"إحراجٌ للعرب وإضعافٌ لموقف عباس"
"القدس العربي": لقاءٌ تاريخيٌّ بين مشعل و"ميدفيديف" [ 13/05/2010 - 01:14 م ] تشهد العاصمة السورية دمشق حراكًا سياسيًّا مكثفًا هذه الأيام؛ فبعد الزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى أنقرة ولقائه أركان النظام التركي الحاكم، وعقد قمة ثلاثية بحضور السيد رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، ها هو الرئيس الروسي "ديمتري ميدفيديف" يحل ضيفًا على نظيره السوري، ويطير بعدها إلى أنقرة في زيارة رسمية لها. أن يزور الرئيس الروسي دمشق ويلتقي رئيسها ربما لا يعتبر أمرًا خارجًا عن المألوف، ولكن أن يلتقيَ السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة 'حماس' وبحضور الرئيس الأسد، فهذه خطوة تنطوي على معان سياسية بالغة الأهمية، تحمل في طياتها العديد من الرسائل إلى أكثر من طرف عربي وعالمي، وخاصة "السلطة الفلسطينية" في رام الله ورئيسها السيد محمود عباس. اللقاء في حد ذاته اعترافٌ بحركة "حماس" كقوة سياسية لها صفة تمثيلية للشعب الفلسطيني أو قطاع كبير منه، ومن قبل ثاني قوة عظمى على مستوى العالم. صحيح أن السيد خالد مشعل زار موسكو بدعوة من الحكومة الروسية، والتقى مسؤولين كبارًا فيها؛ من بينهم وزير الخارجية، ولكنه لم يستقبل من قبل الرئيس "ميدفيديف" ولا رئيس الوزراء "بوتين". وربما يفيد التذكير بأن غالبية الزعماء العرب، وخاصة في دول محور الاعتدال، رفضت استقبال السيد مشعل على المستويين الرسمي والشعبي؛ فحتى هذه اللحظة لم يلتق رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الرئيس المصري حسني مبارك رغم زياراته المتكررة إلى القاهرة، ولم يستقبل في العاصمة المصرية إلا من قبل اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصرية، في إشارة واضحة تفيد بأن مصر لا تزال تتعاطى مع حركة "حماس" في إطار اهتماماتها الأمنية فقط. اللقاءات الرسمية التي تمت مع بعض مسؤولي "حماس" في قطاع غزة، مثل السيد إسماعيل هنية رئيس الحكومة أو محمود الزهار وزير الخارجية، جاءت في إطار الصفة الرسمية لهؤلاء كمسؤولين في حكومة وحدة وطنية فلسطينية انبثقت عن "اتفاق مكة"، وفي إطار "السلطة الفلسطينية" في رام الله، وكان لافتًا أن هذه اللقاءات توقفت بعد انهيار هذه الحكومة، ولم يعد السيدان الزهار وهنية يُستقبلان من قبل رئيس الوزراء أو وزير الخارجية المصري، مثلما كان عليه الحال في السابق. المملكة العربية السعودية ذهبت خطوة أبعد من نظيرتها المصرية، عندما استقبل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي السيد مشعل أثناء زيارته إلى الرياض مطلع العام الحالي، ولكن اللقاء لم يكن ناجحًا، وتردد أن الأمير الفيصل طالب ضيفه الفلسطيني بالاعتراف بمبادرة السلام العربية والاتفاقات الموقعة بين "السلطة" و"إسرائيل". "الرئيس الفلسطيني" محمود عباس الذي لم يستقبله الزعيم الليبي معمر القذافي أثناء زيارته إلى طرابلس، واعتذر الرئيس السوري عن استقباله عندما طلب زيارة دمشق قبل القمة العربية الأخيرة لانشغاله؛ كان يبرر عدم لقائه مع السيد مشعل أثناء زيارات سابقة إلى دمشق بالقول إن الأخير يعامله كندٍّ، وعلى المستوى نفسه، ويؤكد أنه لن يلتقيَه إلا بعد توقيع حركة "حماس" على وثيقة المصالحة المصرية. استقبال "ميدفيديف" السيد مشعل في دمشق الذي يصفه المسؤولون في حركته بأنه يشكل نقطة تحول تاريخية في تاريخ الحركة السياسية؛ سيقوي موقف رئيس حركة "حماس"، وسيحرج بعض الزعماء العرب، وسيضعف موقف الرئيس محمود عباس التفاوضي، وفي وقت يتعرض فيه لإحراجات كبيرة بسبب إصرار حكومة بنيامين نتنياهو على استمرار "الاستيطان" في القدس المحتلة رغم موافقته (أي عباس) على العودة إلى المفاوضات غير المباشرة تجاوبًا مع ضغوط أمريكية ومباركة عربية. الاحتجاج "الإسرائيلي" على هذا الاستقبال كان متوقعًا، خاصة أنه جاء بعد أقل من أسبوع من زيارة شمعون بيريس الرئيس "الإسرائيلي" إلى موسكو، ولكن السؤال هو عن رد فعل السلطة في رام الله الذي لن يكون ممتنًّا لهذا الاستقبال ولا للعاصمة السورية التي احتضنته، وفي مثل هذا التوقيت بالذات. ولعل ما هو أخطر من كل ذلك أن يدعو الرئيسان: الروسي "ميدفيديف"، والتركي عبد الله غول يوم أمس، إلى عدم "استبعاد أحد" من المفاوضات في الشرق الأوسط، وتسميتهما "حماس" بالاسم؛ وذلك في ختام مباحثاتهما أمس في أنقرة. السيد غول قال: "(حماس) ربحت الانتخابات ولا يمكن تجاهلها"، أما الرئيس الروسي فقال في المؤتمر الصحفي المشترك: "لا بد من إشراك كل الأطراف وعدم استبعاد أحد كشرط للبحث عن حل أكثر فاعلية للمشكلة الفلسطينية في ظل الانقسام الحاصل حاليًّا".