كتب القائد المخضرم السيد :: أحمد الشريف :: المثقل بالشيخوخة والمرض . وبعيداً عن أرض الوطن في مكة المكرمة رسالة إلى الشيخ عبدالحميد العبار , بتعيين الشيخ يوسف بورحيل قائداً للجهاد خلفاً للشهيد عمر المختار , فتقبل المشايخ من بينهم الشيخ عصمان الشامي ، ذلك بالطاعة لقائدهم العسكري برحابة الصدر , واستمروا في قتالهم للإيطاليين .وكان لسان الحال يردد ما قاله الشاعر , (أحمد الشارف) في طرابلس الغرب : رضينا بحتف النفوس رضينا ولم نرضي أن يعرف الضيم فينا ولن نرضى بالعيش إلا عزيزاً ولا نتقي الشر بل يتقينا ولكن ضاقت بهم برقه بما رحبت , وقل الزاد والعتاد وهُجَّرت معظم قبائل برقة إلى معتقلات , الآبيار وسلوق وقمينس والمقرون والعقيلة والبريقة ، وقُتل خلق كثير , ونُصبت الأسلاك المكهربة الشائكة للحيلولة بينهم وبين إخوانهم المهاجرين بمصر , فانقطعت الإمدادات والأخبار ولم تسلم عائلة (الشيخ عثمان الشامي) من تلك الابتلاءات فاعتقلت زوجته الأولى واسمها (مكاتيب امعيوف وابنهما محمد) وسجنوا في معتقل العقيلة الوحشي وكان أقارب المجاهدين القادة يراقبون مراقبة شديدة وعلى جانب حاد من القسوة، ثم نفى اثنان من إخوانها وهم من قبيلة الدرسة , وبالفعل , مات أخوال ( محمد عصمان عبدالرحيم الشامي ) في جزيرة الموت لا لشيء اقترفوه, إلا دفاعاً عن أرض والعرض وأختهم مع الشيخ عثمان أحد قادة المقاومة ، أما الزوجة الثانية ، (هويته بنت محمد بريدان) من بيت اليتامى في البراعصة ( 1891 - 1996 ) وكانت حينها حبلى بابن الشيخ عثمان الشامي ، (علي )، التي أسرع الشيخ عثمان في بعثها مع المهاجرين إلى مصر الشقيقة وأنجبت ولدها (علي) في الطريق بمنطقة البطنان الصحراوية وكتب لها ولطفلها الحياة ودخلت مصر , واهتم الليبيون في المهجر بعنايتهما في مدينة (مربوط الحمام) , ومن ثم رجعوا إلى ليبيا فيما بعد . ***** ما بقي من المجاهدين ليس لهم ما يقاتلوا به ولم يكن لديهم حتى أزهد الطعام , بل كانوا يقتاتون الحشائش مع خيولهم , لكي يستمروا في التنقل من مكان إلى آخر , حتى لا يظفر بهم العدو ، وخلت البلاد من السكان , فقد استشهد من الليبيين نصف عدد السكان , 750 ألف , من أصل مليون ونصف والباقي سيقوا إلى المعتقلات الصحراوية القاتلة , وهاجر الباقي إلى الصحراء المصرية الغربية , وإلى السودان الغربي (تشاد) وتونس والجزائر ********** “ الفرسان الثلاثة ” قرر القادة الثلاث الذين سماهم المجرم “غراسياني ” في مذكراته “ الفرسان الثلاثة ” الهجرة إلى مصر لغرض تجنيد المهاجرين الليبيين والتزود بالعدة والعتاد والعودة بهم إلى أرض الوطن وإخراج الناس من ” المعتقلات ” وانقسموا إلى ثلاث فرق قادها الفرسان الثلاث .. فقد اشتبك الشيخ البطل ” عثمان الشامي ” مع الطليان ثم وقع في الأسر جريحاً في عين غزالة , وكانت صحته خطرة للغاية وحالته يرثى لها كما يروي “ غراسياني” ذلك في كتابه ( برقة الهادئة ) ************* من المجاهدين ومن بينهم قادة ميدانيين استبسلوا حتى نجوا أمثال :: صالح بو امطير العبيدي :: وحمد بوخير الله البرعصي ودخل هؤلاء الأبطال مصر , وبنادقهم على ظهورهم وأمقاصهم بأيديهم وكانت تلك صفعة أخرى وجهها المجاهدون لوجه إيطاليا السافر وغضب المجرم غراتسياني لفداحة المصاب وذلك بخروج عدو لدود وقائد للجهاد **************** وكان الشيخ عبدالحميد العبار في حالة صحية سيئة للغاية ، حيث فقد أكثر من نصف وزنه نتيجة المجاعة التي واجهها هو ورفاقه في الجهاد، حتى أن أضلع قفصه الصدري السفلي كانت تحك حوض ساقيه ، حيث ملأ جوفه بألياف النخيل الجافة الرطبة التي تمكنه من الوقوف منتصباً ، وتستر بخرق بالية من خيش الخيم ، علماً بأن هذا الرجل الجوعان العريان كان من أثرى أثرياء برقة وأجودها ******** سبق وأن عين الشيخ (عصمان الشامي) قائم مقام لأدوار (المجاهدين) قبيلتي الدرسة والبراعصة , وهذا شرف ناله القليلون ، حيث تزعم رئاسة قبائل عُرف عنها التباهي بمشايخها وشبابها الأبطال ************************** ومن شمائل الشيخ عصمان شدة البأس وقوة الشكيمة ، لا يعرف اللين في التعامل مع الطليان لشدة عزته بإسلامه وعروبته ******* وقع الشيخ عصمان في الأسر في الكانون / ديسمبر 1931 م , جائعاً مريضاً مثخناً بالجراح , بعد جولات له مع الطليان , أذاقهم فيها مرارة القتال، وأُطلق سراحه لتدهور صحته في سنة 1933 م ، وبقى على قيد الحياة تحت مراقبة الإيطاليون حتى توفي في 1938م في ظروف غامضة ******************** والشيخ عصمان الشامي استعمل كل ما أوتي من قوة في سبيل الجهاد على أرض ليبيا، فوظف جاهه وأرضه وممتلكاته في فلسطين لدعم حركة الجهاد في ليبيا . واستغل الشيخ عصمان علاقاته الشخصية لدعم المجاهدين , وخاصة مع (شفيق حزام) ، من أبناء فلسطين المسيحيين الذي كانت له استثمارات وأملاك كثيرة في ليبيا في منطقة الحنية , ومصنع شفيق الشهير ببنغازي ، علماً بأن هذا الرجل لم يتأنى في دعم المجاهدين , بمنح الشيخ عصمان ما أراد ,(ديناً) وهو على علم بتصديه للجهاد ، ونحيّي بدورنا (الكتاب الليبييون) هذا الرجل لما قام به من مخاطرة في دعم الجهاد , بطريقة أو بأخرى , حتى لانغمط الناس حقوقهم ، فقد استدان ما أحتاجه بعض المجاهدين , من شفيق خزام على ضمانة الشيخ عصمان الشامي , والذي كان له أملاكا كثيرة في فلسطين , كما أنه شغّل ابنه (محمد بن عصمان الشامي) في مصنعه بعد خروجه من المعتقل *********** بعدما أخُرج الشيخ عصمان من المعتقل سنة 1933 م لسوء صحته , كان الجوع والحاجة في انتظاره , ولم يبخل وجهاء سكان بنغازي من الحضر , بالتشرف بمساعدة هذا السيف المتكسر في ساحات الجهاد ************************* وعندما رجعت زوجته (هويته البرعصية) التي كانت بالمهجر بأن يُرتب لهم سكن يليق بالعائلة ، وبالفعل استطاعا أن يتحصلا على قطعة أرض في منطقة البركة , بعدما باعت زوجته ما تمتلك من فضة بالإضافة إلى ما درته عليها بعض الأعمال الشريفة التي قامت بها وبنوا فيها بيتا صغيراً لضم شمل العائلة حتى يستأنفوا حياتهم في هدوء . ****** وقام أقاربه بترتيب زيارة له إلى فلسطين حيث مولده وأهله وعشيرته وأملاكه المرهونة من أجل الجهاد وبالفعل تمت جميع الترتيبات , ولكن عاجلته المنية ببيته في ليبيا بمرض شديد ، ووفاه الأجل في 12/12/1938 م . ********************** ورد أهل ليبيا الجميل لأهل فلسطين وكان من رفاق الشيخ عصمان من المجاهدين الليبيين الذين لجأوا إلى مصر ، ومن سار على دربهم ، لم يهنأ لهم خاطر أو بال ، بل البعض منهم أراد استكمال مسيرته الجهادية طمعا في الشهادة , فتطوع قسماً منهم للجهاد في فلسطين المباركة , تلبية لصوت الجهاد , ووفاءً منهم لما قام به المجاهد البطل عصمان الشامي في ليبيا ، فذهب المجاهد ( سعيد جربوع )، وكان من المقربين لشيخ عمر المختار، كما كان من القلائل الذين كانوا بمعية الشيخ عمر المختار عند وقوعه في الأسر وجرح دونه , ونجى من الأسر , وكذلك المجاهد (بلقاسم حفتر الفرجاني) والمجاهد (حمد بن شعيب) ، الذي جرح في فلسطين عندما انضم إلى صفوف المجاهدين , ضد الإنجليز والصهاينة في فلسطين , والكثير من الليبيين الذين عرفوا في فلسطين الحبيبة بالمغاربة , وآخرين لا نعرفهم الله تعالى يعرفهم ولن يضيّع أجرهم ****** عائلة عثمان بن عبدالرحيم الشامي تُمنح شهادة التقدر , ووسام شرف الجهاد المقدس ولم تُترك عائلته بدون سند ولا مدد من قبل إخوانهم في ليبيا , بل تسابقت القبائل في احتضان أبناءه وتذكيرهم بأن انتسابهم للشيخ عصمان الشامي شرف ما بعده شرف , جسد ذلك الشيخ عبدالحميد العبار عام 1962 عندما جاءه علي ، الابن الأصغر للشيخ عصمان ، وكان حينها الشيخ عبدالحميد يرأس مكتب المجاهدين , دخل (علي عصمان) على الشيخ عبدالحميد , أملى على الفور على سكرتير مكتبه، معتوق آدم الرقعي ، أن يكتب الآتي : ” هذا ابن عصمان الشامي الغني عن التعريف .. والسلام ” ثم وقعها وختمها بختمه فما كان على الجهات المعنية , إلا أن توشح العائلة بشهادة تقدير وعرفان لجهاد والدهم ، وكذلك وسام شرف الجهاد المقدس , اعترافاً لصنيع هذا الفارس :: المسلم العربي المقدسي الفلسطيني البطل, القادم من أرض الشمال , للجهاد مع أبناء المغرب العربي في شمال أفريقيا ********************** لقد كان لرحيل الفارس العربي المسلم , الأثر الكبير وخاصة لعدم رؤياه النصر الذي حققه لاحقاً أبناء ليبيا على الطليان ولعدم رؤياه لفلسطين منذ أن غادرها للجهاد في ليبيا , ولكن هكذا يُمكّن للأبطال ، لا تكتب لهم البطولة إلا بعد الابتلاء والتضحية والصدق أحمد شوقي أمير الشعراء في وصفهم عندما رثاهم في شخص الشيخ عمر المختار فقال : خيرت فاخترت الميت على الطوى لم تبن جاهاً أو تلمّ ثراء فتحية لروح هذا البطل الطاهرة وهي تطل علينا صباحاً مساءً من عليائها لتشاهد , قوافل الشهداء مزدحمة على أبواب الأقصى في فلسطين والعراق والشيشان وأفغانستان ,فرحم الله الشيخ عمر المختار وعصمان الشامي ، ونجيب بيك الحوراني , ومحمد الحمد الحنيطي وسرور برهم , ورفاقه المجاهدين الذي ألبسوا تاريخ هذه الأمة , حُليٍ من الكرامة والفخار ، وزينوا بفروسيتهم وشجاعتهم , ليبيا وفلسطين وسوريا والعراق والجزائر ..... بشرف الجهاد المقدس وأسكنهم فسيح الجنات ولا تزال المقاومة الصادقة للظلم والظالمين تستمد من جهاد الرعيل الأول روح التضحية والإستشهاد في سبيل الله تعالى ********* الاستعمار مدان , احتلال اراضي الغير مرفوض والظلم مدان , وله ثمن يدفعه الظالم للمظلوم والتعويض وتقبيل يدي (محمد عمر المختار) الإبن رمزية الأباء يتورثها الأبناء سُنّة ليبيا وإيطاليا ************* قدم رئيس الحكومة الايطالية (سيلفيو برلوسكوني) أمس (30/8/2008) اعتذارا رسميا باسمه وباسم الشعب الايطالي عن «الجراح الغائرة التي سببها الاستعمار الايطالي للشعب الليبي» خلال زيارته الى بنغازي. ووقع برلوسكوني «اتفاقية تعاون وشراكة وصداقة» تقضي بدفع ايطاليا، تعويضات بمليارات الدولارات عن الحقبة الاستعمارية للييبا. ووصف الاتفاق بالساعة التاريخية واعتبره اقرارا بهزيمة الاستعمار، وتردد عقب توقيع الاتفاق ان «الاستعمار مدان وان احتلال اراضي الغير مرفوض وان الظلم مدان , وله ثمن يدفعه الظالم للمظلوم» «الاستعمار مشروع فاشل» ******************* والجهاد في سبيل الله ماض إلى يوم القيامة ووموعودات الله تعالى , تمدنا بالأمل { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)
__________________ لا إله إلا الله , عليها نحيى وعليها نموت , وعليها نلقى الله |