السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعذروني ..الموضوع انهارده طويل شوية
بس مهم جدا...فمعلش استحملوني شوية
جاءتني بالبريد الالكتروني رسالة من احد المعارف رسالة احب اعرف رايكم فيها ... انا بصراحة لما قراتها و سمعت راي الطرفين ....باميل اكتر للحكم علي الزوج ....والحكم للزوجة...بس قولت يمكن ده تحيز لبنات جنسي ...و علشان كده احب اعرف رايكم انتم ايه .؟ لذا انا في انتظار ردودكم ...متتاخروش لحسن انتو عارفين
اولا - رسالة الزوج .........
.أنا عباس.. متزوج منذ عشرين عاماً.. لي ولد وبنت.. محنتي وبلائي إني تزوجت من أسرة ثرية.. بل فاحشة الثراء.
أما أسرتي فتنعم بستر الله، كنت وزوجتي زميلين بالجامعة، أعجبت بأخلاقها العالية وأحسست عن بعد أنها تبادلني عين المشاعر.. وبعد حصولي على الشهادة الجامعية تقدمت إلى أسرتها وصدمت صدمة بالغة.. فلم أكن أعلم أنهم بهذا الثراء الطاغي.
ولقيت مقابلة مهينة منهم حين علموا بحالي وحال أسرتي، وتناسيت الأمر وألقيت نفسي في طاحونة الحياة، وبعد بضعة أشهر أرسل إلي أخوها يطلب مقابلتي.
وتحدث أبوها قائلا ً : ستأخذ البنت ولكن لن تنال منا حبة خردل، ستذهب معك بما عليها من ملابس.
وغضبت كما لم أغضب من قبل.. فأنا لم أكن أطمع في شيء عندهم.. وقلت لهم ما قلته من كلام حاد.
وعلمت بعد أن زوجتي أعلمتهم أنها لن تتزوج بأحد سواي.. مما أكرههم على الموافقة.. وتزوجنا بإذنهم وهم كارهون.
وأنجز أبوها ما وعد، أرسلها إلي بما عليها من ملابس وحسب، ولم يشهد حفل زواجنا أحد من أهلها.
أما أنا فقد بعت ثلاثة قراريط ورثتها عن أمي لأتمم هذا الزواج في بيت متواضع وأثاث يرعى الحال.. وعزمت أن تحيا زوجتي معي حياة لا تقل عن حياتها في بيت أبيها.. ولكن أني لي ذلك وأنا أتدثر بالكفاف.
وكلما تتابعت الأيام ازددت غما على غم.. وحزنا على حزن.. ذاك أني أرى زوجتي تشحب يوما فيوم، وتذهب نضرتها وتبدو المعاناة في نظرات عينيها وفلتات لسانها.
نعم هي تجاهد لإخفاء ذلك عني وراء ابتسامات متكلفة وكلام معسول.. أنا أمنحها كامل العذر، هي لم تعتد شظف العيش.
وبعد عام رزقنا بسالم فزاد الطين بلة.. فتحتم عليّ أن أتحرك سريعا لإنقاذ سفينتنا قبل أن تعصف بها الأنواء.. ولم يكن لي مفر إلا الخيار المر، السفر للعمل بإحدى دول الخليج.. وحين أعلمت زوجتي بذلك ثارت ثورتها وأبت وعملت على إثنائي عن السفر دون جدوى.. لقد حسمت أمري
قالت: " إن السعادة في وجودنا معا ً، لا تضيعنا، وكيف تتركنا وابني الصغير وحدنا، ولمن تتركنا.. الحمد لله نحن في سعة، لا حاجة لنا في سفرك".
ظلت تحاول بكل السبل لمنعي.. ولكن هيهات لن أكون أبدا ً الزوج الفاشل الذي يعجز عن ضخ السعادة في شرايين أسرته.
لا لن أسمح لأهلها بالشماتة.. وليعلموا أنهم كانوا خاطئين باعتراضهم على زواجنا.
وسافرت ولعقت مرارة الغربة وتجرعت كأس الحرمان من الزوجة والولد.. وعملت كالثور في الساقية، لا أكل ولا أهدأ، وحرمت على نفسي ملاذ الطعام واللباس كي تهنأ أسرتي برغد العيش.. وكنت أعود للوطن كل سنة أو سنتين لأمكث مع زوجتي وابنيّ سالم وهند شهرا ً أو شهرين تمر كالبرق، كحلم جميل.
وطفقت زوجتي في كل سفر تتضرع إليَّ ، تتوسل، ترجوني ألا أسافر، ولكن من أين لهم أن يعيشوا ذاك الرغد دون أن أدفع أنا سنوات عمري.
وبعد أن كبر سالم وهند زادت مرارة الفراق وكانا يتشبثان بي كي لا أسافر، يلحان، يرجوان، يبكيان، ولكن ماذا عساي أن أصنع، السفر شر لا مفر منه؟
ومضت السنون وكف الجميع عن مطالبتي بالبقاء معهم، الزوجة لم تعد ترسل إلي بمعاناتها أو ترجوني ألا أسافر.. والأولاد أيضا أضحى سفري عندهم أمرا ً معتادا ً. لم أعد أرى في عيونهم الحزن والدموع كما كنت أراها من قبل.
وبعد سبعة عشر عاما ً من كابوس الغربة عزمت أن أعود، آن لي أن أعود بعد أن أديت واجبي نحوهم.
شيدت لهم فيلا فاخرة ومنحت كلا منهم سيارة فارهة.. وألحقتهم بجامعات الصفوة وكدست لهم رصيدا بالبنك يجعلنا من زمرة الأثرياء.
لن تندم وزوجتي على أقترنها بي يوما ً.. ولن يستطيع أحد من أهلها أن يشمت بي.
لم أخبر أحدا منهم بأمري، رأيت أن اجعلها مفاجاة مبهجة لهم.. عدت منذ سبعة أشهر، وغمرت السعادة قلبي وفاضت، لم يعد غول الاغتراب ينفث قلقه في جوانحي.. آن للرجل أن يقر في بيته، يرتشف المودة والحنان.
مضى أول شهر قضيته معهم كأنما هو في الجنة، مر كسحابة صيف،كحلم جميل يود المرء ألا يستيقظ منه.. وعزمت أن أكشف اللثام عن هديتي لهم.
طلبت من زوجتي أن تعد حفلا ً بهيجا ً وقد كان.. وفي آخر الحفل الأسري البديع قدمت لهم هديتي.
أعلنت أني لن أسافر.. لن أسافر أبدا ً.. سأبقى معهم، لن نفترق بعد اليوم. وانتظرت قبلاتهم وأحضانهم وصيحاتهم وضحكاتهم وبريق الفرح في عيونهم.
والعجيب المحزن أني لم أر شيئا ً من ذلك.. بل رأيت تماثيل ثلج جامدة المشاعر، ظلوا كذلك للحظات، وتداركت زوجتي حرج الموقف فتمخضت شفتاها ابتسامة ميتة:
مفاجأة جميلة.. مرحبا بك في بيتك
وتكلف سالم وهند ابتسامتين باهتتين.. ورأيت القلق يصرخ في عيونهم جميعا، وأصبت بهزة عميقة كأب وزوج.. وخيبة أمل وانكسار.
وعزيت نفسي بأنها ربما لجمة المفاجأة.. وتعللت بأن الحدث الكبير يفقد النفوس توازنها.
تجاوزت الأمر بروح طيبة، ومرت الأسابيع متتابعة ولم يشعرني أحد بأني ربان تلكم السفينة.. بل ضيف نصف مرحب به.. ربما أنا فقط ممول الرحلة.. ولولا ذلك ربما ألقوا بي في عرض البحر.
جعلت أتقرب من سالم وهند بشتى السبل، الهدايا والجلوس معهما والتحدث إليهما والخروج معهما في بعض الرحلات.. سعيت للحصول على مفاتيح نفسيهما عساي أدخل وأفهم وأقترب.. سعيت لإزالة الجدر والحواجز بيننا ، وخاب مسعاي.
كلمت هممت بهدم جدار أو حاجز كانا يتشبثان به، يخشيان ولا يريدان أن تنهار الجدر وتتحطم الحواجز.
وسألت نفسي:
ألديهما تحذير مسبق من طرف ما بأن يبقيا الأمر على ما هو عليه؟
ظلت مشاعر سالم وهند باردة رسمية كخاتم شعار الجمهورية على الأوراق.. جعلوني خيال مآتة.. أب وزوج.. ذلك أن زوجتي أيضا سارت على نفس الدرب.. بل كانت قائدة المسيرة.
وبعد أن علما بمقامي لديهم أمسيا يتعاملان معي كساكن جديد يشارك أمهم حجرتها.. ونحوني عن خصوصياتهم ومشاعرهم وأسرارهم التي اقتصرت على أضلاع ثلاثة.. أما الضلع الرابع صاحبكم، فقطعت عنه الحرارة والاتصال.. ظلوا يتبادلون الآراء والأسرار والحوارات بعيدا عني.. وزوجتي هي محور الارتكاز.
أما أنا فقطعة غيار بالية بالية تخلصوا منها منذ سبعة عشرة عاما ً، هي موجودة فقط كذكرى وتراث.
ولما فاض بي الكيل قلت لزوجتي: أريد مكاني كزوج وأب
نظرت إلي وضحكت طويلا ً، ضحك أقرب إلى البكاء، ورأيت الألم والغضب في عينيها.. وأطرقت إلى الأرض ثم صوبت نظرها إليّ وابتسمت ابتسامة مفزعة
أحقا تريد أن تنصب نفسك علينا زوجا ً وأبا ً كاملا ً بعد أن غبت عنا سبعة عشرة عاما؟.. أيعقل هذا؟.. وهل تستطيع أو تقدر عليه؟ ونحن هل يمكننا قبوله واحتماله؟
أتنكرين الزوجية وأبوتي لهما؟
أنت لم تفهم بعد.. أنت حقا ً زوج وأب.. ولكن أي زوج أنت وأي أب ؟
كم نصيبك من الزوجية والأبوة عندي وعند بنيك؟
إنها سنة وبضعة أشهر من سبعة عشر عاما ً مضت.. غاب فيها الزوج طويلا ً وغاب الأب كثيرا ً.
وفي غيابه جرت في النهر مياه كثيرة وحدثت خطوب جليلة، شب الصغير وشاب الكبير.. ولدت مشاعر وتبدلت مشاعر وماتت مشاعر.. وتغيرت نفوس وقست قلوب.
رجوناك مراراً ألا تسافر.. وتذللنا إليك كي تقطع غربتك وتعود.. كنت يومها وردة نضرة.. وأمسيت اليوم وردة يابسة باهتة لا نضرة.. لا بهجة.. لا لون.. ولا رائحة.
وأضحت البراعم أشجارا ً يافعة.. مدت وعمقت جذورها في تربتي، فما تجدي تربة جديدة، وما عساها أن تنفع اليوم تربتك.
سالم وهند كانا يحتاجان إليك بالأمس عندما كانا براعم ضعيفة.. البراعم اليوم عمقت جذورها عندي وحدي وأضحت أشجارا.
لا تحاول.. أرأيت عاقلا ينقل شجرة كبيرة من أرضها ليغرسها في أرض جديدة؟!!!.. إذن تضعف وربما تموت.
لم أصغ لكلام زوجتي الذي أحدث تصدعا في نفسي، وجاهدت جهدي، وبكل السبل لأسترجع مكانة الأب والزوج بينهم دون طائل.. أغلقوا الأبواب دوني وعرضوا عليّ أبوة فخرية.. أي يأذنوا لي مشكورين بالعيش بينهم.. على أن اجتنب المساس بحياتهم وشئونهم الخاصة، ثم أترك الأمر لزوجتي كي تقود مسيرة الأسرة.
نفد صبري .. بل جن جنوني.. إنها الخيانة العظمى، أيقابلون تضحياتي من أجلهم بالجحود والنكران؟
سبعة عشر عاما ً من ذل الاغتراب ووحشته وتحمل الحرمان وشظف العيش من أجل حياة الترف التي يعيشونها الآن.. ثم ألقى جزاء سنمار.. أحال إلى التقاعد .. لأكون زوجا وأبا على المعاش.
اضطررت مرغما أن أقلب لهم ظهر المجن وأنقلب زوجا ً وأبا جافا غليظا.. وجعلت أبسط عليهم سلطتي بالقوة وهم يقاومون ذلك أشد مقاومة.. وتفجرت الأزمات بيني وبينهم، وأمست حياتنا جذوة شقاء.
واستيقظت ذات صباح فألقيت نفسي وحيدا بالفيلا.. أخذت زوجتي سالما وهندا ورحلوا.. رحلوا وتركوا لي كل شئ ، الجمل بما حمل.
لم يأخذوا سوى ملابسهم، بل تركوا سياراتهم أيضا، وهاتفتني زوجتي مساء ذلك اليوم.. وأنذرتني بأن أقبل الطلاق وإلا فالخلع ينتظرني.
تلك هي حكايتي مع زوجتي وبني .. ّ قصصتها عليكم.. فكونوا حكما بيني وبينهم، فما ترون أيها السادة؟
ثانياً : رسالة الزوجة .....
أنا إلهام شوكت زوج الأستاذ عباس.. من العدل ألا تقضوا لي ولا له قبل أن تسمعوا مني أيضاً.
عرفته بالجامعة لم أتحدث إليه لكني ظللت أرقبه عن بعد.. أعجبني خلقه.. حيي مجتهد جاد كريم وعلمت أنه فقير من مظهره.. إذا فقد اخترته زوجاً فقيراً.. هذا كان خياري من البداية.. ولو كنت أبحث عن زوج غني وعن حياة الترف والدعة التي كنت أعيشها فعلاً بين أسرتي إذاً لقبلت زوجاً من أقاربي الأغنياء وما أكثرهم كان هذا اختياري وأعلم تبعته.. وسعدت بزواجي من عباس أيما سعادة.. فقد لقيت منه أعظم مما ظننت فيه وعزمت أن أودع حياة الترف والثراء وأن تعتاد نفسي الكفاف.
نعم عانيت وظهر أثر ذلك عليّ .. ولكن لم ينقص ذلك سعادتي قيد أنملة وقضيت مع عباس أسعد عامين في حياتي كلها قبل سفره.. لكن عباس لم يفهم مشاعري وعلق سعادة أسرتنا على حياة ثرية مترفة تحياه عائلتي.
والحقيقة أن زوجي أصيب بشرخ نفسي منذ رفضه أهلي وعاملوه معاملة مهينة.. هو يريد أن يبرهن فحسب على أنه ليس بأقل منهم ثراء وأنهم كانوا مخطئين برفضهم له زوجاً لابنتهم.. سيطرت عليه تلك العقدة النفسية منذ أول يوم لزواجنا.. ومن ثم أصيب بعدها بلوثة السفر إلي الخارج قلت له:-
دع عنك تلك الوساوس.. أنا سعيدة بجوارك.. لا تهدم أسرتنا.. لا تهدم سعادتنا.. ابق لي ولابنك.
وضحك مني ساخراً:-
عن أي سعادة تتحدثين.. سعادة الكفاف والحرمان وشظف العيش.
لا.. أنا عشت الترف والثراء .. ووالله ما السعادة في ذلك، ارض بما قسم الله وجاهد ها هنا والأرزاق بيد الله.
أعرض عني واتخذ كلامي ظهرياً.. وحين عزم على الرحيل هويت إلي قدميه أقبلها متشفعة ومتوسلة بذلك ألا يسافر.
لكنه سافر.. سافر وتركني.. تركني وحدي وترك ابنه الصغير وحين حلقت به الطائرة شعرت أني أهوي في وادي سحيق.. استبد بي الخوف والقلق وضاع الأمان.
إنكم معشر الرجال لا تدرون ولا تدركون كيف تعيش امرأة بلا رجل.. وهل يستقيم الجسد بلا رأس.. هو الحماية والأمان.. الدفء والحنان.. نصفها الآخر.. هي الجسد وهو الروح.. فلا حياة بلا رجل.
وعدت إلي البيت الذي أمسي موحشاً كئيباً.. وأدركت أني وحدي بلا معين ولا سند.. فعائلتي انقطعت عني منذ زواجنا وعائلة زوجي تبعد عنا مئات الأميال.
في أول سفره ظل يهاتفني كل أسبوعين.. ويرسل إلي رسالة كل أسبوع.. كنت أنتظر مهاتفته ورسائله كأرض متشققة قاحلة عطشي مشتاقة إلي قطر السماء.
كنت لا أمل من قراءة رسائله.. أحضرها جميعاً كل ليلة لأقرأها مرات ومرات.. لا أملها.
ولكن مع الأيام قلت مهاتفته ورسائله حتى انقطعت تماماً وزادت آلامي ومعاناتي.. ولا أدري لماذا قطع ذلك الحبل الموصول بيننا.
قال بكل عفوية وعدم اكتراث:-
أنا في شغل لا وقت عندي.. وآتي متعباً من العمل مساء كل يوم
ما أشد سواد الليل وكآبته ووحشته على امرأة يغيب رجلها في سفر طويل.. ظل فراشي بارداً ميتاً لا حياة فيه لليال طوال طوال.. وأنتم تفهمون ما يعني ذلك من الألم والشقاء.. ومن لم يفهم ذلك فهو أغبي من حمار.. أغبي من زوج مسافر ترك زوجته لأشهر طوال أو سنوات.
بكيت إليه ورجوت وتذللت أن يقطع سفره ويعود إلي ّ.. وكتبت إليه وكتبت دون جدوى.. وانتظرته سنتين وما أتعس أيام حياتي إلي أن جاء زوجي من السفر وحمل معه الهدايا النفيسة فما نظرت إليها بل كنت أنتظره .. هو زوجي ورجلي.
وسعدت بقدومه ومقامه.. كنت عطشي إليه.. لم يعكر سعادتي سوي هاجس الرحيل من جديد.
سللت عليه كل أسلحتي كزوجة وأنثي.. سللتها جميعاً ما استبقيت شيئاً ليعدل عن سفره.. فما هان ولا لان .. ورحل من جديد وتركني وابنته هند في أحشائي.
وظل يأتي إلينا كل عام أو عامين لشهر أو شهرين.. كنت أول الأمر أستقبله سعيدة متحرقة إليه.. ثم أودعه بالبكاء والرجاء أن يبقي ويدع السفر.
أما طفلينا سالم وهند فكانا ينفران منه أول قدومه.. ثم يودعانه بالبكاء عند السفر.
ومللت تلك اللعبة البائسة القاسية المحطمة للقلوب.. وكففت عن مطالبتي له بالبقاء.
وكي لا يتعذب طفلينا بقدومه ثم سفره عملت على أن أقطع تواصلهما معه وتعلقهما به.. فجعلت لا أحدثهم أبداً عنه وأخفيت صوره وكتمت أخباره .. وإذا قدم من السفر كنت أشغلهم عنه ما استطعت إلي ذلك سبيلاً رجاء ألا يعذبهم رحيله.
ومرت السنوات وكرهت قدوم زوجي.. كنت كميت من الظمأ تمنحه كف ماء وهو يعلم أنك عما قليل ستلقيه في لهيب الهجير فيعاني ظمأ على ظمأ.. كرهت قدومه لعذاب رحيله.
وكبر طفلينا سالم وهند وكلما كبرا تشعبت حاجاتهم ومشاكلهم وكبرت همومي وأعبائي.. كان يحتاجان إلي أبيهما في أوقات شتي ومواقف شتي فلا يجدوه.. وتحتم علي أن أكون لهما أماً .. وأتقمص مكانة الأب قدر جهدي.
وأفلحت كثيراً وفشلت أكثر.. وتعرضت سفينتنا لعواصف وأمواج وأنواء.. كادت تطيح بها في غياب الربان.. وبالكاد سرت بالسفينة وعانيت في سنوات الخطر أشد معاناة عندما كبر سالم وبلغ مبلغ الرجال وبلغت هند مبلغ الفتيات.. ها هنا غاب أبوهما وما كان له أن يغيب وهما في أشد الحاجة إليه.
وعزمت أن أستغني عن الرجال بسالم وهند وسقيتهما سنوات عمري وعصارة شبابي.. وهبت حياتي كلها لهم.
بعد بضع سنوات من سفر عباس جفت مشاعري وتبدلت نحوه وصرت أكره عباس أشد ما يكره إنسان إنسان.. كرهته بقدر ما أحببته قبل.. ولولا سالم وهند لطلبت الطلاق.. لكنني افترضته مديراً للشئون المالية لنا إلي أن يكبر طفلينا.. ولأن أعيش معهما زوجة لمسافر خيراً من مطلقة تجلب لهما ما لا يحمد عقباه في مجتمع ينظر إلي المطلقة نظرة تعلمونها جميعاً.
أراكم تعجبون وتنكرون كراهيتي لعباس.. تلك الكراهية البالغة.
ولما لا أكرهه؟.. وقد أضاع أجمل سنوات عمري وثمرة شبابي.. أضاع مني سبعة عشرة عاماً قضيتها في هم وغم وخوف وقلق وعذاب.. أضاعها من أجل أن يبرهن لأهلي أنهم كانوا مخطئين حين رفضوه وأهانوه.
أضاع سبعة عشر عاماً كنت فيها كبيت خاوٍ خرب عربدت فيه الشياطين وناحت فيه الوساوس ونعقت فيه الهموم والأحزان.. وظل صاحب البيت يأتيه كل عام أو عامين يطوف حول الأسوار.. يمضي ولا يدخل.. ولا يدري شيئاً عما حل بحجراته من الداخل.. لقد صدأت أقفاله.. وضاعت مفاتيحه.. ولن تفتح له أبداً.
كنا نستقبل عباس كزوج وأب.. ليس بمعني الأب الكامل.. كان أقرب إلي ضيف ثقيل تحتم عليك إكرامه.
لكن أن يأتي اليوم ليهبط علينا فجأة من السماء كزوج وأب كامل الصلاحية.. ذاك شيء لم نحسب حسابه ولم نعد له عدته.
يظن عباس أنه يحق له فرض ذلك عينا وإلزامنا به لأنه ضحي من أجلنا؟
كلا.. إنه لم يضحي من أجلنا والحقيقة البينة المرة أنه ضحي بنا من أجل أن يشبع شيئاً في نفسه.
نحن والله بحق ضحايا عباس.
حسبي ما قلت لكم .. ولو ذهبت أتحدث وأتحدث عن معاناتي وابنيّ ما سكت أبداً.. حسبي هذا كي لا تملوني.. وأظنه قد كان.
ولكني أستحلفكم بالله الحق..
من منا الجاني ومن الضحية؟
في انتظار تعليقاتكم
والسلام عليكم ورحمة الله