الجزء الرابع والاربعون
" لأجلك"
توقفت سيارة مازن في احد مواقف ذلك المبنى الكبير الذي يخص مشفى العاصمة.. واغلق محركها ليغادرها بهدوء .. ويسير بين المواقف متوجها نحو المبنى..لا يعلم لم جاء الى هنا؟.. لا يعرف كيف قادته قدماه الى هذا المكان بالذات بعد ان كان يهيم على وجهه في الشوارع والطرقات وهو يقود سيارته من غير هدى.. ربما لان شخص ما بداخل هذا المكان هو اقرب الناس الى ملاك.. وربما لحاجته الى الحديث عن ما يكنه بداخله الى شخص ما يفهم ملاك جيدا وينصحه بما عليه ان يفعله ..
صحيح انه متخوف من ردة الفعل التي سيواجهها من عمه عندما يعلم بالامر كله وبما جرى في فترة غيابه عنهم.. لكن عليه ان يواجهها طال الزمان او قصر.. ولو اخبره هو ربما يكون الامر افضل.. او ربما .. ينقلب الامر عليه برمته وينضم شخص آخر الى قائمة الراغبين منه ان يترك ملاك وينفصل عنها..
وابعد كل تلك الافكار عن رأسه وهو يسير بين ممرات المشفى وفد وضع كفيه في جيبي بنطاله.. وما ان وصل الى المصعد حتى استقله الى الطابق الثالث.. ومن ثم غادره ليتوجه الى غرفة عمه..وتوقف امامها وهو يرفع كفه ببطء ليطرق بابها بهدوء..وجاءه صوت خالد من الداخل وهو يقول: ادخل..
توقف مازن امام الباب دون ان يجرأ على الدخول.. شعر بتردد كبير وهو يجد ان يداه لا تقوى على فتح الباب و الدخول الى الغرفة..فكيف يمكنه ان سيفسر مجيئه الى هنا؟.. وكيف يمكنه ان يوضح كل ما حدث لعمه دون خوف من ردة فعله؟.. وهو في النهاية والد ملاك وبالتأكيد سيكون في صفها و...
قاطعه فتح الباب فجأة وصوت خالد من خلفه وهو يقول بحيرة: مازن..ما الذي جاء بك الآن؟.. لا يزال الوقت ظهرا.. ثم لم تقف هكذا ولم تدخل؟..هيا ادخل..
دلف مازن الى الغرفة وقد شعر بتردده يزداد مع كل خفقة من خفقات قلبه..في حين تطلع له خالد وهو يجلس على فراشه متسائلا في حيرة: لم تقل لي بعد ..ما الذي جاء بك الى هنا؟..
التقط مازن نفسا عميقا وقال:في الحقيقة.. اردت الحديث معك..
اشار له خالد بأن يجلس قائلا: حسنا اجلس.. لم تقف هكذا؟ ..
جلس مازن وهو يشعر بتردد كبير يرغمه على عدم النطق بأي حرف.. ما الذي يريد ان يقوله لعمه؟.. تزوجت من ابنتك دون علمك حتى احمي املاكها وكنت قد اتفقت مع والدي على طلاقها بعد ان تنهض انت.. لكني الآن غيرت رأيي بعد ان احببتها..
ولما طال تردده وصمته .. اراد خالد ان يفتح موضوع للحديث بينهما لعل مازن يرتاح اليه ويتحدث فيما جاء لأجله.. فقال بابتسامة: علمت بأنك تدير الشركة التي املكها..
لومأ مازن برأسه وقال بهدوء: بلى..
تسائل خالد ببعض الاهتمام:و كيف وجدت العمل فيها؟..
ابتسم مازن هذه المرة وهو يقول: اكثر متعة من العمل مع والدي في شركته.. فعلى الاقل شركتك تدخل في مجال التخصص التي كنت ادرسه..
- لقد اخبرتني ملاك شيئا كهذا..
قال مازن بدهشة: حقا؟..
قال خالد وهو يتطلع اليه بحيرة: اجل ..وماذا في هذا؟..لقد اخبرتني بأن العمل في شركتي يدخل في مجال دراستك..
صمت مازن قليلا وهو يطرق برأسه ويتطلع الى خاتم الخطبة الذي يحتل اصبعه بتردد.. ومن ثم قال وهو يرفع راسه فجأة وقد حسم موقفه: عمي لقد جئت اليوم اتحدث اليك فيه عن امر.. ربما ستعرفه فيما بعد.. لكني فضلت ان اتحدث اليك فيه اليوم بنفسي.. حتى اطلب منك المشورة..وكذلك لكي تساعدني.. لان.. ملاك ابنتك..
ارتفع حاجبا خالد وقال بدهشة: وما دخل ملاك في الموضوع؟ ..
ومن ثم اردف بتوتر: هل اصاب ابنتي شيء ؟.. هل حدث لها امر ما؟.. اخبرني هل هي بخير؟..
قال مازن في سرعة مهدئا: انها بخير .. لا تقلق عليها.. ولكن الموضوع لا يعنيها وحدها.. بل يتعلق بي انا ايضا..
عقد خلد حاجبيه وقال وقد شعر بالقلق من هذا الموضوع: اخبرني به ولا داعي لكل هذه المقدمات..
قال مازن وهو يتحاشى النظر الى عيني عمه: في الحقيقة يا عمي .. اثناء اصابتك بالغيبوبة.. حدثت الكثير من الامور.. وكثير من مخططات عمي عادل وفؤاد تجاه ملاك.. ولهذا لم نجد امامنا حل الا ان نحميها منهم بطريقة واحدة اقترحها علي والدي ..
قال خالد وقد ازداد انعقاد حاجبيه: وما هي تلك الطريقة؟..
خلع مازن الخاتم من اصبعه ورفعه امام ناظري عمه ليقول بتوتر واضطراب: ان اتزوج ملاك...
اتسعت عينا خالد بصدمة وهو يتطلع الى مازن والى ذلك الخاتم الذي يمسك به هذا الاخير.. وهتف قائلا بانفعال: ماذا قلت؟ ..
وقبل ان يجيبه مازن اختطف خالد الخاتم من بين اصابعه في قسوة .. وتطلع الى تاريخ عقد الزواج الذي حفر عليها.. والى اسم ملاك المجاور للتاريخ..
وضغط على الخاتم بكل ما يملك من قوة وهو يشعر بغضب اخذ يتملك كيانه جعله يقول : اهذه مزحة سخيفة ام ماذا؟..
هز مازن رأسه نفيا وقال بحذر وبطء: لا.. ليست مزحة.. بل حقيقة.. وهذا ما جئت احادثك بشأنه و...
قاطعه خالد وهو يصرخ في وجهه قائلا: اهذه هي الامانة التي تركتها في عنق والدك؟..
واردف بثورة وهو يقف منقضا على مازن وهو يمسك به من ياقة قميصه ويجبره على الوقوف: اهذا جزائي عندما طلبت منك حمايتها يا مازن؟ .. استغليتها لكي تتزوج منها..
قال مازن بارتباك وهو يحاول ان يخلص نفسه من قبضة عمه: اهدئ يا عمي.. الامر لم يتجاوز عقد قران.. ثم .. لم يستغلها احد .. لقد وافقت بمحض ارادتها.. ويمكنك ان تسألها بنفسك ..
قال خالد وهو يشد من قبضته وبانفعال: وهل انتهت جميع الحلول التي في العالم ؟؟!.. حتى يكون الحل الوحيد هو ان تتزوج ابنتي منك!!..
قال مازن برجاء وقلق من غضب عمه الذي قد ينقلب ضده :لقد كان الحل الوحيد.. اهدئ فقط يا عمي حتى اخبرك بكل شيء.. وبعدها افعل بي ما تشاء..
ارخى خالد قبضتيه وحدجه بنظرة غاضبة.. قبل ان يقول بعصبية وصرامة: تحدث..
عدل مازن من هندامه .. وظل صامتا وهو يتطلع الى عمه بنظرات متوترة.. وتمنى من كل قلبه لو لم يأتي الى هنا.. فهو والدها وبالتأكيد لن يهتم بأمره ولن يفكر الا في ابنته.. وهو بذلك يقطع امله الاخير في ان يقف بجواره ويساعده في استعادة ملاك..
وصرخ خالد قائلا بانفعال: لم تصمت هكذا؟.. تحدث..
قال مازن وهو يلتقط نفسا عميقا: اجلس اولا يا عمي..
جلس خالد على طرف فراشه وقال بحدة: ها قد جلست.. ولنرى نهاية لهذا الامر ..
جلس مازن بدوره.. والتقط خاتم الخطبة الذي اسقطه خالد في اثناء ثورته.. واعاده الى اصبعه.. قبل ان يقول وهو يشبك اصابع كفيه ويتطلع اليهما: بعد اسبوع من اصابتك بالغيبوبة.. جاء عمي عادل وابنه احمد لخطبة ابنتك ملاك.. وعلمنا انهما يفكران بهذا لاجل املاكها وليس لسبب آخر.. لهذا فكر والدي في وسيلة للتخلص من سيطرتهما .. وفي الوقت ذاته عدم مقدرتهما من الضغط عليه حتى يقبل بزواج احمد من ملاك ..وعندها لم نجد حلا سوى ان تكون ملاك زوجة لرجل آخر .. ومجرد عقد قران.. حتى لا يستطيع عادل فعل شيء بععد ان اصبحت ملاك في عصمة رجل والولي على كل املاكها واملاك والدها..
تجهم وجه خالد وقال بغضب: سحقا لهم.. اوصلت افكارهم الى هذه الدرجة من الدناءة ؟..يريدون تزويجها من احمد ليسرقوا اموالها ومن ثم يرمون بها بلا شفقة او رحمة..
قال مازن وهو يتطلع الى عمه بهدوء: ولهذا لم يكن بامكاننا ان نقبل بهذا الامر .. وكان علينا ايجاد حل سريع لايقاف مخططاتهم .. ولهذا سألنا ملاك رأيها دون ان نعلمها اننا نفعل هذا لاجل حماية املاكها .. لاننا كنا نعلم يقينا انها سترفض حينها.. وقد وافقت علي دون ان يضغط عليها احدهم.. اصدقك القول يا عمي اني كنت مترددا في البداية .. لان ملاك .. اعني انها...
واعفاه خالد من الاجابة وهو يقول بحدة: لانها عاجزة.. اليس كذلك؟.. لم اذا وافقت على الارتباط بها منذ البداية ما كنت تراها بهذه النظرة؟..
قال مازن وهو يهز رأسه: لست اعلم.. ربما لاني خشيت ان تبتعد عني و ان تكون لشخص ما..او ربما لاني خشيت عليها من المصير المرعب الذي ينتظرها مع احمد.. او ربما لان شيء ما بداخلي كان يدفعني لأن اقوم بهذه الخطوة لكي احمي ملاك واكون قريبا منها في الوقت ذاته..
تطلع له خالد بتشكك وارتياب.. فقال مازن مردفا بصدق : فقد كنت معجبا بها منذ البداية.. وازداد هذا الاعجاب مع كل يوم تقضيه في منزلنا..وبدأت اهتم بكل ما يخصها دون ان اشعر.. واصبحت افعل كل ما يفرحها.. واشعر بحزن لا اعرف مصدره عندما اراها حزينة.. ولا اعرف متى حقا ثد بدأت مشاعري نحوها تتحرك.. ووجدت نفسي اقع اسيرا لحبها..
توقف مازن عن مواصلة الحديث وهو يريد ان يرى تأثير عبارته على عمه.. ولكن خالد اكتفى بأن يقول: اكمل..
واشاح مازن بوجهه قليلا وهو يقول: ومؤخرا فقط علمت السبب الذي دفعني للزواج بها.. ولهذا فقد طلبت مني الانفصال.. لكن لا استطيع ان انفصل عنها.. صدقني يا عمي.. لقد اصبحت ملاك هي كل شيء في حياتي.. لم اعد استطيع الاستغناء عنها..وكل ما اريده يا عمي هو ان تنصحني بأن افعل ما اراه مناسبا.. وان كنت اعلم بأنك رافض لهذا الزواج مسبقا.. لكني خاطرت وجئت الى هنا لانك الوحيد التي تعرف ملاك اكثر من أي شخص آخر.. وستنصحني بفعل ما يريحها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت مها بتأثر واشفاق الى ملاك التي كانت تحاول جاهدة بذل كل ما تستطيع من قوة لكي ترفع جسدها عن مستوى ذلك المقعد .. وكل ما امكنها فعله هو رفعه بضع سنتيمترات.. ومن ثم يعود جسدها ليسقط على المقعد بكل انهاك وتعب..
انها تحاول بذل اقصى ما تستطيع من طاقة منذ ساعة.. دون نتيجة حتى الآن.. وذلك الحزن الذي لمحته مها يطغى على ملامحها.. ربما يكون له يد في كل التعب الذي اعتراها حتى الآن ..لكن ما سبب كل ذلك الحزن؟..الامر لا يبدوا شجارا عاديا مع مازن ابدا.. ما الذي اصابها؟.. حتى انها لم تعلق على عباراتها الا فيما ندر.. وتلك النظرة الملازمة لعينيها.. تكاد تلمح مها فيهما .. الحزن وشعور الغضب..
وتوقفت ملاك عن مواصلة محاولاتها قائلة وهي تحاول التقاط انفاسها: لا استطيع..
اقترب منها الطبيب وقال بهدوء: ما الذي اتفقنا عليه في المرة الماضية يا ملاك؟.. الم تعديني بأن تحاولي ما دمت ترغبين في السير على قدميك من جديد؟..
قالت ملاك بضيق: لا ارى أي نتيجة لكل ما افعله.. اولنقل ليس هناك امل بأن اقف على قدمي من جديد..
قال الطبيب كمن اعتاد مثل هذه العبارات: لو انك انت من فقد الامل.. فعندها يمكنني القول بأن ليس هناك أي امل فعلا.. فالامل ينبع من عزيمتك ورغبتك في الشفاء.. فواصلي في محاولتك هيا..
قالت ملاك بحنق: انني احاول منذ ساعة.. لقد تعبت..
قال الطبيب وهو يهز رأسه نفيا: لا احب ان اسمع هذه الكلمة .. ان التعب الحقيقي في ان تستسلمي.. اريدك ان تحاولي من جديد.. حتى تستطيعين رفع جسدك عن المقعد..
هتفت ملاك بصوت حاد: لكني لا استطيع.. لقد تعبت..
اقترب كمال في تلك اللحظة من المكان وقال وهو يتطلع الى ملاك: يمكنك ان تحاولي من جديد يا ملاك .. لا تيأسي..
قالت ملاك وهي تشيح بوجهها: من السهل قول الكلمات دائما..
زفر كمال ومن ثم قال: ومن الصعب تنفيذها.. لكن.. بما ان هناك امل في العلاج.. فلم لا تواصلين المحاولة وتتمسكين بهذا الامل؟..
قالت ملاك بعناد: لا اريد.. اريد مغادرة هذا المكان..
قالت مها باستنكار وهي تقترب منهما: ما الذي تقولينه يا ملاك؟..
اما الطبيب فقد قال: لا بأس.. فما دام ليس لديها أي رغبة في المواصلة اليوم.. فلا يمكننا اجبارها..يمكنك المغادرة ..
قالها وتطلع الى ملفها الطبي ومن ثم تحدث الى احدى الممرضات قبل ان ينصرف.. في حين اقتربت منها ممرضتين.. ليحملاها ويعيداها الى مقعدها المتحرك ..
اما مها فقد قالت وهي تقترب منها بتسائل وعتاب: ملاك.. لم توقفت عن مواصلة تدريباتك؟..
قالت ملاك وهي تطرق برأسها وتقبض على عجلات مقعدها: مللت هذه التدريبات.. مللت هذا الامل الكاذب.. مللت هذه الحياة.. مللت كل شيء..
قالت مها وهي تتطلع اليها: لا زلت في مقتبل العمر يا ملاك.. والطريق ممتد امامك..
رفعت ملاك عينيها لها وقالت بحدة: هل جربت ان يخدعك اقرب الناس اليك؟..او ان تكتشفي بأنك تعيشين معه في كذبة طوال الوقت.. ان كنت قد احسست بهذا يوما.. فعندها فقط ستتمنين الموت على الحياة..
كادت مها ان تهم بقول شيء ما .. لكن كمال قال في تلك اللحظة وهو يميل نحوها قليلا: ما الذي حدث بينك وبين مازن؟ ..
اشاحت ملاك بوجهها بعيدا.. وكأنها تعلن بذلك عدم رغبتها بالاجابة.. وحركت عجلات مقعدها مبتعدة.. في حين اسرعت مها تلحق بها قائلة: انتظري قليلا يا ملاك..
قالت ملاك وهي تتوقف في مكانها: اريد ان اذهب الى ابي..
ابتسمت لها مها وقالت: سنأخذك اليه.. لا تخشي شيئا..
ودفعت مها مقعدها لتسير بين ممرات المشفى حتى استقلت المصعد مع كمال الى الطابق الذي تقبع فيه غرفة خالد..وتوجهوا جميعهم الى هناك.. وكانت ملاك اقربهم اليه.. ففتحت الباب ودلفت الى االداخل والابتسامة قد اعتلت شفتيها لمرأى ابيها لكن...
لم يكن ابيها وحده هذه المرة.. وعقدت حاجبيها وهي تتطلع الى ذلك الجالس بجواره.. واستغربت وجوده مع والدها واستنكرته في الوقت ذاته.. ربما جاء ليخدع ابيها هو الآخر ...
والتفت خالد في تلك اللحظة عن مازن وتوقف عن مواصلة الحديث معه.. ليلتفت الى ملاك التي لم تقترب من الفراش بسبب وجود مازن وقال بابتسامة: اهلا يا ملاكي.. اشتقت اليك..
التفت مازن بكل لهفة عندما نطق خالد اسم ملاك.. وتطلع الى هذه الاخيرة بحب وحنان ورجاء على ان تسامحه.. في حين رمقته ملاك بنظرة غاضبة حاقدة.. ومن ثم التفتت الى والدها وقالت بهدوء: وانا كذلك يا ابي..
اقتربت مها بدورها مع كمال لتقول الاولى مبتسمة: كيف حالك اليوم يا عمي؟..
قال خالد وهو يرفع رأسه اليها: افضل من السابق..
اما كمال فقد قال: ومتى اخبرك الاطباء بأنك ستخرج من المشفى؟..
قال خالد بابتسامة باهتة: بعد ان استعيد لياقتي البدنية.. ويتأكدوا من مقدرتي على العودة الى حياتي الطبيعية..
قالت ملاك في لهفة: ومتى سيكون ذلك؟..
هز خالد كتفيه وقال بابتسامة حانية وهو يتطلع الى ابنته: ربما بعد ايام..
اما مازن الذي كان يراقب كل حركة تقوم بها ملاك.. يراقب تلك الابتسامة العذبة التي كانت على شفتيها منذ ان دخلت الى الغرفة.. يتابع نظرات عينيها.. والتي كانت تصف له بكل وضوح الغضب والحقد التي تحمله له ملاك.. وتمنى لو يستطيع التحدث اليها كالسابق..يمزح معها و يستطيع أن يتقرب منها ويحظى على احدى ابتسامتها الخجلة.. وشعر بغصة مرارة في حلقه جعلته يلتفت الى عمه ويقول في تلك اللحظة: بالاذن الآن ياعمي.. فعلي الانصراف..
قال خالد بهدوء: صاحبتك السلامة.. وفكر جيدا فيما قلته لك..
تنهد مازن ومن ثم قال: سافكر.. بالاذن..
والقى نظرة اخيرة على ملاك قبل ان يتحرك مبتعدا.. وباتجاه باب الغرفة وفي تلك اللحظة تعالى رنين هاتفه المحمول.. فالتقطه بهدوء بعد ان توقف عن مواصلة سيره ..وما ان تطلع الى الاسم .. حتى عاد الى داخل الغرفة وقال وهو يتحدث الى مها: تعالي معي للحظة ..
اشارت مها الى نفسها وقالت : من ؟.. انا؟..
قال مازن مبتسما: ومن سيكون غيرك؟.. تعالي معي..
قالت مها وهي تقترب منه: حسنا .. حسنا..
وغادرا الغرفة معا.. وما ان اصبحا خارجها حتى قال مازن وهو يرفع الهاتف في وجهها: انظري..
تطلعت مها الى الهاتف في لهفة وكادت ان تجذبه من يده.. لكن مازن اسرع بابعاده عنها وهو يمسك باذنها قائلا بمرح: اخبريه ان هذه ستكون المرة الاخيرة التي يتحدث اليك فيها عبر الهاتف.. وبعدها فليأتي وليخطبك..
قالت مها بابتسامة شاحبة: فليقتنع والدي برفضي لاحمد اولا..
ابعد كفه عن اذنها ليضعها على كتفها ويقول بهدوء: سأحاول اقناعه يا مها..
قالت مبتسمة : اشكرك و...
وهنا انقطع الرنين بغتة.. فقالت مها بضيق: ارأيت .. جعلتني انشغل بالحديث معك.. حتى اغلق حسام الخط..
غمز مازن بعينه وقال مبتسما: سيتصل بعد لحظات ..وسترين بنفسك..
وما ان انهى عبارته حتى عاود حسام الاتصال فقال مازن مبتسما: الم اقل لك؟..
قالت مها في سرعة: اعطني الهاتف.. اريد ان اتحدث اليه..
قال بمكر: ما رأيك ان العب في اعصابه قليلا؟..
قالت مها باستنكار: لا .. دع حسام وشأنه..
لم يأبه لها مازن واجاب على الهاتف قائلا بهدوء: اهلا حسام..
قال حسام متسائلا: اهلا بك.. ما بالك لا تجيب على الهاتف؟ ..
قال مازن مجيبا: لقد كنت منشغلا للحظات..
قال حسام متسائلا بقلق ولهفة: وماذا عن مها؟..هل اقتنعت؟ ..
قال مازن وهو يصطنع خيبة الامل: للاسف كلا..
شعر حسام بالضيق يجثم على صدره وقال بحنق: ارجوك اقنعها.. اقنع تلك الحمقاء برفضه..
ابعد مازن الهاتف عن اذنه قليلا وقال متحدثا الى مها التي عقدت ذراعيها امام صدرها بضيق من تصرفه: يقول عنك حمقاء..
اسرع حسام يقول بعد ان سمع عبارة مازن: ماذا؟.. هل مها معك؟..
قال مازن مبتسما: اجل انها تقف الى جواري..
- اعطني لاحادثها اذا.. ربما استطيع اقناعها..
- لسنا بحاجة لخدماتك فقد اقنعتها وانتهى الامر..
صمت حسام وقد الجمت المفاجأة لسانها.. هل قال اقنعها ام ان اذنيه اصيبت بخلل ما جعلته يسمع اشياءا لم تقال؟..في حين قال مازن وهو يسلم الهاتف الى مها ويبتسم: لقد صمت من المفاجأة .. خذي واخبريه الحقيقة.. ولا تنسي ان تخبريه ان لي الفضل في كل ما حدث..
رمقته مها بطرف عينها.. ومن ثم التقطت الهاتف من يده وهي تبتسم قائلة: اهلا حسام.. كيف حالك؟..
قال حسام وكأنه لم يسمع حرفا مما قالته: اخبريني يا مها.. هل ما سمعته صحيح ام اني كنت اتخيل؟..
برقت عينا مها بفرحة وهي تقول: بل حقيقة يا حسام.. لقد قررت رفض احمد..
خفق قلب حسام بفرح وقال في سرعة وسعادة: وما الذي جعلك تغيرين رأيك على الرغم من كل محاولاتي معك؟..
قالت مها وهي تداعب خصلات شعرها وتبتسم ابتسامة واسعة: لقد اقنعني مازن..
قال حسام باستنكار مصطنع: هكذا اذا..لقد حاولت اقناعك لاكثر من مرة.. لكن مازن منذ المرة الاولى استطاع اقناعك..
قالت مها مبتسمة وهي تستند الى الجدار: اولا هو شقيقي ويعرف كيف يمكنه اقناعي.. وثانيا انها ليست المرة الاولى التي تحدث فيها الي وحاول اقناعي برفض هذا الزواج..
قال حسام بابتسامة وهو يتنهد براحة: اذا فقد انتهى الكابوس اخيرا ..
قالت مها بتردد: ليس بعد..
اختفت الابتسامة من على شفتي حسام وقال بقلق وتوتر: كيف؟؟..ماذا تعنين بـ(ليس بعد) يا مها؟..
ازدردت مها لعابها قبل ان تقول ببعض الارتباك: مازن.. لم يقنع والدي برفضي هذا بعد.. وخصوصا واني قد وافقت على احمد امامه وامام عمي..
قال حسام بجدية وحزم: انا سأقف بجوارك يا مها وسنتحدى المستحيل لنتوج حبنا بالزواج..
قالت مها وهي تتذكر كلمات ملاك في تلك اللحظة: ليت الامر كان بهذه السهولة.. الكلام امر سهل.. لكن تنفيذه صعب..
قال حسام وهو يزفر بحدة: الا تثقين بي يا مها؟..
اسرعت مها تقول: بلى.. ولكنها الظروف.. الظروف التي تفرض علينا امورا لا نريدها..
قال حسام بحنان: ونحن سنتحدى تلك الظروف وسنعمل على جعلها في صالحنا..
ابتسمت مها بهدوء .. ومن ثم قالت: انا اتحدث اليك من المشفى يا حسام.. لهذا اعذرني فأنا مضطرة لانهي المكالمة الآن.. سأتصل بك عندما اعود الى المنزل..
قال حسام متسائلا ورنة صوته تحمل حنان الدنيا كله: اهذا وعد؟..
اومأت مها برأسها وكأنما سيراها حسام وقالت برقة: وعد..
- حسنا اذا اراك فيما بعد..احبك..
ارتجف جسد مها كله لسماع تلك الكلمة.. منذ متى لم تسمعها من حسام.. منذ متى لم يقلها لها؟.. لقد مرت بظروف صعبة جعلتها تكاد تنسى اللحظات الرائعة التي قضتها بجوار حسام وكل كلمة كان يبثها بشوقه وحبه فيها..
وتوردت وجنتيها بخجل لتقول بصوت متلعثم: وانا ايضا.. الى اللقاء..
قالتها واسرعت تغلق الهاتف دون ان تسمع اجابته حتى ..وحسام الذي اندهش من تصرفها في البداية لم يلبث ان ابتسم ابتسامة مسرورة وواسعة تبعها بضحكة سعيدة وهو يلفي بنفسه على الفراش.. غير مصدق ان هذا الكابوس سينتهي قريبا.. وهتف قائلا بسعادة: احبك يا مها.. احبك.. احبك يا ايتها الحمقاء التي عذبتني طويلا بحماقتها.. احبك يا من عذبتني في الماضي بشقاوتها .. احبك..
وتنهد وهو يغمض عينيه.. ولاول مرة منذ مدة طويلة شعر بأنه قد ارتاح.. ارتاح اخيرا وهو يشعر انه قد انقذ حب الطفولة .. ودافع عنه حتى استطاع استرداده..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت مها من حولها بحثا عن مازن بعد ان انهت المكالمة.. واخذت تتفحص المكان بعينيها لتجده وتعيد اليه هاتفه.. لكن المكان كان خاليا تماما منه..ولم تجد امامها الا ان تعود الى داخل الغرفة لكن هذه المرة بابتسامة مسرورة وسعيدة .. وجلست على مقعد يجاور مقعد ملاك..وتطلعت الى كمال الذي كان يجلس بهدوء على مقعد في الطرف الآخر للفراش.. وسمعت عمها يقول في تلك اللحظة وهو يدفع جبين ملاك بلطف: لا اريد تقاعسا في تدريباتك.. افهمت.. تمارسينها يوميا.. والا اخبرت مازن عنك..
شعرت ملاك بالضيق لذكرى مازن وقالت بحنق: وما شأن مازن بالموضوع؟..
قال خالد وهو يتطلع اليها بنظرة ماكرة: اليس هو .. من عثر على امل في علاجك؟.. فبالتأكيد سيتضايق لو عرف بأنك تقاعست عن مواصلة التدريبات..
ابتسمت مها وقالت: اجل .. حاول معها يا عمي.. فاليوم قد توقفت عن مواصلة التدريبات..
قالت ملاك مبررة وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: لأنني تعبت ..
اما كمال فقد نهض من مكانه وقال بهدوء: استأذن انا الآن يا عمي ..
التفت له خالد وقال: لا يزال الوقت مبكرا..
قال كمال بهدوء: لدي موعد مع احد الاصدقاء الآن.. سأغادر انا ومها.. ومن ثم سآتي انا او مازن لاصطحاب ملاك ..
ومن ثم تساءل وهو يتطلع الى مها: ستأتين؟..
شعرت مها بالحيرة.. فمن جهة تريد العودة ومحادثة حسام.. ومن جهة اخرى تريد البقاء الى جوار ملاك لتعرف سبب الحزن الذي يسيطر عليها وتلك النظرة في عينيها.. وحسم خالد موقفها ليقول : اترك مها هنا.. فأنا اريد ان اتحدث اليها قليلا..
شعرت مها بالغرابة من هذا الموضوع الذي يريد عمها خالد الحديث اليها بشأنه.. لكنها شعرت في قرارة نفسها انه يخص ملاك من بعيد او قريب.. وانصرف كمال مغادرا المكان .. ومرت لحظات قبل ان تقول ملاك متسائلة ببعض الضيق: ماذا جاء يفعل عندك ذلك الشخص عندما دخلنا الى غرفتك يا ابي؟ ..
استغربت مها استخدامها للفظ (ذلك الشخص).. في حين فهم والدها انها تعني مازن .. فقال مؤنبا: من العيب ان تقولي ذلك الشخص على ابن عمك.. يجب عليك احترامه..
اشاحت ملاك بوجهها وقالت: طوال عمري وانا احترمه.. وماذا جنيت في النهاية سوى الحزن..
تطلع لها والدها في خبث.. في حين ارتبكت ملاك من زلة لسانها وعلى اخبار والدها بحالة الحزن الذي يسببها لها مازن في الوقت الحالي.. واسرعت تقول بارتباك محاولة تغيير ما فهمه والدها من عبارتها: اعني .. انه..يسخر مني احيانا و...
بترت ملاك عبارتها واطرقت برأسها بألم.. فهي لم تقوى على الكذب اكثر من ذلك.. فهذا هو والدها اغلى الناس على قلبها واكثر من يفهمها.. فكيف يمكنها ان تكذب عليه؟ ..
وقال خالد بهدوء وهو يمسك بذقنها ويرفع رأسها اليه: ملاك.. هل هناك شيء تودين قوله؟..
صمتت ولم تجب.. فقال والدها وهو يتطلع الى عينيها: هل هناك امر تخفينه عني؟..
شعر بارتباك ملاك واضطرابها وهي تتحاشى النظر اليه.. فترك ذقنها وقال بحزم: هل هناك شيء؟..
قالت ملاك بتردد بعد ان ازدردت لعابها بصعوبة: شيء؟؟.. مثل ماذا؟..
صمت والدها للحظات ومن ثم رمقها بنظرة باردة قبل ان يقول وهو يلتفت عنها: شيء مثل.. ان تكوني قد تزوجت مازن اثناء اصابتي بالغيبوبة ..
تطلعت له ملاك بذهول وصدمة .. وذهنها لا يستوعب انه قد علم بالحقيقة.. وعلم الآن انها قد اخفت عنه هذا الامر.. واكثر ما تخشاه الآن هي ردة فعله على هذا الموضوع..
حتى مها كانت تشعر بالدهشة من معرفة عمها بهذا الزواج وخصوصا وان ملاك تعمدت اخفاء امر الزواج عن والدها.. وقالت متسائلة بدهشة: وكيف عرفت بأن ملاك هي زوجة مازن يا عمي؟..
وقال خالد اخيرا منهيا حيرتهم: لقد جاء مازن قبلكم بساعة ونصف وقد اخذ يتحدث معي في كل شيء..ويحاول شرح وتوضيح كل الامور.. واخبرني كذلك بالدوافع التي جعلته يتزوجك يا ملاك.. كما اخبرني بأمر طلبك للانفصال ..
قالت ملاك وهي تعض على شفتيها بغيظ: بالتأكيد قد اخبرك بأشياء تجعله يبدوا في نظرك مظلوما وانه لم يفعل أي شيء ..
قال خالد وهو يلتفت لها ويتطلع اليها: لقد اخبرني بكل شيء يا ملاك .. وكانت شجاعة منه ان يأتي الى هنا ويواجهني بهذا الامر .. وهو يعلم جيدا اني تقريبا لن اقبل به كزوج لابنتي ..
شعرت مها بالغرابة من تصرف مازن..فهو يجب ان يكون اكثر المتخوفين من ردة فعل عمه تجاه هذا الزواج .. ومع هذا جاء اليه ليبلغه من انه قد تزوج ابنته.. الم يخشى ان يفقد ملاك حينها حقا وان يرفضه عمه ويطلب منه هو الآخر ان ينفصل عن ملاك؟؟..
اما ملاك فقد قالت وقلبها يخفق بقلق: وما موقفك من هذا الزواج يا والدي؟..
لمح والدها في عينيها القلق لكنه لم يشير اليه و قال وهو يضع كفه على كتفها: قبل ان اخبرك بموقفي من زواجك .. اخبريني انت بسبب طلبك الانفصال من مازن..
حاولت ملاك ان تتماسك وهي تقول بصوت مرتجف: الم يخبرك بذلك ايضا يا ابي؟.. الم يخبرك بأنه طعن قلبي في الصميم.. الم يخبرك بأنه كان يمثل علي دائما دور المحب والحنون ؟..وفي النهاية ادرك ان كل هذا كان مجرد تمثيل ليس الا.. وانه قد اجبر على الزواج بي منذ البداية لاني .. لاني...
واختنق صوتها اكثر ولم تقوى على مواصلة الكلام ..وتلألأت تلك الدموع في عينيها كنجوم في سماء الالم.. في حين ضغط والدها على كتفها بحنان ليقول: ملاك لقد كنت دائما ارفض ان تكون لك اية علاقة بعمك او ابناءه.. فكيف عندما اعرف ان ابنتي قد تزوجت مازن احد ابناء عمك؟.. لا اخفي عليك في البداية اني ثرت وانفعلت على مازن عندما جاء يخبرني بالحقيقة..وكدت ان اجبره على ان ينفصل عنك ولو بالقوة.. لكني حاولت ان اهدئ نفسي عندما طلب ان استمع اليه.. وبصراحة شعرت بالاعجاب للحظة تجاه ذلك الشاب لكونه قدجاء الي ليخبرني بأمر الزواج الذي كان متأكد تقريبا من اني سأرفضه .. لكني استمعت اليه بكل اهتمام.. وادركت حينها انه قد تغير لأجلك.. فليس العيب في ان نخطئ.. بل العيب في ان نواصل في فعل ذلك الخطأ دون رغبة في اصلاحه.. ومازن قد حاول ان يتغير مرارا لأجلك.. ونجح في ذلك.. ولا يمكنك انكار انه قد قد ابدا اهتماما صادقا تجاهك..
تنهدت ملاك وقالت بعينان قد امتلأتا بالدموع وبصوت راجف: هل انت معي ام معه يا ابي؟..
التفت والدها الى مها التي كانت تراقب بقلق لكل ما يجري ..وتستمع الى مصير تلك العلاقة التي عبرت عن اسمى المشاعر والتي ربطت بين مازن وملاك يوما..وقال خالد في تلك اللحظة: لقد ابقيت مها هنا.. حتى تخبرك وتخبرني بالحقيقة.. وانا اعلم انك ستصدقينها لانك تعتبرينها كاخت لك.. اليس كذلك؟ ..
اومأت ملاك برأسها ومسحت دموعها بصمت.. في حين ربت والدها على رأسها ومن ثم التفت الى مها قائلا: اخبريني يا مها .. كيف كان مازن قبل ان يعرف ملاك؟.. وكيف اصبح بعد ان ارتبط بها؟..
شعرت مها بالحرج من هذا الموقف التي توضع فيه.. وقالت وهي تزدرد لعابها في توتر:في الحقيقة .. لا اعرف ماذا اقول.. غير ان مازن قد تغير حقا.. لقد كان في الماضي.. لا يفكر في شيء اكثر من نفسه.. لا تهمه أي فتاة.. يتحدث الى هذه وتلك دون ان يكترث بشيء.. ولكن والحق يقال انه لم يحاول يوما ان يعدهن بوعود كاذبة.. لقد كان الامر في حدود الصداقة او لنقل زمالة..
واستطردت وهي تلتفت الى ملاك وابتسامة تعلو شفتيها: ومنذ ان جاءت ملاك الى منزلنا.. شعرت ان مازن قد اعجب بها منذ ان رآها.. حتى ان تصرفاته كانت تثير حيرتي.. فأحيانا اراه يحاول ان يساعد ملاك بشتى الطرق.. واحيانا اخرى اراه يتحدث اليها ويمازحها.. يهتم بها ويحاول التخفيف عنها لو تضايقت .. ولقد كنت اظن ان كل ذلك في البداية مجرد علاقة كعلاقاته بالعديد من الفتيات.. لكن وجدت فيما بعد ان اهتمامه بملاك حقيقي.. ووجدته رويدا رويدا ينسحب من حياته السابقة ليشمل ملاك بعطفه واهتمامه وحنانه..
والتقطت نفسا عميقا وهي تقول مستطردة ببطء: ولست انكر انه عندما عرض عليه والدي زواجه من ملاك.. رفض وعارض هذا الزواج.. ولكنه فيما بعد قرر الموافقة لكي يحمي ملاك واملاكك يا عمي .. وصدقني يا عمي.. وانت كذلك يا ملاك.. لقد تغير مازن بعد ان عقد قرانه عليك.. لقد بت ارى في عينيه الخوف الصادق تجاه شخص ما..اصبح يخشى عليك من كل شيء واي شيء.. بت ارى الحنان الحقيقي والاهتمام في تصرفاته تجاهك.. انه حتى قد ترك كل رفيقاته السابقات لاجل ان يبدأ معك صفحة جديدة.. لهذا يا ملاك ارجوك ان تفكري جيدا قبل ان تطلبي الانفصال.. لقد بدأت اشعر بحب مازن الكبير تجاهك وانه لم يعد يستطيع الابتعاد عنك بعد الآن.. فكري جيدا يا ملاك قبل ان تنهي هذه العلاقة ومشاعر الحب التي ربطت بين قلبيكما في يوم..
كانت ملاك تستمع بملامح جامدة وبنظرات خاوية.. كانت تستمع لكن بذهن مشوش.. وبنصف تركيز.. كان جرحها اعمق بعد ان ادركت قسوة هذه الدنيا والتي طعنتهافي اول شاب خفق له قلبها ..ولم تنطق ببنت شفة واكتفت بالصمت ..
وسمعت والدها يقول لها في تلك اللحظة: كلنا معرضون للخطأ يا ملاكي.. حتى انا كنت اعرف عدد من الفتيات قبل ان التقي بوالدتك.. واترك كل الفتيات لاجلها.. اسمعيني يا صغيرتي بقدر ما كنت اعارض زواجك من مازن سابقا.. بقدر ما انا اباركه الآن..وانا اراه يحمل لك في قلبه كل هذا الحب.. فلا يهمني شيء سوى ان اراك سعيدة يا ابنتي..وانا شعرت بالمشاعر التي تحملينها لمازن منذ ان رأيتك تتحدثين عنه وتطلقين على طائرك اسمه.. واعلم انك ستسعدين معه مادام الحب هو اساس علاقتكما..
التفتت ملاك الى والدها وقالت وشفتاها ترتجفان: انت تقول هذا با ابي.. انت تقول هذا بعد ان اهانني وطعن فلبي بخيانته وخداعه .. انت تقول هذا بعد ان جرح كرامتي و...
قاطعها صوت رنين الهاتف.. كان هاتف مازن الذي تركه عند مها الذي اخذ يرن تلك اللحظة..حتى اجابت عليه مها قائلة وهي ترى انه اتصال من منزلها: اهلا..
جاءها صوت مازن ليقول: لقد اتصلت بك لابلغك اني عدت للمنزل .. واريد منك ايضا ان تعرفي قرار ملاك النهائي.. وان كانت ستتراجع عن قرار الانفصال ام لا..
قالت مها وهي تقول بصوت خافت بعض الشيء: انت تعرف كم هي عنيدة.. ثم ان من حقها طلب الانفصال..بعدما عرفته عنك..
قال مازن بعصبية: مها.. يكفيني ما انا به ..كل ما اريده منك ان تحاولي مع ملاك انت الاخرى.. ارجوك.. اخبريها اني لا استطيع الابتعاد عنها .. اخبريها اني احبها بحق ولا اتخيل فتاة تشاركني حياتي سواها..اخبريها اني سأفعل أي شيء لأجلها ..فقط فلتسامحني على ما اقترفته يداي..
قالت مها بهدوء: سأبلغها يا مازن.. وسأحاول معها.. وعمي خالد ايضا لا يزال يحاول ردعها عن قرار الانفصال الذي اتخذته لكن من دون فائدة..
تنهد مازن وقال: كم هو عظيم عمي .. لو تعلمين ان بعد كل ما اخبرته عني وكل ما فعلته بابنته.. الا انه قال لي اني ما دمت قد اصلحت خطأي وتغيرت لأجل ابنته .. ومادمت احمل لملاك كل هذا الحب.. فهو سيقف معي وسيحاول مساعدتي .. على ان لا ارضخ لمطلب ملاك ابدا..
تطلعت مها الى عمها باعجاب الذي انشغل بالحديث الى ملاك في محاولة لاقناعها وقالت: اني افخر لكونه عمي حقا..
تنهد مازن قائلا: لقد ظلمناه لوقت طويل وانظري ماذا فعل مع ابن من ظلمه..لقد وقف الى جواري وفكر في مساعدتي.. حقا انه رجل عظيم بكل ما للكلمة من معنى..
واردف قائلا: اراك عند عودتك للمنزل.. واتمنى ان تخبريني حينها بأن ملاك قد سامحتني اخيرا.. الى اللقاء الآن يا مها..
قالت مها بابتسامة شاحبة: اتمنى ذلك انا الاخرى.. الى اللقاء ..
وما ان انهت المكالمة حتى لمحت تلك الصورة التي كانت على خلفية شاشة الهاتف.. وابتسمت وهي تتطلع اليها.. دون ان تنتبه لخالد الذي كان يقول لملاك في تلك اللحظة: قد يكون مازن قد خدعك كما تقولين.. لكنه شاب شهم.. فعلى الرغم من رفضه على ان يتزوجك.. الا انه وافق في النهاية لاجلك ولاجل ان يحمي املاكك.. ولو كان شابا آخر غيره لما اكترث وتركك فريسة سهلة لقؤاد وعادل.. كما وانه – كما قلت لك سابقا- قد تغير وتخلى عن جميع الفتيات لاجلك.. وأنا موقن انه كان يتصرف نحوك بحنان وحب صادق ويهتم بك لأنه يريد ذلك.. ملاك.. مازن الآن بين يديه كل املاكك ولقد قام بادارتها عن طيب نية.. مع انه يكره العمل كما علمت منه الا انه قد قبل بالعمل في الشركة لانها تخصك.. واراد ان يحافظ عليها.. واخيرا بحثه عن علاج لك.. ماذا يعني في رأيك؟.. اليس رغبة في علاجك واهتماما كبيرا بك؟..
قالت ملاك وهي تهز رأسها نفيا: بل مجرد مصادفة عثر فيها على امل في علاجي.. فأراد ان يقدم معروفا لتلك الفتاة العاجزة..
اسرعت مها تقول وهي ترفع رأسها لملاك: ملاك..انت مخطأة .. مازن حقا يحبك..
ورفعت الهاتف في مستوى ناظريها لتقول مبتسمة بحنان: الا توافقيني الرأي؟.. في ان من يضع صورة فتاة على خلفية شاشة هاتفه.. لا يحمل لها أي اشفاق.. بل كل حب وحنان..
وصمتت ملاك دون ان تجد ما تقوله.. وقد تأملت تلك الصورة بشرود.. وهي تتذكر ذلك اليوم الذي قضته مع مازن.. الذي بثها فيه مشاعره .. ورأت في عينيه يومها الحنان والخوف الصادق.. عندما رآها تسقط على الارض...
وعاد قلبها يخفق لمازن .. لكن بخوف هذه المرة من المستقبل المجهول الذي ينتظرهما...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛