عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 04-21-2010, 06:24 PM
 

المستقبلُ للإسلامِ

قالَ الشيخُ الألبانيُّرحمه الله- مُبيِّناً ومُبشِّراً أنَّ المستقبلَ لهذا الدِّينِ
((قالَ الله عزّ وجلَ: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(التوبة: ٣٣)، تُبشِّرُنا هذه الآيةُ الكريمةُ بأنَّ الـمُستقبلَ للإسلامِ بِسيطرتِهِ وظهورِهِ وحُكمِهِ على الأديانِ كُلِّها ، وَقد يَظُنُّ بَعضُ الناسِ أنَّ ذلكَ قد تحقَّقَ في عهدِهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعهدِ الخُلفاءِ الراشدينَ والملوكِ الصالحينَ ، وَلَيسَ كذلكَ ، فالذي تحقَّقَ إنما هو جزءٌ من هذا الوعدِ الصادِقِ ؛ كما أشارَ إلى ذلك النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِقولِهِ :
1- (لا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حتى تُعْبَدَ اللاتُ وَالْعُزَّى، فقلتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إن كنت لَأَظُنُّ حين أَنْزَلَ الله ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ أَنَّ ذلك تَامًّا، قال : انَّه سَيَكُونُ من ذلك ما شَاءَ الله)([1]) .
وَقد وَرَدَت أحاديثُ أخرى تُوَضِّحُ مبلَغَ ظُهورِ الإسلامِ ومَدَى انتشارِهِ ، بحيث لا تَدَعُ مجالاً للشَكِّ في أنَّ المستقبلَ للإسلامِ بإذنِ الله وتوفيقِهِ ، وها أنا أسوقُ ما تيسَّرَ مِن هذهِ الأحاديثِ ؛ عَسَى أن تَكونَ سَبَباً لشحذِ هِمَمِ العاملينَ للإسلامِ ، وحُجَّةً على اليائِِسينَ المتوَاكِلِينَ:
2- (إِنَّ اللَّهَ زَوَى لي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا ما زوى لي منها)([2]).
...وأوضَحُ منهُ وأعمُّ الحديثُ التالي :
3- (لَيَبلُغَنَّ هذا الأمرُ مَبلَغَ الليلِ والنهارِ، وَلا يَترُكُ الله بَيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا أدخَلَهُ الله هذا الدِّينَ ؛ بِعزِّ عزيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ ؛ عِزَّا يُعِزُّ الله بِهِ الإسلامَ، وذُلَّاً يُذِلُّ بِهِ الكُفرَ)([3]).
...ومما لا شكَّ فيهِ أنَّ تحقيقَ هذا الانتشارَ يَستلزِمُ أن يَعودَ المسلمونَ أقوياءَ في مَعنوياتِهِم ومادِّيَّاتِهِم وَسلاحِهِم ، حَتى يَستطيعوا أن يَتغلَّبوا عَلى قُوى الكُفرِ والطُّغيانِ، وهذا ما يُبشِّرُنا بِهِ الحديثُ
4- (عن أبي قَبِيلٍ قال : كُنا عِنْدَ عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن العاصي وَسُئِلَ: أي الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أو رُومِيَّةُ؟ فَدَعَا عبد اللَّهِ بِصُنْدُوقٍ له حِلَقٌ قال: فاخرج منه كِتَاباً؛ قال: فقال عبد اللَّهِ: بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رسول اللَّهِ نَكْتُبُ إِذْ سُئِلَ رسول اللَّهِ أي الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً أقسطنطينية أو رُومِيَّةَُ؟ فقال رسول اللَّهِ : مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً يعني قُسْطَنْطِينِيَّةَ)([4]).
...و(رومية): هيَ روما ؛ كما في ((مُعجمِ البُلدانِ))، وهي عاصِمَةُ ايطاليا اليومَ ، وَقد تحقَّقَ الفَتحُ الأوَّلُ على يَدِ مُحمَّدَ الفاتِحِ العُثمانيِّ ؛ كَما هوَ مَعروفٌ ، وذلكَ بَعدَ أكثَرَ مِن ثمانمائة سَنةٍ مِن إخبارِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بالفتحِ ، وَسَيتحقَّقُ الفَتحُ الثاني بإذنِ الله تعالى ولا بُدَّ ، وَلَتَعلَمُنَّ نبأهُ بعدَ حِينٍ .
وَلا شكَّ أيضاً أنَّ تَحقيقَ الفَتحِ الثَاني يَستَدعِي أن تَعودَ الخِلافةُ الراشِدَةُ إلى الأمَّةِ الـمُسلِمَةِ ، وَهذا مما يُبشِّرُنا بِهِ -صلى الله عليه وسلم- بِقولِهِ :
)تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ ما شَاءَ الله أن تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إذا شَاءَ أن يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ على مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ ما شَاءَ الله أن تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إذا شَاءَ الله أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ ما شَاءَ الله أن يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إذا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّاً فتكون ما شَاءَ الله أن تكون، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إذا شَاءَ أن يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ على مِنْهَاجِ النبوة، ثُمَّ سَكَتَ)([5]).
...هذا ؛ وإنَّ المبشِّراتِ بِعودَةِ القوَّةِ إلى المسلمينَ ، واستثمارِهم الأرضَ استثماراً يُساعدُهُم على تَحقيقِِ الغَرَضِ ، وَتُنبيء عَن أنَّ لَهُم مُستقبلاً باهِراً حتى مِن الناحيَةِ الاقتصاديَّةِ والزِّراعيَّةِ : قَولُهُ -صلى الله عليه وسلم- :
(لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حتى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجاً وَأَنْهَاراً)([6]).
...هذا ؛ ومِمَّا يَجِبُ أن يُعلَمَ بهذِهِ المُناسَبَةِ ، أنَّ قَولَهُ -صلى الله عليه وسلم- :
(لا يأتي عليكُم زمانٌ إلا والذي بَعدَهُ شَرٌّ مِنهُ حتى تَلقَوا ربَّكُم)([7]) ، فَهَذا الحديثُ يُنبَغي أن يُفهَمَ على ضَوءِ الأحاديثِ الـمُتقدِّمةِ وغيرِها ، مِثلَ أحاديثِ المهديِّ ونُزولِ عِيسى عليهِ السلامُ ، فإنَّها تَدلُّ على أنَّ هذا الحديثَ لَيسَ عَلى عُمومِهِ بَل هُوَ مِن العامِّ المخصُوصِ ؛ فَلا يَجوزُ إفهامُ النَّاسِ انَّهُ على عُمومِهِ ، فَيقُعوا في اليأسِ الذي لا يَصِحُّ أن يَتَّصِفَ بِهِ المؤمِنُ ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: ٨٧]، أسألُ الله أن يَجعَلَنا مُؤمنينَ بِهِ حَقاً((([8]).

ـــــــــــــــــــــــــ
([1]) صحيح مسلم ، كتاب الفتن واشراط الساعة ، بَاب لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى تَعْبُدَ دَوْسٌ ذَا الْخَلَصَةِ 4/2230 .
([2]) المصدر نفسه ، كتاب الفتن واشراط الساعة ، بَاب هَلَاكِ هذه الْأُمَّةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ 4/2215 .
([3]) مسند الإمام احمد 4/103 0
([4]) المصدر نفسه 2/176 0
([5])مسند الإمام احمد 4/273 .
([6]) صحيح مسلم ، كتاب الزكاة ، بَاب التَّرْغِيبِ في الصَّدَقَةِ قبل أَنْ لَا يُوجَدَ من يَقْبَلُهَا 2/700 .
([7]) صحيح البخاري ، كتاب الفتن ، بَاب لَا يَأْتِي زَمَانٌ إلا الذي بَعْدَهُ شَرٌّ منه 6/2587 .
([8]) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها للألباني 1/31-36
__________________
رد مع اقتباس