بسم الله الرحمن الرحيم
عمر المختار (1862 – 1931 م)
وعندما تُرجم حكم الإعدام إلى المجاهد الأسير عمر المختار
قهقه بكل شجاعة , قائلاً :: "الحكم حكم الله , لاحكمكم المزيف
إنا لله وإنا إليه راجعون"
******************
عمر المختار (1894م)
قصة عمر المختار والأسد
إن هذه الصفة الجميلة تظهر في سيرة عمر المختار منذ شبابه الباكر
ففي عام 1894م تقرر سفر عمر المختار على رأس وفد الى السودان ... وفي الكفرة
وجد الوفد قافلة من التجار , تتأهب للسفر الى السودان الغربي (تشاد) ، فانضم الوفد
الى هؤلاء التجار الذين تعودوا السير في الطرق الصحراوية ، ولهم خبرة جيدة بدروبها
وعندما وصل المسافرون الى قلب الصحراء بالقرب من السودان , قال بعض
التجار :: يوجد في الطريق أسد , ينتظر فريسته من القوافل التي تمر من
هناك ، وتعودت القوافل أن تترك له بعيراً كما يترك الانسان قطعة اللحم
الى الكلاب أو القطط، وتمر القوافل بسلام , واقترح المتحدث أن يشترك
الجميع في ثمن بعير هزيل , ويتركونه للاسد عند خروجه ، فرفض عمر المختار
بشدة قائلاً: (إن الاتاوات التي كان يفرضها القوي منا على الضعيف بدون
حق أبطلت , فكيف يصح لنا أن نعيد اعطاءها للحيوان , إنها علامة الهوان
والمذلة , إننا سندفع الاسد بسلاحنا اذا ما اعترض طريقنا)
...
إنني أخجل عندما أعود وأقول أنني تركت بعيراً الى حيوان اعترض طريقي , وأنا
على استعداد لحماية ما معي , وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته , إنها عادة سيئة
يجب أن نبطلها ، وما كادت القافلة تدنو من الممر الضيق , حتى خرج الاسد من مكانه
الذي اتخذه على احدى شرفات الممر , فقال :: أحد التجار وقد خاف من هول المنظر
وارتعشت فرائصه من ذلك :: أنا مستعد أتنازل عن بعير من بعائري ولا تحاولوا
مشاكسة الأسد ، فانبرى عمر المختار , ورمى الاسد بالرصاصة الاولى فأصابته
يتهادى نحو القافلة فرماه بأخرى فصرعته
، وأصر عمر المختار على أن يسلخ جلده ليراه أصحاب القوافل فكان له ما أرد
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
(إن الاتاوات التي كان يفرضها القوي منا على الضعيف
بدون حق أبطلت , فكيف يصح لنا أن نعيد اعطاءها للحيوان إنها
علامة الهوان والمذلة , إننا سندفع الاسد بسلاحنا اذا ما اعترض طريقنا)
**************************************************
"إننا نقاتل لأن علينا أن نقاتل في سبيل ديننا وحريتنا , حتى نطرد
الغزاة أو نموت نحن ، وليس لنا أن نختار غير ذلك ، إنا لله وإنا إليه راجعون"
*********
غرسياني
(الحاكم العسكري الإيطالي الذي أمر بإعدمه)
واصفاً المجاهد عمر المختار عندما قابله في مكتبه قبل إعدامه
وعندما نظر إليه قال ::
"هذا هو القديس ، لان كلامه عن الدين والجهاد , يدل بكل
تأكيد , أنه مؤمن صادق , يتكلم عن الدين بكل حماس وتأثر"
"كان مثقفاً ثقافة علمية دينية , له طبع حاد ومندفع يتمتع بنزاهة خارقة
لم يحسب للمادة أي حساب , متصلب ومتعصب لدينه ، واخيراً كان فقيراً
لا يملك شيئاً من حطام الدنيا , إلاحبه لدينه ووطنه"
"هذا الرجل اسطورة الزمان الذي نجا آلاف المرات من الموت ومن الاسر, واشتهر عند
جنوده بالقداسة والاحترام , لأنه الرأس المفكر والقلب النابض للثورة العربية (الاسلامية)
في برقة , وكذلك كان المنظم للقتال , بصبر ومهارة فريدة لا مثيل لها سنين طويلة , والآن
وقع اسيراً في ايدينا"
"لقد قال عمر المختار كلمات تاريخية : إن وقوعي في الأسر تأكيد
بأمر الله وسابق فيعلمه سبحانه وتعالى , والآن أنا بين يدي الحكومة
الايطالية الفاشيستية , وأصبحت أسيراً عندها والله يفعل بي مايشاء , أخذتموني
أسيراً ولكم القدرة أن تفعلوا بي ماتشاؤون , والذي اريد أن أقوله بكل تأكيد لم أفكر في
يوم من الايام أن أسلم نفسي لكم , مهما كان الضغط شديداً , ولكن مشيئة الله ارادت
هذا فلا راد لقضاء الله"
واستطرد قائلاً
"وعندما وقف ليتهيأ للإنصراف كان جبينه وضاءاً , كأن هالة من نورتحيط به ,
فارتعش قلبي من جلالة الموقف , أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية والصحراوية
ولقبت بأسد الصحراء , ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان , ولم أستطع أن أنطق
بحرف واحد، "
"لقد خرج من مكتبي كما دخل عليّ , وأنا أنظر إليه بكل إعجاب وتقدير"
وعندما كان مدير السجن يتجول على زنزانات السجناء رأى الشهيد جالساً على الارض
ولم يستطيع ان يساله لماذا هو جالس على الارض. ولأن المدير لايعرف العربية فناداني أي
(مترجم كتاب (برقة الهادئة :: لغرسياني) الاستاذ ابراهيم سالم عامر) من بين السجناء
السياسيين وطلب مني ان اترجم سؤاله فسألت الشهيد ، فاجاب بصوت هادر
كالأسد الهصور:
" قل له أنا اعرف اين اجلس لا يحمل هماً فهذا ليس من شأنه"
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
ومن أقوال المجاهد عمر المختار
نحن من جنود الله , وجنوده هم الغالبون
(
ولا نخاف طيارات العدو ومدافعه ودباباته
وجنوده من الطليان والحبش والسبايس ، ولانخاف
حتى من السم الذي وضعوه في الآبار ووضعوه على الزروع
النابتة في الأرض , نحن من جنود الله وجنوده هم الغالبون
).
!!!!!
ينسب عمر المختار
إلى قبيلة المنفه :: إحدى قبائل المرابطين ببرقة ، ولد عام 1862م ,
وقد عاش يتيما , عندما وافت المنية والده (مختاربن عمر) , وهو في طريقه
إلى مكة المكرمة بصحبة زوجته عائشة.
******************************
وأما الاستاذ محمد الطيب الاشهب فقد قال ::
(وقد عرفته معرفة طيبة , وقد مكنتني هذا لمصاحبة من الاحتكاك به
مباشرة ، فكنت أنام بخيمته والى جانبه , وأهم ما كنت امقته منه رحمه الله
وأنا وقت ذاك حديث السن , هو أنه لايتركنا أن ننام إذ يقضي كل
ليلة يتلو القرآن , ويقوم مبكراً فيأمرنا بالوضوء بالرغم
عما نلاقيه من شدة البرد , والجوع ومتاعب السفر
وكأني أراه من خلف السنين , وهو قائم يصلي لله
رب العالمين , في الوديان والجبال , وكهوف الجبل
الأخضر , وقد التف بجرده الابيض في ظلمة
الليل البهيم , وهو يتلو كتاب الله بصوت
حزين , وتنحدر الدموع على خدوده
من خشية العزيز الرحيم.
****************
قال تعالى ::
{إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة
وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور}
(سورة فاطر ، الآية).
لقد وصّى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) ابا ذر بذلك فقال ::
(عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض , وذخر لك في السماء)
وقد حذر الرسول الكريم , من هجر القرآن فقال ::
(إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِبْ)
لقد كان عمر المختار , يتلوا القرآن الكريم , بتدبر وإيمان عظيم
فرزقه الله الثبات , وهداه طريق الرشاد , ولقد صاحبه حاله في
التلاوة , حتى النفس الأخير، وهو يساق الى حبل المشنقة , وهو يتلو
قوله تعالى ::
{يا أيتها النفس المطمئة ارجعي الى ربك راضية مرضية}
سورة الفجر.
!!!!!!!!!!!!!!!!!!
وامتاز عمر المختار عن غيره من المجاهدين
و الشهداء بأنه ألهب مشاعر الليبيين والعرب والمسلمين والإنسانية , بمظلوميته
بالدرجة الأولي. ثم إنه جسد الصمود والتحدي والصبر علي الرغم من المعاناة التي عاناها
وكان يعيشها واقعاً مريراً بين إخوانه المجاهدين , والأهالي الذين زج بهم في المعتقلات
والسجون ، ناهيك عمن ووري الثري صابراً محتسباً , و بقي عمر المختار شامخاً
يرفع أسمي معاني الكرامة والأنفة في وجه الظلم والاستبداد ، وهو بذلك
ينقل لنا صوت من فُقد صوته في أزيز المعارك ، أو خلف الأسلاك
الشائكة , ممن بقي في صدره شيء من الحياة .
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
أحد مشايخ قبيلة (البراعصة) بعد استشهاد عمر المختار
جاءه المتصرف الإيطالي يسأله عما يحتاجه هو ورهطه , فطلب منه شيئا
أزعج الحاكم الفاشي عندما قال :: لا نريد شيئاً إلا أكفانا بيضاء فقط ، فإننا نحن
معشر المسلمين , نكرم أمواتنا بدفنهم بعد الموت ، ونحن قد قررنا الموت لأننا
لا نستطيع العيش في هكذا ذل وهوان
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
وباستشهاد عمر المختار بالطريقة والصورة التي قررتها إيطاليا ,
تكون قد جعلت منه رمزاً لكل من يري أنه قد أصابه شيء من العنت
والظلم والإساءة ، وهذا لم يقتصر علي الوطن بل رمز من الرموز
الإسلامية والعالمية
!!!!!!!!!!
فقد عاش جندياً عادياً منذ السنوات الأولي للاحتلال
(1911 م) ولم يذكر له كثير من المآثر , حتي بدايات 1923م حين
أصبح قائداً بعد رحيل كبار القادة عن الوطن ,( 1911 – 1915 ) منهم الشيخ
, أحمد الشريف السانوسي , ونجيب بيك الحوراني (البطاينة ) من أبناء الأردن
(عثمان بن عبدالرحيم الشامي) أحد أبناء فلسطين ،
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!!!!!!
(عثمان بن عبدالرحيم الشامي)(عصمان الشامي)
وأحداً من القادة الخمسة , عينهم عمر المختار لقيادة المجاهدين
الذين قضّ بهم مضاجع الطليان في برقة ، وما ميز عمر المختار عن غيره ,
هو ثقته بنفسه ورجاله وقضيته مقرونة بمرونته , كرجل عسكري وكمفاوض للسلام
دون التنازل عن مبادئ الجهاد المقدس , ومرونته افتقدها كثير من القادة ، ففي
سنة 1929م :: كانت مفاوضات السلام مع الطليان , انتهي الاجتماع
) بصورة ودّية وتبادل الطرفان الهدايا فقد وزّع (بادوليو) ساعات
ذهبية علي مساعدي عمر المختار وأهدي (عمر المختار) الأخير
جواداً عربياً أصيلاً إلي بادوليو , وأخذت الصور التذكارية
للمفاوضين يتوسطهم عمر المختار وبادوليو ,
وقد نشرتها الصحف في وقته
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
ولعل ما ميز عمر المختار
أنه درس في المدارس الدعوية إلى الله تعالى ,
وقد تنقل في البراري والصحاري داعيا ومعلما ومذكراً الناس
بالإسلام والدين الحنيف , والآخرة التي إليها المآل , حتى وصل
إلى السودان الغربي ما يعرف اليوم (بالتشاد) وفتح المدارس
وإشترك مع أهل السودان الغربي في جهاد الفرنسيين
حتى أن أهل (تشاد) ردوا له الجميل واشترك منهم
معه في جهاد الطليان , وتنقله هذا أكسبه الخبرة
في التعامل مع أقصى الظروف , وقدرته على
القيادية في مرحلة الجهاد المقدس على
التراب الليبي
***********
رفض الهجرة
إلي دول الجوار في الأوقات العصيبة
وأصر على البقاء في أرض الوطن الحبيب وقال ::
(لا أغادر هذا الوطن حتى ألاقي وجه ربي , والموت
أقرب الى من كل شيء , فإني أترقبه بالدقيقة)
وقال:
(كل مسلم الجهاد واجب عليه , وليس منه
وليس لغرض اشخاص , وإنما هو لله وحده)
وعندما عرض عليه أن يترك ساحة الجهاد ، ويسافر الى الحج قال
(لن أذهب ولن أبرح هذه البقعة , حتى يأتي رسل ربي , وان ثواب
الحج لا يفوق ثواب دفاعنا عن الوطن , والدين والعقيدة)
إن هذه الكلمات التي كتبت بماء الذهب على صفحات
تاريخنا المجيد , نابعة من فهم عمر المختار
لقوله تعالى:
{
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)
الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
}
(سورة التوبة)
**************
بل ظل ثابتاً علي الرغم من يقينه بأنه سيهزم
عسكريا وأنه لا محال سيلقي ربه عاجلاً
أم آجلاً , حتي استشهاده
في 16/9/1931م
خاتما حياته
برمزية إنسانية إسلامية عربية ليبيية
من برقة الجهاد والإستشهاد في سبيل الله
رمزية خالدة في التاريخ
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
إنسحبت إيطاليا من ليبيا
بهزيمتها في الحرب العالمية سنة 1943
وسنة 1949 حصلت على الإستقلال التام
**********************************
وفي 30/8/2008
انحنى
(برلوسكوني) رئيس وزراء إيطاليا
وقبل يدي نجل عمر المختار , وأقر بالتعويض
واعتذر للشعب الليبي عن سنوات الإحتلال المريرة
لتبدأ صفحة جديدة من التاريخ
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!