عرض مشاركة واحدة
  #99  
قديم 04-01-2010, 11:50 PM
 
المعتدلون درجات

ما قاله طيب أردوغان للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن السلاح النووى الإسرائيلى وموقفه من العقوبات على إيران لم يقله زعيم عربى، تماما كما أن ما قاله فى قمة سرت عن ارتباط مصير استانبول بمصير القدس لم يقله أيضا أى زعيم عربى، كما أن أحدا لا يستطيع أن ينسى موقفه فى مؤتمر دافوس، حينما ترك المنصة احتجاجا على ما قاله الرئيس الإسرائيلى شمعون بيريز بخصوص فلسطين، فى حين بقى عمرو موسى فى مقعده لم يغادره.

فى المؤتمر الصحفى الذى عقد بأنقرة يوم الاثنين الماضى (29/3) عبر أردوغان عن موقفه الشجاع والحازم إزاء ما قالته المستشارة الألمانية، التى جاءت إلى العاصمة التركية لتطلب منها التصويت إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فى قرار فرض عقوبات على إىران بسبب مشروعها النووى، حين يعرض المشروع على مجلس الأمن خلال شهر أبريل الحالى. فى رده قال أردوغان إن تركيا ترفض سياسة فرض عقوبات على إيران، وتفضل الاستمرار فى الاتصالات الدبلوماسية معها. وأضاف أن بلاده تشترك مع إيران فى حدود بطول 380 كيلو مترا، وتعتبرها شريكا فى مجال الطاقة، وهو اعتبار لا يمكن تجاهله فى تقييم علاقاتهما الثنائية وأهميتها، كما أنه شكك فى فاعلية فكرة العقوبات، التى سبق أن صدرت بها ثلاثة قرارات لم تثن إيران عن المضى فى مشروعها، ولم يكتف رئيس الوزراء التركى بذلك، ولكنه ذكَّر المستشاره الألمانية بأن ثمة دولة فى الشرق الأوسط لا تخضع للعقوبات بسبب امتلاكها الأسلحة النووية. وكانت تلك إشارة واضحة إلى إسرائيل التى اعتبرها دولة مستثناة من القوانين والأعراف السائدة.

هذه اللغة لم يستخدمها أحد من قادة الدول العربية «المعتدلة»، التى لم تمانع فى توقيع العقوبات على إىران بحجة أن القرار إذا صدر عن مجلس الأمن فقد أصبح جزءا من «الشرعية» الدولية، وفى الأسبوع الماضى صرح أحد وزراء الخارجية الخليجيين بأنه فى هذه الحالة ستلتزم بلاده بقرار المجتمع الدولى أما إشارة أردوغان إلى إسرائيل والغمز فى أنها مستثناة من العقوبات رغم امتلاكها للسلاح النووى، فهى أكثر وضوحا وشجاعة من الموقف الذى يردده المسئولون فى مصر وغيرها من دول «الاعتدال». الذين دأبوا على القول إنهم يؤيدون إخلاء المنطقة كلها من السلاح النووى، دون أى تلميح إلى شذوذ الوضع الإسرائيلى.

ما يثير الانتباه ان أردوغان وهو يعبر عن هذه المواقف الشجاعة يظل محسوبا على دول الاعتدال، سواء فى عضوية بلاده لحلف الناتو أو ارتباطها بالولايات المتحدة، أو حتى علاقة بلاده مع إسرائيل، وهو ما يثير سؤالا جوهريا هو: لماذا اختلفت مواقفه عن مواقف الدول التى توصف بأنها معتدلة فى عالمنا العربى؟.. ردى على السؤال فى نقطتين، الأولى: أن الرجل يملك قراره المستقل، الذى يتحرى فيه المصالح العليا لبلاده، ولا يتردد فى الانحياز إلى تلك المصالح، حتى إذا تعارضت مع مصالح الدول الكبرى، وفى مقدمتها «حلفاؤه» فى الولايات المتحدة. النقطة الثانية: أن الرجل تقلد منصبه استنادا إلى فوز حزبه فى الانتخابات بأغلبية معتبرة، ولأنه جاء مؤيدا من الأغلبية، فإنه لا يستطيع أن يتجاهل موقعها أو يتحدى إرادتها، وإلا فقد ثقة الجماهير وخسر موقعه فى أول انتخابات مقبلة.

الوضع مختلف تماما فى بلادنا، فأنظمتنا لا تملك قرارها واستجابتها للضغوط الأجنبية مضمونة دائما، حتى فى المسائل الصغيرة كتلك المتعلقة بمناهج التعليم ومشاركة النساء فى السلطة، ثم إنها أنظمة غير ديمقراطية، ومن ثم فهى ليست معنية برأى الشارع ولا بمشاعره (خذ الاشتراك فى حصار غزة مثلا) كما أنه ليس لديها أى قلق من اهتزاز مكانتها فى أى انتخابات قادمة، ناهيك عن أنها ضامنة لتأييد المجالس النيابية التى عادة ما تشكل بالتزوير الذى نعرفه.

هناك فرق آخر استحى من ذكره وأسجله من باب الأمانة فقط، هو أن القادة فى تركيا لديهم اعتزازهم الشديد بكرامة بلدهم وكبريائها، فقد اعتبروا أن زيارة أحد الوزراء الإسرائيليين لأنقرة قبل أسبوع من العدوان على غزة دون إخبارهم بها إهانة لهم، كما أنهم أصروا على أن تعتذر لهم إسرائيل حين أسيئت معاملة السفير التركى لدى تل أبيب. أما نحن فنتذكر الكرامة والكبرياء فى بعض المناسبات دون غيرها.. ومع الأشقاء دون غيرهم!
__________________
رد مع اقتباس