من تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن للطوسي :
{
وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } * { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } يقول الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) { اذكر في الكتاب } الذي هو القرآن { إدريس } واخبر انه كان كثير التصديق بالحق، وكان { نبياً } معظماً مبجلا مؤيداً بالمعجزات الباهرة. ثم أخبر تعالى أنه رفعه مكاناً علياً. قال انس بن مالك: رفعه الله الى السماء الرابعة. وروى ذلك عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وبه قال كعب ومجاهد: وابو سعيد الخدري. وقال ابن عباس والضحاك: رفعه الله الى السماء السادسة.
واصل الرفع جعل الشيء في جهة العلو، وهي نقيض السفل، يقال: رفعه يرفعه رفعاً، فهو رافع وذاك مرفوع. والعلي العظيم العلوّ والعالي العظيم فيما يقدر به على الأمور، فلذلك وصف تعالى بأنه علي. والفرق بين العليّ والرفيع أن العلي قد يكون بمعنى الاقتدار وعلو المكان. و (الرفيع) من رفع المكان لا غير. ولذلك لا يوصف تعالى بأنه رفيع. وقوله { رفيع الدرجات } انما وصف الدرجات بأنها رفعية. وانما أخذ من علو معنى الصفة بالاقتدار، لأنها بمنزلة العالي المكان.
من تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي :
{
اللغة: العلي العظيم العلو والعلي العظيم فيما يقدر به على الأُمور ومنه يوصف الله تعالى بأنه علي والفرق بين العلي والرفيع أن العلي قد يكون بمعنى الاقتدار وبمعنى علو المكان والرفيع من رفع المكان لا غير ولذلك لا يوصف الله تعالى بأنه رفيع وأما رفيع الدرجات فإنه وصف للدرجات بالرفعة وبكى وزنه فعول وهو جمع باك ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى البكاء والخلف بفتح اللام يستعمل في الصالح وبسكون اللام في الطالح وقد يستعمل كل واحد في الآخر قال لبيد
:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم *** و بقيت في خلف كجلد الأجربٍ
الإعراب: سجداً وبكياً نصب على الحال وتقديره خروا ساجدين وباكين. قال الزجاج: وهي حال مقدورة المعنى خروا مقدرين السجود لأن الإنسان في حال خروره لا يكون ساجداً إلاَّ من تاب في موضع نصب أي فسوف يلقون العذاب إلاَّ التائبين فيكون الاستثناء متصلاً ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعاً من غير الأول ويكون المعنى لكن من تاب وآمن فأُولئك يدخلون الجنة
.
المعنى: ثم ذكر سبحانه حديث إدريس فقال: { واذكر } يا محمد { في الكتاب } الذي هو القرآن { إدريس } وهو جد أب نوح (ع) واسمه في التوراة أخنوخ. وقيل: إنه سمي إدريس لكثرة درسه الكتب وهو أول من خط بالقلم وكان خياطاً وأول من خاط الثياب. وقيل: إن الله تعالى علَّمه النجوم والحساب وعلمه الهيأة وكان ذلك معجزة له { إنه كان صديقاً نبياً } مرَّ معناه.
{ ورفعناه مكاناً علياً } أي عالياً رفيعاً. وقيل: إنه رفع إلى السماء الرابعة عن أنس وأبي سعيد الخدري وكعب ومجاهد. وقيل: إلى السماء السادسة عن ابن عباس والضحاك قال مجاهد رفع إدريس (ع) كما رفع عيسى (ع) وهو حيُّ لم يمت, وقال آخرون: إنه قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة. وروي ذلك عن أبي جعفر. وقيل: أن معناه ورفعنا محله ومرتبته بالرسالة كقوله تعالى:
{ ورفعنا لك ذكرك }
[الشرح: 4] ولم يرد به رفعة عن الحسن والجبائي وأبي مسلم.
ولما فصل سبحانه ذكر النبيين ووصف كلاً منهم بصفة تخصّه جمعهم في المدح والثناء فقال: { أولئك } تقدَّم ذكرهم { الذين أنعم الله عليهم } بالنبوة. وقيل: بالثواب وبسائر النعم الدينية والدنيوية { من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل } إنما فرَّق سبحانه ذكر نسبهم مع أن كلهم كانوا من ذرية آدم (ع) لتبيان مراتبهم في شرف النسب فكان لإدريس شرف القرب لآدم لأنه جد نوح (ع) وكان إبراهيم من ذرية من حمل مع نوح لأنه من ولد سام بن نوح وكان إسماعيل وإسحاق ويعقوب من ذرية إبراهيم لما تباعدوا من آدم حصل لهم شرف إبراهيم وكان موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى من ذرية إسرائيل.