهما واستدل ابن عقيل بأن أرواح المؤمنين تنعم في حواصل طير خضر ، وأرواح الكفار في حواصل طير سود ، وهذه الأجساد تبلى فدل ذلك على أن الأرواح تنعم وتعذب في أجساد أخر ، وهذا لا حجة فيه لأنه لا ينافي اتصال الروح ببدنه أحياناً مع فناءه واستحالته . وتستدل طائفة ممن ذهب إلى هذا القول بما .
( 274 ) روي منصور بن عبد الرحمن عن أمه قال : دخل ابن عمر المسجد وابن الزبير قد قتل وصلب فقيل له : هذه أسماء بنت أبي بكر في المسجد فقال لها : اصبري فإن هذه الجثة ليست بشيء وإنما الأرواح عند الله . فقالت : وما يمنعني من الصبر وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل .
275- وروى ابن أبي الدنيا من طريق ابن عمر صاحب السفلي قال : نزل ابن عمر إلى جانب قبور دارسة فنظر إلى قبر منها ، فإذا هو بجمجمة بادية ، فأمر رجلاً فواراها ، قال : إن هذه الأبدان ليس يضرها الثرى شيئاً ، وإنما الأرواح التي تعاقب وتثاب إلى يوم القيامة .
276- وروى محمد بن سعد عن الواقدي حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال : لما انهزمت الروم يوم أجنادين انتهوا إلى موضع لا يعبره إلا إنسان فجعلت الروم تقاتل عليه ، فتقدم هشام بن العاص فقاتلهم حتى قتل ووقع على تلك الثلمة فسدها ، فلما انتهى المسلمون إليها هابوا أن يوطؤه الخيل فقال عمر بن العاص إن الله قد استشهده ورفع روحه وإنما هو جثة فأوطئوه الخيل ، ثم أوطأه وتبعه الناس حتى قطعوه . وهذه الآثار لا تدل على أن الرواح لا تتصل بالأبدان بعد الموت إنما تدل على أن الأجساد لا تتضرر بما ينالها من عذاب الدنيا ، وإنما هو من نوع آخر يصل إلى الميت بمشيئة الله وقدرته وقولهم : الأرواح عند الله تعالى تعاقب وتثاب لا ينافي أن تتصل بالبدن أحياناً فيحصل بذلك إلى الجسد نعيم أو عذاب ، وقد تستقل الروح أحياناً بالنعيم والعذاب أما عند إستحالة الجسد أو قبل ذلك ، وقد أثبت طائفة أخرى النعيم والعذاب للجسد بمجرده من غير اتصال الروح له ، وممن ذكر ذلك من أصحابنا : ابن عقيل في كتاب الإرشاد ، وابن الزاغوني وحكي عن ابن جرير الطبري أيضاً ، وذكر القاضي أبو يعلى أنه ظاهر كلام الإمام أحمد فإنه قال في رواية حنبل : أرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الكفار في النار ، والأبدان في الدنيا يعذب الله من يشاء ، ويرحم من يشاء منها بعفوه . قال القاضي : ظاهر هذا إن الأرواح تعذب وتنعم على الإنفراد ، وكذلك الأبدان إذا كانت باقية أدى إلى الأجزاء التي استحالت ، قال : ولا يمنع أن يخلق في الأبدان إدراك تحس به النعيم والعذاب ، كما خلق في الجبل لما تجلى له ربه ثم جعله دكاً. وقال القاضي أبو الحسين : ولأنه لما لم يستحل نطق الذراع المسموم ، ولم يستحل عذاب الجسد البالي وإيصال العذاب إليه بقدرة الله تعالى . وقد يستدل لهذا بأن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم كلم أهل القليب : كيف تكلم أجساداً لا أرواح فيها ؟ فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، وإنما قال : " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " فدل على أن سماعهم حصل على أجساد لا أرواح فيها . وقد دل القرآن على سجود الجمادات وتسبيحها لله تعالى وخشوعها له ، فدل على أن فيها حياة تحييها وإدراكاً فلا يمنع مثل ذلك في جسد ابن آدم بعد مفارقة الروح له ، والله أعلم ، ويدل على ذلك ما أخبر الله من شهادة الجلود والأعضاء يوم القيامة . وما روي عن ابن عباس في اختصام الروح والجسد يوم القيامة فإنه يدل على أن الجسد يخاصم الروح ويكلمها وتكلمه ، ومما يدل على وقوع العذاب على الأجساد الأحاديث الكثيرة في تضييق القبر على الميت حتى تختلف أضلاعه ، ولأنه لو كان العذاب على الروح خاصة لم يختص العذاب بالقبر ولم ينسب إليه .


فصل

277- وأما معرفة الموتى بمن يزورهم ويسلم عليهم فروى محمد بن الأشعث عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال أبو رزين : يا رسول الله إن طريقي على الموتى فهل من كلام أتكلم به إذا مررت عليهم ؟ قال : " قل السلام عليكم يا أهل القبور من المسلمين والمؤمنين ، أنتم لنا سلف ، ونحن لكم تبع ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " قال أبو رزين : يا رسول الله يسمعون ؟ قال : " يسمعون ، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا " قال : " يا أبا رزين ألا ترضى أن يرد عليك من الملائكة " خرجه العقيلي وقال : لا يعرف هذا اللفظ إلا بهذا الإسناد ، ومحمد بن الأشعث مجهول في النسب والرواية ، وحديثه غير محفوظ .
278- وروى الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي عن عطاء عن عبيد الله بن عمير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه ويلم : " ما من أحد يمر على قبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا يسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام " خرجه ابن عبد البر ، وقال عبد الحق الإشبيلي : إسناده صحيح ، يشير إلى أن رواته كلهم ثقات ، وهو كذلك ، إلا أنه غريب بل منكر .
279- وقد روى عبد الأعلى بن عبد الله بن فروة عن قطن بن وهب عن عبيد بن عمير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف على مصعب بن عمير حين رجع من أحد ، فوقف عليه وعلى أصحابه فقال : " أشهد أنكم أحياء عند الله فزوروهم وسلموا عليهم فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة " خرجه البهيقي والحاكم وصححه ، ورواه عمرو بن صهبان عن معاذ بن عبد الله عن قطن بن وهب عن عبيد بن عبيد مرسلاً ، ورواه يحيى بن العلاء عن عبد الأعلى بن أبي فروة عن قطن بن وهب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم خرجه الطبراني ، وذكر ابن عمر فيه وهم ، وروي عن عبيد بن عمير عن أبي ذر ولعل المرسل أشبه ، وبالجملة أشبه ، وبالجملة فهذا إسناد مضطرب ، ومتنه مختص بالشهداء وهذا أشبه من حديث بشر بن بكر .
280- وروى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من عبد يمر على قبر رجل مسلم يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام " عبد الرحمن بن زيد فيه ضعف وقد خولف في إسناده .
281- وفي رواية هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة موقوفاًٍ ، وزاد فيه : " وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام " .
282- ورواه عبد الله عن ابن سمعان - وهو متروك - عن زيد بن أسلم عن وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس ورد عليه حتى يقوم " خرجهما ابن أبي الدنيا في كتاب القبور .
وخرج في كتاب من عاش بعد الموت من رواية عطاء بن خالد حدثتني خالتي قالت : ركبت يوماً إلى قبور الشهداء فنزلت عند قبر حمزة رضي الله عنه وما في الوادي داع ولا مجيب يتحرك إلا غلاماً قائماً آخذاً برأس دابتي ، فلما فرغت من صلاتي قلت بيدي هكذا : سلام عليكم فسمعت رد السلام يخرج علي من تحت الأرض أعرفه كما أعرف أن الله خلقني ، وكما أعرف الليل من النهار فاقشعرت كل شعرة مني .
282- وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن شماسة المهري : أن عمرو بن العاص لما حضره الموت قال في وصيته : إذا دفنتموني فسنوا على التراب سناً ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها ، حتى أستأنس بكم ، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي .
284وروى ابن أبي الدنيا من طريق مسمع بن عاصم قال : رأيت عاصماً الجحدري في منامي بعد موته بسنتين فقلت : هل تعلمون بزيارتنا إياكم قال : نعلم بها عشية الجمعة ويوم الجمعة كله ويوم السبت إلى طلوع الشمس ، قلت : وكيف دون الأيام كلها ؟ قال : بفضل يوم الجمعة وعظمته .
285- ومن طريق حسن القصاب قال : كنت أغدو مع محمد بن واسع كل غداة سبت حتى نأتي الجبان ، ثم يأتي القبور فيسلم عليهم ويدعو لهم فينصرف فقلت له : لو صيرت هذا اليوم يوم الإثنين ؟ فقال إن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوماً قبله ويوماً بعده . وبإسناد فيه ضعف عن الضحاك : من زار قبراً يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته ، قيل : له و كيف ذلك ؟ قال : لمكان يوم الجمعة .
286- وبإسناد صحيح عن أبي التياح قال : كان مطرف يبدو فإذا كان يوم الجمعة أدلج قال : فأقبل حتى إذا كان عند المقابر هوم على فرسه فرأى كأن أهل القبور كل صاحب قبر جالس على قبره فقالوا : هذا مطرف يأتي يوم الجمعة فقلت : تعلمون عندكم يوم الجمعة ؟ قالوا : نعم ، ونعلم ما تقول فيه الطير . قال : قلت : وما تقول فيه الطير ؟ قال : يقولون : سلام سلام يوم صالح .
287- قال ابن أبي الدنيا : وحدثني إبراهيم بن سيار الكوفي حدثني لفضل بن الموفق قال : كنت آتي قبر أبي كثير قال : فشهدت جنازة فلما قبر صاحبها تعجلت لي حاجة ولم آت قبر أبي قال : فرأيته في النوم ، فقال : يا بني لم لم تأتني ؟ فقلت : يا أبت فإنك لتعلم بي . قال : إي والله ، إنك لتأتيني فما أزال أنظر إليك من حين تطلع من القنطرة حتى تقعد إلي وتقوم من عندي فما أزال أنظر إليك حتى تجوز القنطرة .
288- قال : وحدثني إبراهيم بن سيار حدثنا أبو المشيد قال : قالت تماضر بنت سهل امرأة أيوب بن عبيد جاءتني ابنة سفيان بن عيينة فقالت : أين عمي أيوب ؟ قلت : في المسجد ، فلم ألبث أن جاءت فقالت لي : يا عمي رأيت أبي سفيان في النوم فقال : جزى الله أخي أيوب عني خيراً فإنه يزورني كثيراً ، وقد كان عندي اليوم ، فقال أيوب : نعم ، حضرت جنازة اليوم ، فذهت إلى قبره .
289- حدثنا محمد بن الحسين حدثنا يحيى بن أبي بكر حدثني الفضل بن موفق ابن خال سفيان بن عيينة قال : لما مات أبي جزعت عليه جزعاً شديداً ، فكنت آتي قبره كل يوم ثم إني قصرت من ذلك ما شاء الله ثم إني أتيته يوماً فبينما أنا جالس عند القبر غلبتني عيناي فنمت ، فرأيت كأن قبر أبي انفجر ، وكأنه قاعد في قبره متوشح بأكفانه عليه سحنة الموتى . قال : فبكيت لما رأيته ، فقال : يا بني ما أبطأ بك عني ؟ قال : قلت : وإنك لتعلم بمجيئي ؟ قال لي : ما جئت من مرة إلا علمتها ، وقد كنت تأتيني فأسر بك ويسر من حولي بدعائك . قال : فكنت آتيه بعد كثيراً .
290- قال : وحدثني محمد بن بسطام حدثني عثمان بن سودة الطفاوي وكانت أمه من العابدات وكان يقال لها راهبة ، فماتت ، فكن
ت آتيها كل جمعة فأدعو لها واستغفر لها ولأهل القبور قال : فرأيتها ذات ليلة في منامي ، فقلت لها : يا أماه كيف أنت ؟ فقالت : يا بني إن للموت كربة شديدة ، وإنا بحمد الله تعالى لفي برزخ محمود ، يفرش فيه الريحان ويوسد فيه السندس والإستبرق إلى يوم النشور . فقلت : ألك حاجة ؟ فقالت : نعم ، قلت : وما هي ؟ قالت : لا تدع ما كنت تصنع من زيارتنا ، والدعاء لنا ، فإني لأبشر بمجيئك يوم الجمعة إذا أقبلت من أهلك ، فيقال : يا راهبة ، هذا ابنك قد أقبل ، فأسر بذلك ، ويسر من حولي من الأموات .
291- وقال الحافظ أبو الطاهر السلفي : سمعت أبا البركات عبد الواحد بن عبد الرحمن بن غلاب السوسي بالإسكندرية يقول : يا بنتي إذا جئتيني زائرة فاقعدي عند قبري ساعة أتملى من النظر إليك ، ثم ترحمي علي ، فإذا ترحمت علي صارت الرحمة بيني وبينك كالحجاب ثم شغلتني عنك .
292- قلت : وأنبأني علي بن عبد الصمد بن أحمد البغدادي عن أبيه قال : أخبرني قسطنطين بن عبد الله الرومي قال : سمعت الأسد بن موسى قال : كان لي صديق فمات ، فرأيته في النوم وهو يقول لي : سبحان الله جئت إلى قبر فلان صديقك قرأت عنده وترحمت عليه ، وأنا ما جئت إلي ولا قربتني ، قلت له : وما يدريك ؟ قال : لما جئت إلى قبر فلان صديقك رأيتك . قلت : كيف رأيتني والتراب عليك ؟ قال : أما رأيت الماء إذا كان في الزجاج أما يتبين ؟ قال : كذلك نحن نرى من يزورنا .





فصل

293- وأما معرفة الموتى بحالهم في الدنيا قبل الدفن فروى سعيد بن عمرو بن سليم قال : سمعت رجلاً منا يقال له : معاوية بن فلان أو ابن معاوية قال : سمعت أبا سعيد الخدري يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الميت يعرف من يغسله ومن يكفنه ومن يحمله ومن يدليه في قبره : فقال ابن عمر وهو في المجلس : ممن سمعت هذا ؟ قال من أبي سعيد الخدري فقام ابن عمر إلى أبي سعيد الخدري فقال : ممن سمعت هذا ؟ قال : من رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الإمام أحمد.
294- وروى ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات بإسناده عن سالم بن أبي الجعد قال : قال حذيفة : الروح بيد ملك وإن الجسد ليغسل وإن الملك ليمشي معه إلى القبر .
295- وبإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : الروح بيد ملك يمشي مع الجنازة يقال له : اسمع ما يقال لك ، فإذا بلغ حفرته دفنه معه .
296- وبإسناده عن مجاهد : إذا مات الميت فملك قابض نفسه فما من شيء إلا وهو يراه عند غسله وعند حمله حتى يصل إلى قبره .
297- وبإسناده عن بكر المزني قال : بلغني أنه ما من ميت إلا وروحه بيد ملك الموت ، فهم يغسلونه ويكفنونه وهو يرى ما يصنع أهله فلو أنه يقدر على الكلام لنهاهم عن الرنة والعويل .
298- وعن ابن السماك . قال سمعت سفيان يقول : إنه ليعرف كل شيء - يعني الميت - وإنه ليناشد غاسله بالله ألا خففت غسلي .
299- وعن السماك قال : غسل سفيان الثوريي أبي ، فلما غسله قال : إنه الآن يرى ما يصنع به قال : حدثني أبو إسحاق الأودى ، ومات ابن له ، وكان ناسكاً قال : أخبرنا بعض أصحابنا قال : رأيته في النوم ، فقال : ألم تر إلى ما ظهر من جميل الستر وحسن الثناء في الجنازة . قال : قالت : فقد علمت ذلك قال ما غاب عني منه شيء أو نحو هذا . وروى في كتاب القبور بإسناده عن بكر المزني قال : حدثت أن الميت ليستبشر بتعجيله إلى المقابر . وأن أهله ليغسلونه ويكفنونه وإن روحه لترى ما يصنعون به ، ثم سبقت بكراً عبرته .
300- وبإسناده عن ابن أبي نجيح قال : ما من ميت يموت إلا روحه في يد ملك ينظر إلى جسده كيف يغسل ويكفن وكيف يمشي به إلى قبره .
301- وعن سفيان الثوري قال : يقال له وهو على سريره : اسمع ثناء الناس عليك .
302- وعن عمرو بن دينار قال : ما من ميت يموت إلا وهو يعلم ما يكون في أهله بعد وإنه يغسلونه ويكفنونه وإنه لينظر إليهم .


فصل

303- وأما معرفة الموتى في قبورهم بحال أهليهم وأقاربهم في الدنيا فروى ابن أبي الدنيا في أول كتاب المنامات : حدثنا عبد الله بن شبيب حدثنا أبو بكر بن شيبة الحزامي حدثنا فليح بن إسماعيل حدثنا محمد بن جعفر عن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله عليه وسلم : " لا تفضحوا أقاربكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور ".
304- وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا سفيان عمن سمع أنساً يقول : قال رسول الله عليه وسلم : " إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم فإن كان خيراً استبشروا وإن كان غير ذلك قالوا : اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا " .
305- وقال أبو داود الطيالسي حدثنا الصلت بن دينار عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أعمالكم تعرض على أقاربكم في قبورهم فإن كان خيراً استبشروا وإن كان غير ذلك قالوا : اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك " .
306- وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق يحيى بن صالح الويحاضي حدثنا إسماعيل السكري سمعت مالك بن أنس يقول : سمعت النعمان بن بشير وهو على المنبر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل الذباب تمور في جوها ، فالله الله في إخوانكم من أهل القبور ، فإن أعمالكم تعرض عليهم " .
307- ومن طريق المبارك عن ثور بن يزيد عن أبي رهم عن أبي أيوب قال : تعرض أعمالكم على الموتى ، فإن رأوا حسناً فرحوا واستبشروا وقالوا : اللهم فهذه نعمتك على عبدك فأتمها عليه ، وإن رأوا سيئة قالوا : اللهم راجع به .
308- ومن طريق المبارك أيضاً عن صفوان بن عمير عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير أن أبا الدرداء كان يقول : إن أعمالكم تعرض على أمواتكم فيسرون ويساءون .
309- وكان أبو الدرداء يقول عند ذلك : اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملاً أخزى به عند عبد الله بن رواحه .
310- ومن طريق بلال بن أبي الدرداء قال : كنت أسمع أبا الدرداء وهو ساجد يقول : اللهم إني أعوذ بك أن يمقتني خالي ابن رواحه إذا لقيته .
311- وقال في كتاب القبور : بلغني عن أحمد بن أبي الحواري قال : حدثني محمد بن أخي قال : دخل عباد بن عباد على إبراهيم بن صالح وهو أمير على فلسطين فقال له : ما أعظك أصلحك الله ، بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى فانظر ماذا يعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمك ، قال : فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه على لحيته .
312- وروى ابن المبارك بإسناده عن سعيد بن جبير : أنه سئل هل يأتي الموتى أخبار الأحياء ؟ قال : نعم ما من أحد له حميم إلا ويأتيه أخبار أقاربه ، فإن كان خيراً سر به ، وإن كان شراً ابتأس وحزن حتى إنهم ليسأون عن الرجل قد مات فيقال : ألم يأتكم ؟ فيقولون : لا ، قد خولف به إلى أمه الهاوية .
313- وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء بإسناده عن عبيد بن سعد عن أبي أيوب الأنصاري قال : غزونا حتى انتهينا إلى القسطنطينية فإذا قاص يقول من عمل صالحاً من أول النهار عرض على معارفه إذا أمسى من أهل الآخرة ، ومن عمل عملاً من أول الليل عرض على معارفه إذا أصبح من أهل الآخرة . فقال له أبو أيوب : أيها القاص ما تقول ؟ فقال : والله إن ذلك كذلك . فقال : اللهم لا تفضحني عند عبادة بن الصامت ولا عند سعد فيما عملت بعدهما .
314- وروى ابن شاهين من رواية الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عدي بن اكتار عن أبيه إن شاء الله وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظمونه . لما احتضر فقال : يا بني اذكروا الله أن تعملوا عملاً يعمر وجهي فإن عمل الأبناء يعرض على الآباء بعد ، فقال القاص : والله ما كتب الله ولايته إلا ستر عليه .
315- أخرج البزار في مسنده : حدثنا يوسف حدثنا عبد المجيد عن عبد العزيز بن أبي رواد عن سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام " .
316- قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم ، فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم " وقال : لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا بهذا الإسناد .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تعرض عليه صلاة أمته يوم الجمعة من حديث أوس وأبي الدرداء وأبي هريرة وابن مسعود وأبي أمامة وأنس وغيرهم ، وأشهرها حديث أوس والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم " حياتي خير لكم " إلى آخر الكلام فقد رواه حماد بن زيد عن غالب عن بكر المزنى مرسلاً .
317- وروى ابن أبي الدنيا عن محمد بن الحسين عن خالد بن عمرو القرشي حدثني صدقة بن سليمان الجعفري قال : كانت لي شرة سمجة فمات أبي فأنبت وندمت على ما فرطت ، ثم قال أيضاً زللت فرأيت أبي في المنام ، فقال أي بني ما كان أشد فرحي بك وأعمالك تعرض على فلنشبهها بأعمال الصالحين فلما كان هذه المرة استحييت حياء شديداً فلا تحزني فيمن حولي من الأموات ، قال خالد : كان بعد ذلك قد خشع وتنسك فكنت أسمعه يقول في دعائه في السحر - وكان لنا جار في الكوفة - أسألك إنابة لا رجعة فيها يا مصلح الصالحين وهادي الضالين وراحم المذنبين .
318- روي من طريق ثابت عن شهر بن حوشب أن صعب بن جثامة وعوف بن مالك كانا متواخيين قال صعب لعوف : أي أخي أينا مات قبل صاحبه فليتراي له قال : أو يكون ذلك ؟ قال : نعم فمات صعب ، فرآه عوف فيما يرى النائم كأنه أتاه قال : فقلت له : أي أخي ما فعل بكم . قال : غفر لنا بعد المساوي . قال : ورأيت لمعة سوداء في عنقه . فقلت له : أي أخي ما هذا ؟ قال : عشرة دنانير استلفتها من فلان اليهودي ، فهي في قرني فأعطها إياه ، واعلم أخي أنه لم يحدث بأهلي حدث بعدي إلا قد لحق بي خبره حتى هرة ماتت منذ أيام ، واعلم أن إبنتي تموت لستة أيام فاستوصوا بها معروفاً فلما أصبحت قلت إن في هذا لمعلماً ، فأتيت أهله فقال : مرحباً بعوف ، هكذا تصنعون بتركة إخوانكم ، لم تقربنا منذ مات صعب . قال : فاعتللت ، فيما يعتل به الناس قال : فنظرت إلى القرن فانتشلت ما فيه ، فبدرت الصرة التي فيها الدنانير ، فبعثت إلى اليهودي فجاء ، فقلت : هل لك على صعب شيء . قال : رحم الله صعباً ، كان من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هي له . قلت : لتخبرني قال : نعم أسلفته عشرة دنانير فنبذتها إليه فقال : هي والله بأعيانها قال : قلت : هذه واحدة . قلت هل حدث فيكم حدث بعد موته ؟ قالوا : نعم ، هرة لنا ماتت منذ أيام . قلت : هاتان ثنتان قلت : أين ابنة أخي قالوا : تلعب فأتيت بها فلمستها فإذا هي محمومة ، قلت : استوصوا بها خيراً ، فماتت لستة أيام .
319- وقد رويت هذه القصة على وجه آخر وهو أشبه فروى ابن المبارك في كتاب الزهد عن أبي بكر عن عطية بن قيس عن عوف بن مالك الأشجعي وكان مواخياً لرجل من قيس يقال له : محكم ، ثم إن محكماً حضره الموت ، فأقبل عليه عوف فقال يا محكم إذا أنت وردت فارجع إلينا فأخبرنا بالذي صنع بك ، فقال محكم : إن كان يكون لمثلي فعلت ، فقبض محكم ، ثم ثوى عوف بعده عاما فرآه في منامه ، فقال : يا محكم ما صنعت وما صنع بك ؟ فقال له : وفينا أجورنا قال : كلكم قال : كلنا إلا خواص هلكوا في الشر الذين يشار إليهم بالأصابع ، والله لقد وفيت أجري كله حتى وفيت أجر هرة ضلت لأهلي قبل وفاتي بليلة . فأصبح عوف ، فغدا على امرأة محكم . فلما دخل قالت : مرحباً زوار صعب بعد محكم قال عوف هل رأيت محكماً منذ توفي قالت : نعم رأيته البارحة ونازعني ابنتي ليذهب بها معه ، فأخبرها عوف بالذي رأى وما ذكر عن الهرة التي ضلت فقالت : لا أعلم بذلك ، خدمي أعلم بذلك فدعت خدمها فسألتهم فأخبروها أنها ضلت لهم هرة قبل موت محكم بليلة . ومحكم هو ابن جثامة أخ لصعب والله أعلم .
320- وروى هشام بن عمار عن صدقة بن خالد بن يزيد عن جابر عن عطاء الخرساني حدثتني ابنة جابر بن قيس بن شماس أن ثابتاً قتل يوم اليمامة وعليه درع له نفيسة فمر به رجل من المسلمين فأخذها فبينا رجل من المسلمين ، نائم إذ أتاه ثابت في منامه فقال له إني أوصيك بوصية وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعها ، إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي و منزله في أقصى الناس وعند خباءه فرس يستل في طوله وقد كفى على الدرع برمة وفوق البرمة رحل فأت خالداً فمره أن يبعث إلي درعي فيأخذها فإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له إن علي من الدين كذا وكذا وفلان من رقيقي عتيق وفلان ، فأتى الرجل خالداً فبعث إلي الدرع وأتى بها وحدث أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته ولا نعلم أحداً أجيزت وصيته بعد ثابت رحمة الله عليه . قلت : مثل الرؤية الصادقة تورث ظناً قوياً أقوى من إخبار رجل أو رجلين فيجوز للوصي وغيره الاعتماد عليها في الباطن كما إذا علم الوصي بدين على الموصي غير ثابت في الظاهر فإن له قضاءه وإذا رأى الإمام إنفاذ ذلك ظاهراً كان فيه إقتداء بالصديق رضي الله عنه .
321- قال ابن أبي الدنيا : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي حدثنا أبي عن أبي بكر بن عياش عن حفاركان في بني أسد قال : فمررت بالحفار فحدثني كما حدثني أبو بكر عنه قال : كنت أنا وشريك لي نتحارث في مقبرة بني أسد قال : فإني لليلة في المقابر إذ سمعت قائلاً يقول من قبر يا عبد الله قال مالك يا جابر قال غداً تأتينا آمناً قال : وما ينفعها لا تصل إلينا إن أبي قد غضب عليها وحلف أن لايصلي عليها ، فجعلا يكرران ذلك مراراً فجئت شريكي فجعل يسمع الصوت ولا يفهم الكلام ، فلقنته إياه ثم تفهمه ففهمه ، فلما كان من الغد جاءني رجل فقال : احفر لي ها هنا قبراً بين القبرين الذين سمعت منهما الكلام . قلت : اسم هذا جابر واسم هذا عبد الله ؟ قال : نعم . فأخبرته بما سمعت . قال : نعم ، قد كنت حلفت أن لا أصلي عليها ، لا جرم لأكفرن عن يميني ولأصلين عليها ولأترحمن عليها قال : ثم مر بي بعد ، وبيده عكاز وإداوة فقال : إني أريد الحج لمكان يميني تلك.
322- وقال أبو الفرج بن الجوزي الحافظ : حدثني الشيخ أبو الحسن اليراديسي عن بعض العدول أن رجلاً رأى في منامه قاضي القضاة أبا الحسن الزينبي فقال له ما فعل الله بك قال : غفر لي ثم أنشد شعراً :
وإن امرءاً ينجو من النار بعدما تزود من أعمالها لسعيد
ثم قال : قل لفلان وفلان رجلين كانا وصيين له : لم تضيقون صدر فلانة وفلانة وفلانة ، فسمى ثلاث سراري له ، ولم أسمع بأسمائهن إلا في هذا المنام فلقي الرجل الوصيين فذكر لهما ذلك فقالا : سبحان الله ، لقد كنا البارحة نتحدث في المسجد في التضييق عليهن .
323- كما في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدموني وإن كانت غير صالحة قالت [ لأهلها ] : يا ويلها أين تذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمع الإنسان لصعق " وقد تقدم في حديث أنس وغيره " أن الميت إذا ضرب في قبره بمطاقي من حديد يصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين " وقد ورد في حديث مرفوع لا يصح : غير وصية لا يؤذن له بالكلام إلى يوم القيام .

فصل
وقد ذكرنا فيما تقدم من كلام الموتى ورد السلام عليهم ولا ينافي هذا قوله صلى الله عليه وسلم " ولا يستطيعون أن يجيبوا " لأن المراد نفي الإجابة المعهودة التي يسمعها الأحياء ، وقد ثبت تكلم الموتى



324- من رواية أبي محمد الكوفي عن ابن المنكدر عن جابر مرفوعا ً. " من مات من غير وصية لا يؤذن له في الكلام إلى يوم القيامة " قالوا يا رسول الله ويتكلمون قبل يوم القيامة ؟ قال نعم ويزور بعضهم بعضاً " . قال أبو أحمد الحاكم : هذا حديث منكر وأبومحمد هذا رجل مجهول .
325- وروى ابن أبي الدنيا حدثنا محمد بن الحسين حدثنا سعيد بن خالد بن يزيد الأنصاري عن رجل من أهل البصرة من كان يحفر القبور قال : حفرت قبراً ذات يوم ووضعت رأسي قريباً منه ، فأتاني امرأتان في منامي ، قالت إحداهما : يا عبد الله نشدتك الله إلا صرفت عنا هذه المرأة ولم تجاورنا بها . قال : فاستيقظت فزعاً ، فإذا بجنازة امرأة قد جيء بها فقلت : القبر وراءكم ، فصرفتهم إلى غير القبر فلما كان الليل إذا أنا بالمرأتين تقول لي إحداهما جزاك الله عني خيراً فلقد صرفت عنا شراً طويلاً . قلت : فما بال صاحبتك لا تكلمني كما كلمتني أنت ؟ قالت : إن هذه ماتت من غير وصية وحق لمن مات عن غير وصية أنه لا يتكلم إلى يوم القيامة
رد مع اقتباس