قصيدة أنا العبد
قصيدة رائعة لابن عبدالقوي
ــ
أنا العبـد الـذي كسـب الذنوبـا * وصـدتـه الأمانـي أن يتـوبـا
أنا العبــد الــذي أضحـى حزيناً * علــى زلاتــه قلـقاً كـئيـبــا
أنا العبـد الـذي سطـرت عليـه * صحائف لم يخـف فيهـا الرقيبـا
أنا العبد المسـيء عصيـت سـراً * فمالـي الآن لا أبـدي النحيـبـا
أنا العبد المفـرط ضـاع عمـري * فلـم أرع الشبيـبـة والمشيـبـا
أنـا العبـد الغريـق بلـج بحـرٍ * أصيـح لربمـا ألـقـى مجيـبـا
أنا العبـد السقيـم مـن الخطايـا * وقـد أقبلـت ألتمـس الطبيـبـا
أنا العبـد المخلـف عـن أنـاسٍ * حووا من كـل معـروفٍ نصيبـا
أنا العبد الشريـر ظلمـت نفسـي * وقـد وافيـت بابـكـم منيـبـا
أنا العبـد الحقيـر مـددت كفـي * إليكـم فادفعـوا عنـي الخطوبـا
أنا الغـدار كـم عاهـدت عهـدا * ً وكنت علـى الوفـى بـه كذوبـا
أنا المهجور هل لـي مـن شفيـعٍ * يكلم فـي الوصـال لـي الحبيبـا
أنا المضطر أرجـو منـك عفـواً * ومن يرجو رضـاك فلـن يخيبـا
أنا المقطوع فارحمنـي وصلنـي * ويسر منـك لـي فرجـاً قريبـا
فوا أسفـي علـى عمـرٍ تقضـى * ولـم أكسـب بـه إلا الذنـوبـا
وأحـذر أن يعاجلـنـي مـمـاتٌ * يحيـر لهـول مصرعـه اللبيبـا
ويـا حـزنـاه مــن نـشـري * ليـومٍ يجعـل الـولـدان شيـبـا
تفطـرت السمـاء بـه ومـارت * وأصبحـت الجبـال بـه كثيـبـا
إذا مـا قمـت حيرانـاً ظمـيـا * حسيـر الطـرف عريانـاً سليبـا
ويا خجـلاه مـن قبـح اكتسابـي * إذا ما أبـدت الصحـف العيوبـا
وذلـة موقـفٍ لحسـاب عــدلٍ * أكون بـه علـى نفسـي حسيبـا
ويـا حـذراه مـن نـار تلظـى * إذا زفـرت فأقلـعـت القلـوبـا
تكـاد إذا بـدت تنشـق غيـظـاً * على مـن كـان معتديـاً مريبـا
فيا من مدّ فـي كسـب الخطايـا * خطـاه أمـا بـدا لـك أن تتوبـا
ألا فاقلـع وتـب واجتهـد فإنـا * رأينـا كـل مجتـهـدٍ مصيـبـا
وأقبِل صادقاً في العـزم واقصـد * جنابـاً ناضـراً عطـراً رحيبـا
وكـن للصالحيـن أخـاً وخــلاً * وكـن فـي هـذه الدنيـا غريبـا
وكن عـن كـل فاحشـةٍ جبانـاً * وكن فـي الخيـر مقدامـاً نجيبـا
ولاحـظ زينـة الدنيـا ببغـضٍ * تكن عبـداً إلـى المولـى حبيبـا
فمـن يخبـر زخارفهـا يجدهـا * مخـادعـةً لطالبـهـا حلـوبـا
وغض عن المحارم منـك طرفـاً * طموحـاً يفتـن الرجـل الأريبـا
فخائنـة العيـن كأسـد غــاب * إذا مـا أهملـت وثبـت وثـوبـا
ومن يغضض فضول الطرف عنها * يجـد فـي قلبـه روحـاً وطيبـا
ولا تطلـق لسانـك فـي كــلامٍ * يجـر عليـك أحقـاداً وحـوبـا
ولا يبـرح لسانـك كـل وقـتٍ * بـذكـر الله ريّـانـاً رطـيـبـا
وصل إذا الدجى أرخـى سـدولاً * ولا تكـن للظّـلام بـه هيـوبـا
تجـد أجـرأ إذا أدخلـت قـبـراً * فقـدت بـه المعاشـر والنسيـبـا
وصم مهما استطعت تجـده ريـاً * إذا مـا قمـت ظمآنـاً سغيـبـا
وكـن متصدقـاً سـراُ وجـهـراً * ولا تبخل وكـن سمحـاً وهوبـا
تجـد مـا قدمتـه يـداك ظــلاً * عليك إذا اشتكى النـاس الكروبـا
وكـن حسـن الخلائـق ذا حيـاء * طليق الوجـه لا شكسـاً قطوبـا
فيا مولاي جـد بالعفـو وارحـم * عبيداً لـم يـزل يشكـي الذنوبـا
وسامح هفوتـي وأجـب دعائـي * فإنـك لـم تـزل أبـداً مجيـبـا