عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-05-2010, 03:00 AM
 
ألف ليلة وليلة ...


استبشرت خيراً عندما تولى الأستاذ جمال الغيطانى رئاسة سلسلة الذخائر والتى تعتنى بإعادة طبع ونشر كتب مهمة من التراث العربى كل شهر وذلك لحبى الشديد للرجل ولثقافته الواسعة وأدبه الجم وثروته اللغوية وعشقه الدائم للغة العربية وخوضه فى غياهبها ، وأيضاً لنهوضه العارم بمجلة أخبار الأدب من قبل وكونها أفضل منشوارت الأدب لوقت ما كن هو فيه يرأُسها . ولذلك كانت فرحتى كبيرة لتوليه الذخائر واعتقادى الأكيد أن الكتب الآتيه ستكون الأفضل لثقتى فيه .. ولكن للأسف بدأها بكتاب عن الطرائف ثم كتاب ترجمة جيد جداً للنقوش الفرعونية بالصور ولكن لم يتم طبع عدد كافِ من النسخ فلم يصل للعديدين !! ثم طبع الأربعة أجزاء الخاصة بألف ليلة وليلة ..... الأجزاء الأصلية وبدون تنقيح !!
زمان وأيام كليتى عندما وقع تحت يدى هذه الأجزاء كنت أتعامل معها بحرص شديد ، حتى أننى كنت أخفيها ولا أقول لأحد من معارفى أنى وجدتها ولا أنى أقرأها ، كنت اتعامل معها وكانها فضيحة تترأسنى وتشير إلى شخصى وتصرخ : امسكوا هذا الشخص ، إنه يقرأنى !!!
حتى أن الشخص الذى كان يمتلكها وحصلت عليها منه كان أحضرها منذ سنين تهريباً من الخارج ، أعتقد من لبنان .
وكنت أستغرب جداً عند مقارتنها بألف ليلة وليلة التى نشاهدها بطولة نجلاء فتحى وحسين فهمى زمان ومن ثم تعاقب الأبطال بهذه الحكايات المكتوبة شديدة الفجور !! وأحمد الله على أن الحكايات الموجودة فى السوق منقحة ومحذوف منها كل هذا الغُثاء الجنسى اللامعقول ... ولذلك عندما تم نشرها من قبل الذخائر والإنسان الصوفى الجميل فى أخلاقه وهدؤه جمال الغيطانى كنت متاكداً من أنه قد نقحها وهذبها وشذبها فى نسخة جميلة سهلة الشراء ولكن كانت المفاجأة الجمة أن النسخة كانت كما هى ، ممتلئة بنفس الألفاظ والحديث الصريح الجنسى ، وممتلئة بكل مايمكن تصوره من علاقات جنسية وألفاظ شديدة القذارة و و و...
الجدير بالذكر هنا أن ألف ليلة وليلة كانت مختفية إلى أن إكتشفها ( أنطوان جالاه) فى القرن السابع عشر وترجمها إلى الفرنسية وكانت هى من أكبر أسباب تفكير الغربيين فى أن المشرق العربى يهيم وراء الجنس ولا يشغل باله سواه ..
المهم أن هناك مجموعة من المحامين الشرفاء الغيورين على البلد قاموا برفع قضية على وزارة الثقافة وجمال الغيطانى لهذه الفعلة ونشره تلك الرواية بأجزائها ..
وهنا يبدأ الفصل الساخر الأخير وهو الإتهام من قبل وزير الثقافة للمحامين انهم نتاج لا يفهم فى الأدب وأن ليس من حق إنسان تنقيح الحكايات لأنها تراث إنسانى ولايندرج تحت ذلك البند الذى يقصده المحامون , ومن ثم أقام الدكتور جابر عصفور والأستاذين محمد سلماوى وجمال الغيطانى مؤتمراً وأعلن جابر عصفور بان هؤلاء المحامون نتاج للتعبير عن الجهل والإنغلاق وإنتصار التيار السلفى . وأكد الغيطانى على أن ألف ليلة وليلة من أكثر الكتب حشمة فى الأدب العربى ولكن ليس لها صاحب يدافع عنها ولذلك يهاجمونها !!! بينما أكد محمد سلماوى أن الهجوم على شهرزاد عودة للتخلف والقمع !!! .. أضحككم الله .

ولكن الحقيقة ياسادة أن العرى والجنس والبذاءة لم تكن أبداً تراث ، ولكن يكون أبداً ثقافة أن تنشروا مثل هذه الكتب بطبعاتها الرخيصة التى لاتساوى ثمن ساندويتش فى كوك دوور أو كنتاكى بين أيدى أغلب شباب اليوم ومراهقيه لأنهم يكفيهم ماهو فيه من انحدار ثقافة ، كنت أنتظر منك ياسيد غيطانى أن تبادر بإثراء السلسلة بكتب تراثية عظيمة الدلالة والفكر تُعبر عن ماضِ عميق غير سطحى ولا مبتذل الأركان وذلك لعلمى بطبيعة ثقافتك وقرائتى لبعض أعمالك وبحثى فى الأخرى ولكن للأسف لم تُرضنى لا أنا ولا غيرى كثيرون إلى الآن ..

والنكتة التى أختم بها المقال أن الغيطانى فى نهاية المؤتمر أعلن أنه إنتصاراً على روح الجهل فهو يعلن أن النسخ قد نفدت وسوف يطبعون طبعة جديدة !!

ولاعزاء للجهلة ... عندنا ... أو عندهم .


رد مع اقتباس